اتجاهات

لنستلهم إنجازات الماضي في مواجهة تحديات الحاضر/ أ. محمد العلمي السائحي

إن الجميع يعلم أن الجزائر اليوم تجتاز مرحلة من أهم مراحل تاريخها المعاصر، وأنها تقف اليوم في مفترق طرق، وعليها أن تختار وجهتها بكل وعي وبصيرة، وإلا زلّت بها القدم، وسلكت طريقا غير ذلك الذي أراده لها سلفنا الصالح، من شهدائنا الأبرار، وعلمائنا الأخيار، الذي حددت معالمه في بيان أول نوفمبر الصادر عنهم بمناسبة اندلاع الثورة التحريرية الكبرى، سنة 1954…

وقد كشفت تجاذبات الحراك الذي انطلق منذ فيفري 2019، أن هناك من يفكر ويخطط للانقلاب على ذلكم البيان التاريخي، الذي حدد للدولة الجزائرية هويتها، ورسم لها معالم نظامها السياسي، وبين أن سلفنا أرادوه نظاما ديمقراطيا يرمي لإرساء العدالة الاجتماعية، على أن يتم ذلك في إطار المبادئ الإسلامية…

كما فضح الحراك الكثير من التيارات التي ركبت موجته، وراحت تنادي بما يخدم أجنداتها  لا الجزائر كما تزعم وتدعي، حتى أن البعض لم يتحرجوا في رفع مطالب ظاهرها أنها ترفع الغبن عن المرأة، وباطنها تعطيل ما جاءت به نصوص الشريعة الإسلامية من أحكام، تضع الضوابط التي تحكم علاقة المرأة بأخيها الرجل، وتعرفها بحقوقها، وتحدد لها واجباتها، وذلك بغية تغذية الصراع بين الرجل والمرأة في إطار المجتمع الجزائري، وذلك لصرفه بهذه المعارك المفتعلة، عن المعارك الحقيقية التي ينبغي عليه حسمها…

إذن فقد بات من الضروري تجاوز ما انخرط فيه الحراك من معارك جانبية، ترمي في معظمها إلى شغلنا عن التفرغ لمعاركنا الحقيقية، مع أعدائنا في الداخل والخارج، الذين لا يريدون لنا أن نكتشف تعاونهم على ضرب مصالحنا الحيوية، وتهديدهم وحدتنا الوطنية، بما يجعلنا نقف في وجوههم، ونتصدى لهم، ونمنعهم من الوصول إلى أهدافهم وبلوغ غاياتهم…

ولا شك أن التصدي لكل تلك المؤامرات، وتجاوز كل تلك الصراعات، يتطلب منا استلهام منجزاتنا في الماضي، وكيف أمكن لنا تحقيقها على الرغم من قلة المال، وعدم مواتاة الظروف والأحوال، ومع ذلك حققنا ما كنا نصبو إليه، وتمكنا بفضل عزيمة الرجال، من تجاوز الأهوال وتحقيق ما كان يعد في أعين الكثير من الناس محالا…

علينا إذن أن نستلهم ما جرى في نوفمبر 1954، حيث أخذ الشباب زمام المبادرة، فتولوا تفجير الثورة، وتجاوزوا ذلك الصراع الذي نشب في حزب الشعب بين من هو مع الثورة المسلحة، ومن هو مع افتكاك الحقوق بالنضال السياسي…

فلنفسح نحن أيضا المجال للشباب ليمارس مسؤولياته، ويسهم في بناء الجزائر التي يحلم بها، فهو أحق بذلك من غيره…

ولنقتبس منهجه وأسلوبه في تجاوز ما هو سائد من الصراعات ففي الماضي أسس شبابنا جبهة وحملها مسؤولية قيادة الثورة، وحمل الجميع على التخلي عن انتماءاتهم الحزبية، وقناعاتهم الإيديولوجية والانصهار في إطار تلك الجبهة التي أسماها: “جبهة التحرير الوطني”  والاحتكام فقط إلى مبادئها، وأهدافها…

ولنحرص حرصه في الماضي على التمسك بوحدتنا الوطنية والدفاع عنها كدفاعه المستميت عنها، حيث كان يحرم على الجميع التباهي بالعرق أو الجهة، كما جعل أبناء الجنوب يقاتلون في الشمال وأبناء الشمال يقاتلون في الجنوب، وذلك ليجعل الجميع يدرك أن أبناء الجزائر  مسئولون عن كل شبر من الوطن، وأنهم مدعوون للدفاع عنه أينما كانوا…

نعم بالفعل إن حل مشاكل الحاضر ورفع تحدياتهم قد يتطلب منا استلهام منجزات السلف والرجوع إليها والتعويل عليها في ابتكار الطرق والأساليب المساعدة على تجاوز تناقضات الحاضر ورفع تحدياته…

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com