زهور ونيسي شذى الابداع ولظى السياسة/ أ .د. ليلى محمد بلخير
أن تكتب امرأة في زمن الثورة وما بعدها في الفن وفي السياسة، وإلى يومنا هذا. بسمت أصيل يتحدى كل أشكال التغييب، فهي نموذج نفيس، كتبت أول رواية نسوية جزائرية مسجلة بذلك تاريخ ميلاد المرأة المبدعة حضورا وهوية، فلم تعد المرأة مجرد رمز للوطن أو للحرية أو للمتعة، والتمرد على الأخلاق،كما جرت الأعراف الفنية عند الروائيين. في رواية (من يوميات مدرسة حرة) تهندس زهور ونيسي نسق اللغة، امتلكت في ذلك الزمن الصعب زمن الاستدمار مقاليد إدارة الكلام وتنظيم الأحداث، فكان لها الريادة الأدبية في بعث الرواية البكر، سجلت على صفحاتها تاريخ نضالها، وبالطريقة التي تراها أقرب لإبلاغ صوتها، تجلت مذكرات تسجيلية لواقع حقيقي، تستدعيه زهور ونيسي من الذاكرة؛ فهي بالحكي شاهدة على أحداث الثورة من خلال قيامها بتدريس البنات في مدرسة حرة، لا تلتزم بفرنسة التعليم، بل تحتكم لمبادئ الإسلام الداعية للنهوض على الجهل والاستبداد والأعراف الفاسدة. وظفت زهور ونيسي مدرسة البنات رمزا لثورة وطن، والمعلمة المناضلة رمزا لدور المرأة الجزائرية في تلك الظروف القاسية. أما فيما يخصها فقد مثلت لها وظيفة معلمة تحديا كبيرا على مستويات ثلاث، مستوى الذات التي لم تألف الخروج من البيت، ومستوى الأسرة المترددة في مباركة هذه المبادرة الجريئة والخطيرة، ومستوى المجتمع المحكوم بعادات محقرة لشأن المرأة والمستدمر الغاشم.
هذا القمع دفعها للمشاركة في الثورة، فكانت مدرسة البنات حيزا لمعركة نسائية ضد الجهل، ضد السلبية والتهميش، تنفتح على المعركة الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي. ترسم خط الأمل للبنات، رغم الأجواء الصعبة، الملغمة بالألم والعذاب، وتربية نفس مشبعة بالتحدي، والطيران نحو الأمل. ففي أحداث غلق المدرسة من طرف الإدارة الاستعمارية، تجابه القرار، راغبة في إكمال المهمة، تنضم إليها بنات المدرسة، وتواجه مسؤول الأمن في الإدارة الفرنسية، تعطي أمرا لكل البنات بتلاوة سورة (الشمس) لإيهام الضابط بأن المدرسة تشغل مهام الكتاتيب في تحفيظ القرآن، وتأتي السورة رمزا للنور، فمن يردْ النور عليه بالخروج للشمس:{والشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} والشمس تأكيد على الحاجة الحيوية للنور، نور الحرية، فالمرأة في تلك الظروف تعاني سجن فرنسا، وهيمنة التقاليد البالية، والثقافة الاستدمارية، وتأتي زهور الكاتبة والمناضلة لمعالجة معاناة المرأة المثقفة، في وقت عانت الجزائر من نقص الرجال المثقفين، تتقدم زهور نموذجا لوعي نسائي بقضية المرأة، وقضية الوطن على السواء. رغبة في إثبات الذات، لتحول إلى ذات فاعلة مؤثرة، مشبعة بالوعي والثقافة، والعمل الجاد، والتضحية والتفاني، للمساهمة في إخراج الوطن من الوضعية المأزومة، عن طريق إشراك المرأة، امتثالا لنصيحة (ابن باديس) في تعليم البنت، وتعزيزها بالكرامة حتى تكون قوية تشارك في بناء صرح الكرامة الوطنية. وتستوقفنا هذه القصة ونحن على مشارف عهد جديد لنأمل بوطن يحضن شمسه من جديد… وتنهض في ربوعه آلاف الأزهار وترسل شذاها في الكون الأشم .