تعالوا إلى كلمة سواء/ خالد بن الطاهر قميتي الجزائري
طالعت في حياتي وأنا على عتبة الخمسين من العمر في كتب التاريخ والمراجع والمؤلفات والتراجم والسير بشتى أنواعها أن من أكبر الخيانات وأجرمها وأفسدها خيانة الأمانة بكل ما تحمل هذه الكلمة من المعاني والبيان، ألم يقل ربنا عز وجل {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ..} إنها بحق عظيمة بقدر عظمها وشأنها عند الله عز وجل، وقد أجد نفسي مضطرا لأن أقول بأن من أشرف وأجل الأمانات قدرا هي الحفاظ على أموال الأمة التي يستأمن الناس بعضهم على بعض عليها. وقد أقول كذلك إن من سفاسف الأمور وأرذل وأقبح الأشياء أن تمتد أيدي المسؤول أو الحاكم إلى مال الأمة الذي استأمنه الناس عليه. قد يسرق العامل وقد يسرق الحارس وقد يسرق الإداري البسيط وقد تمتد أيدي الطامعين والسماسرة والساقطين في مسالك اللامسؤولية واللاوطنية ولكن أن يطمع الحاكم أو المسؤول الأعلى مكانة وشرفا فتلك الكارثة الكبرى، يا ويحنا لم تؤنبنا ضمائرنا ولا قلوبنا ولا حتى أدنى مستوى من الوطنية والإخلاص لهذا الوطن؟!. كم تقاسي يا وطني العزيز!! وكم فعلت بك الجراح والآلام وأنت تتنفس تنفس الغريق في الماء !! ماتت الأحاسيس والمشاعر عند هؤلاء ولم يبق من أجسامهم إلا الهياكل والعظام، أما الأعضاء والقلوب فقد انتهت، وإلا فقل لي بربك أيها القارئ العزيز في أناس قد رضعوا من وكر الفساد ما رضعوا. ألم يئن لهذه القلوب والعقول أن تعود إلى ضمائرها ورشدها وحسها الوطني. إيهٍ يا وطني كيف أصبحت وكيف أمسيت !! أأبكيك أم أعزيك!! وأنا العبد الضعيف أتنفس بزفرات تخرج باكية من شغاف القلب، إيهٍ يا وطني الغالي لقد فعلوا بك الأفاعيل ورسموا في بياضك كل الأباطيل ومع ذلك كلهم يتنفسون من شذى نسيمك العليل ويشربون من كأسك أعذب الماء وأرواه، ويأكلون من الطعام أجمله وأشهاه. آهٍ وآهٍ من قلوب قد تحجرت وقست فما عاد ينفع فيها الكلام ولا المواعظ، فما عاد ينفع فيها لا اللوم ولا العتاب، لقد باتت مآسينا وجراحنا تكبر وتكبر كل يوم لأننا بكل أسف وحزن ضيعنا الأمانة التي هي عنوان كل شيء، فكل ما نراه هو في الحقيقة أمانة، فيوم أن ضاعت من قلوبنا ضاع كل شيء معها. لقد ماتت في قلوبنا مكانتها أي والله تلك هي الحقيقة التي لا نراها. أكتب وأنا أنظر إلى ذلك البطل الرمز العربي بن مهيدي كيف كان يقاوم ويصارع تلك الوحوش المفترسة ويحتسب الأجر والثواب عند الله لأنه أبى أن يضيع أمانة الوطن والجهاد، إنها روح الأوفياء والمخلصين، هنا وفقط هنا تجف الأقلام وتُحبس الأنفاس وترتفع الأعناق لتعلنها لنا صرخة مدوية أين أمانة الشهداء فهل من مجيب؟!. إنها وقفة وجب علينا جميعا أن نقفها فنبادر ونصحح المسار، فإنها أمانة الأمانات وواجبٌ لن يقوم به إلا المخلصون لهذا الوطن، أما الساقطون والسفهاء والجبناء والفاسدون فإن من شأن وطني الجزائر أنها ستلفظهم وترمي بهم على هامش التاريخ تلك هي أمانينا وأحلامنا فلتحيا بلادي مرفوعة الرأس لن يضرها كيد الكائدين ولا خيانة الخائنين. اللهم اجعل الجزائر في أمانك وضمانك والسلام.
بلدية العسافية- ولاية الأغواط-
البريد الإلكتروني: kk654127@gmail.com