الفتوى/ محمد مكركب
الموضوع: التوبة من اتهام الناس بالفاحشة (القذف).
قال السائل: اتهمني أحد الظالمين ورمى زوجتي بالزنا، وبعدما قذفني في شرفي وطردت من العمل، وعانيت حزنا وسوء معاملة من الناس، جاءني وقال لي تبت وأريد أن تسمح لي، ولكن زوجتي غضبت عليه وقالت لا ولن أسمح له على المصيبة التي نزلت بنا بسبب اتهامه إيانا في الباطل، وأراد أن يدفع لي مبلغا من المال، فهل أقبل منه ذلك؟ وهل واجب علي أن أسمح له؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: إيذاء المؤمنين وقذف المحصنات واتهام الناس بالباطل من الكبائر. أي: من الذنوب والمعاصي الكبيرة والقبائح التي يتحمل فاعلها إثما عظيما. قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ (58) وقد أنزل الله حكما صريحا في حد القذف، والقذف هو الرمي بالزنا، يعني اتهام رجل أو امرأة بالزنا، أو اللواط، أو نفي النسب، سواء بالقول الصريح، أو بالكتابة الصريحة. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.﴾ (النور:4،5) وظاهر الآية فيها حكم القذف بخصوص النساء، في رميهن بالفاحشة، ولكن قذف الرجال يدخل في حكم الآية بالمعنى. إذا رمى شخص آخر بالزنا طلب منه القاضي حضور أربعة شهود يشهدون جميعا فإذا لم يأت القاذف بالشهود، يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل شهادته، وحينها يكون المقذوف بريئا في نظر المجتمع. ومن هنا يعلم القاذف الذي يريد اتهام الناس بالزنا أنه لا يجوز له ولا يشرع له أن يصرح بشيء إلا إذا كان أربعة يشهدون بأنهم شاهدوا عملية الزنا مباشرة. والله تعالى اعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: هل للقاذف من توبة؟ فالقاذف الذي لم يأت بالشهود، يجلد، وترد شهادته، ويوصف بالفسق، مادام مصرا على تصريحه وبدون شهود يقال له:فاسق. وهل له من توبة؟ قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.﴾ وتكون توبة القاذف بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حُدَّ فيه، يصرح ويقول: أن فلان بن فلان، لم أر ولم أعلم ما قلته عن اتهام فلان أو فلانة، والقول الذي صرحت به يوم كذا في الوسيلة كذا بالطريقة كذا غيرُ صحيحٍ، وأُعْلِن هذا توبة إلى الله تعالى. فإذا كان في بلد لا يقام فيه الحدود، أنه إذا تاب وظهرت توبته لم يحد بعد توبته وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق، والتوبة بغير تكذيب نفسه غير صحيحة. بل كل توبة في الذنوب المخالفة للشرع مشروطة بالبيان والإصلاح ورد الحقوق كاملة المعنوية والمادية. قال الله تعالى:﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:160) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: قال السائل: (وأراد القاذف أن يعطيني مبلغا من المال، هل أقبله؟) لايجوز لك أخذ المال من التائب إلا في حالة وهو أن يكون قذفه إياك تسبب لك في تضييع أو صرف قيمة تساوي ذلك المبلغ، وأعطاه لك على هذا الأساس، فهو من شروط التوبة وهو رد الحقوق إلى أصحابها. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: قال السائل: وأن زوجته المقذوفة لم تسامح القاذف، قد يكون الابتلاء أثر عليها لشدة الفضيحة وكلام الناس الذين ينقلون البهتان ويري بينهم كسريان النار في الهشيم. ولكن نقول لها هذا ابتلاء والله يأجرك بقدر الابتلاء. واتركي أمره لله تعالى. وكل بني آدم خطاء والتائب من الذنب بشروط التوبة في حكم الله تعالى.قال الله تعالى: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ (النور:12) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
خامسا: النصيحة للناس الذين يتلقون البهتان والإفك، أنه لايجوز لهم نقل الأخبار عن حال الناس، والنصيحة للصحافة والأعلام يحرم نشر خبر مُؤْذٍ عن شخص، أو عن شعب، أو أسرة. قال الله تعالى:﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ.وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.﴾ (النور:15 ـ 17) ولينتبه وليحذر أولئك الذين يتسرعون في نشر اتهامات تمس شخصية وشرف الناس على صفحات شبكات التواصل، أو على الصحف. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.