الموضوع: حكم الأضحية، والاشتراك في البدنة، وذبيحة المرأة، وتارك الصلاة./ محمد مكركب
قال السائل: هل الأضحية واجبة، أم سنة؟ لأنني قرأت حديثا، في صحيح مسلم: [وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ] هل هذه العبارة تفيد الوجوب؟ وهل يجوز الاشتراك في البقرة، والبدنة؟ وما هي شروط صحة الأضحية؟ وهل يجوز للمرأة ذبح الأضحية؟ وهل يجوز الأكل من أضحية تارك الصلاة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: حكم الأضحية. أنها سنة مؤكدة. فعلى كل مستطيع أن يضحي، فإن لم يستطع فلا إثم عليه.قال ابن عمر: [هي سنة ومعروف] ومعروف معناه: إحسان إلى الناس وفعل خير يتقرب به المضحي إلى الله عز وجل.
وفي موطأ الإمام مالك [قَال يَحْي، قَال مَالِك: الضَّحِيَّة سُنَّة، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا، أَنْ يَتْرُكَهَا]. ويستحب لمن أراد أن يضحي أن لا يحلق شعره، ولا يقص أظفاره، إذا دخل ذو الحجة. ففي الحديث: [إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَبَشَرِهِ شَيْئًا] (مسلم.كتاب الأضاحي. رقم:1977) وفي سنن أبي داود عن أم سلمة رضي الله عنها، أيضا، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ (أي ضحية) فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: يجوز الاشتراك في البدنة والبقرة. في الهدي، وقياسا عليه يجوز في الأضاحي. ففي كتاب المغني:[(وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ) وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ] (المغني. كتاب الأضاحي) وفي صحيح مسلم.(بَابُ جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَإِجْزَاءِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ) (كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ) وفيه: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة). وفي الرواية الأخرى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة. وفي بداية المجتهد:[وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي النُّسُكِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ]أما الإمام مالك فقد أفتى بعدم جواز الاشتراك في الأضحية. ففي المدونة:[قلت: فالضحايا هل يشترك فيها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يشترك فيها إلا أن يشتريها رجل فيذبحها عن نفسه وعن أهل بيته، فأما سوى هؤلاء من الأجنبيين فلا يشتركون] وفي بداية المجتهد[قال مالك: يجوز أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضحيا عن نفسه وعن أهل بيته الذين تلزمه نفقتهم بالشرع، وكذلك عنده الهدايا. وأجاز الشافعي وأبو حنيفة وجماعة أن ينحر الرجل البدنة عن سبع، وكذلك البقرة مضحيا أو مهديا]. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: أما شروط صحة الضحية. فهي نفس شروط، الهدي، فتكون من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو المعز. وسن المعز والغنم من سنة فما فوق. وسن البقر، ثلاث سنوات فما فوق، وسن الإبل خمس سنوات، فما فوق. وأن تكون سليمة البدن، سمينة. وأن تذبح إن كانت من الغنم والبقر، وتنحر إن كانت من الإبل، بعد صلاة العيد، وليس قبل الصلاة. فمن حيث السلامة، ورد في الموطأ: عن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: [أربع: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ، الْبَيِّنُ عَوَرُهَا. وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا. وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي] ( الموطأ. كتاب الضحايا. رقم:1035) ومن حيث شرط السن، ورد في صحيح مسلم:[ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ] ومن حيث وقت ذبح الأضاحي، أو نحرها، عن البراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَوَجَّهَ قِبْلَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يُصَلِّيَ]، فَقَالَ خَالِي: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِي، فَقَالَ: [ذَاكَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ لِأَهْلِكَ]، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ، قَالَ: [ضَحِّ بِهَا، فَإِنَّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ](مسلم. كتاب الأضاحي. رقم:1961) ويصح ذبح الأضحية في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، والثاني عشر. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: أن الأضحية كما علمت سنة، واجبة على المستطيع، ولها فضل عظيم، وكما قال مالك رحمه الله، ]وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا، أَنْ يَتْرُكَهَا]، ولكن الفقير الذي لا يملك ثمنها، فليطمئن بأن الرسول صلى الله عليه ضحى على من لم يضحي من أمته، فإذا كان الفقير لا يملك ثمن الأضحية، فلا يطلب منه أن يقترض ليضحي، ثم يترك الدين على نفسه أو ورثته. فقد روى الترمذي.أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش، فقال: [هَذَا عَمَّن لَمْ يُضَحِّ مِنْ أمَّتِي] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
خامسا: نعم يجوز للمرأة المسلمة كالرجل أن تذبح الأضحية، وتسلخ، وتهدي، وتتصدق. قال الإمام أحمد حماني:[ولا يشترط في المرأة شروط خاصة بها، بل نص علماؤنا على أنها لا كراهة في ذكاتها، ولو كانت جنبا أو حائضا أو نفساء] قال القرطبي في شرح قوله تعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ ويستحب ألا يذبح إلا من ترضى حاله، وكل من أطاقه وجاء به على سنته، من ذكر أو أنثى بالغ أو غير بالغ، جاز ذبحه إذا كان مسلما أو كتابيا، وذبح المسلم أفضل من ذبح الكتابي. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
سادسا: حكم تارك الصلاة أنه إن تركها تهاونا، وكسلا، فهو فاسق، تُكْره ذبيحتُه، والأولى أنه لا يذبح الأضحية، ولا العقيقة، فهو فاسق لا يطيع الله. ثم إذا دعي إلى الصلاة ثلاثة أيام، وأُخبر رسميا بشأن الصلاة، وبحكم تارك الصلاة، ومع ذلك بقي مصرا على ترك الصلاة، فلا تجوز ذبيحته، ولا تؤكل، لأنه وقع في الشرك. وفي القوانين الفقهية لـ: محمد بن أحمد بن جزي: [ فِي الذَّابِح الأولى أَن يتَوَلَّى ( أي المسلم المضحي) ذبح أضحيته بِيَدِهِ فَإِن لم يُمكنهُ فليوكل على الذّبْح مُسلما مُصَليا..ثم قال: فَإِن ذَبحهَا تَارِك الصَّلَاة استحبت إِعَادَتُهَا] وفي صحيح مسلم، في بَاب بَيان إِطلاقِ اسمِ الْكفرِ على من تَركَ الصلاة.عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال: سمعت جابرا، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ] (مسلم.كتاب الإيمان.رقم:82) قال محمد فؤاد عبد الباقي، في شرح الحديث:[ (بين الشرك والكفر ترك الصلاة) معناه إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل بل دخل فيه] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.