من التكوين إلى هندسة التكوين.. تحول ضروري في الوظيفة العمومية/ مباركي نور الدين
لم يعد العالم المتطور يتحدث اليوم عن التكوين بمفهومه العام أو بصفاته التقليدية، وإنما أصبح أكثر من ذلك تميزه الدقة والتخصص، وهذا الاهتمام الزائد بدرجة يندرج ضمن الاهتمام والاستثمار في العنصر البشري كأداة لتحقيق العمل والمهام وبلوغ الهدف المسطر ضمن مخطط واستراتيجية الإدارة.
إن التكوين بمفهومه التقليدي أضحى غير كاف لتحقيق الرغبات وبلوغ الأهداف بدقة وعناية، لهذا وجب الخروج من هذه العقيدة المقيدة نوعا ما خاصة في الوظيفة العمومية بقواعد قانونية مما يجعل منظومة التكوين تتسم بالجمود والتعقيد، بل أكثر من ذلك خلق نوعا من اللامبالاة من طرف كل الفاعلين، ابتداء من السلطات الوصية أي الإدارة العمومية والتي أهملت التكوين ولم تعره القدر الكافي من الاهتمام، وكذا الموظفين، بحيث أصبحوا لا يعطون التكوين القدر الكافي من المبالاة والاهتمام وحتى الجدية، وهذا ما أفقده تأثيره، ولهذا وجب النظر في إعادة صياغة هذه العقيدة وإصلاحها أو ربما الخروج منها للتوجه نحو طريقة ووسيلة أكثر مرونة وتنوع، وتحليلها، هذا التحليل ينتج عنه طرح هيكلة جديدة وبرنامج إصلاح منظومة التكوين، والانتقال من التكوين التقليدي إلى ما يسمى في العالم المتطور “هندسة التكوين”.
لقد تطرقنا سابقا من خلال مقال لهذا المفهوم الحديث “هندسة التكوين” .
لقد قلنا أن هندسة التكوين أو التدريب هي عبارة عن مجموعة من الأساليب المنهجية والمترابطة والمتناسقة والمتكاملة التي يتم تنفيذها في تصميم الإجراءات أو أجهزة التكوين لتحقيق الهدف والغاية المقصودة بشكل فعال وبدقة عالية .
علاوة على ذلك في معظم الأحيان، “الهندسة” تعتبر نهجًا لتصميم التكوين بطريقة عقلانية، والهدف من هندسة التكوين هو جعل هذا الأخير أكثر فعالية! حيث يمكن التعبير عنها ووصفها بأنها “مثيرة للاهتمام” بل و”جذابة” ومفيدة ليس فقط لأنها غير مكلفة ولكنها فعالة للغاية تعطي نتائج جد مرضية، كما أنها قابلة للتكيف مع إستراتيجية الإدارة، وهي ميزة وصفة كبيرة.
لقد أدت هندسة التكوين إلى ولادة هندسة تطوير المهارات .
علاوة على ذلك، لتصميم وتنفيذ إجراء تكوين فعال، من جمع وتخصيص الاحتياجات الأولية، التوجيه وصولا إلى التقييم النهائي للعمل التدريبي في من خلال إضفاء الطابع الرسمي على الطلب والحاجة، وترجمة الاحتياجات إلى أهداف تدريبية، وصياغة المواصفات، والجوانب المتعلقة بالميزانية والتنظيم، أي القيام بدراسة لجميع الجوانب، الجانب المالي والتقني .
في الواقع يجب أن تكون كل خطوة منظمة ومحددة، حيث أن تلبية والرد الكامل على الطلب الأولي، واحترام معايير الجودة والتكلفة والموعد النهائي. هذا ما يسمى هندسة التكوين!
إن هذا النهج “هندسة التكوين” حتما تميزها مراحل التي تعتبر القاعدة الأساسية لتصميم التكوين ونذكر: التحليل، التحضير، التقييم، الإنجاز، حيث يجب أن يتأكد مسؤول التكوين، وهو لاعب رئيسي في هذه الهندسة من ضمان وضبط التنسيق وإدارة هذه المراحل الرئيسية.
هندسة التكوين من منظور شخصي، هي وسيلة تتمثل في دراسة تدقيقية وتخصيصية لكل جوانب التكوين ومعطياته وكذا الجزئيات التي تحدث الفارق، وهذا حتما سيكون انطلاقا من الدراسة والتحليل وصولا إلى النتيجة والهدف المسطر مسبقا .
إن منظومة التكوين في الوظيفة العمومية بمفهومها التقليدي تعاني من ضعف وعدم القدرة على خلق موظف متمرس، كامل الصفات، الأخلاقية منها والمؤهلات المهنية المتمثلة في الكفاءات اللازمة والتي ينبغي أن تساير وتتماشى مع متطلبات العالم الحديث. إن هذا العجز سببه عدم التجديد، أو بعبارة بسيطة وأكثر واقعية عدم الاهتمام بالتكوين، فالتجديد والتحديث يكون سببه ودافعه الاهتمام والمبالاة والتي هي الأخيرة تكون سبب الإرادة في التغيير والتطور .
من خلال هذه النظرة، نرى أن التحول والتوجه نحو هذا النظام الجديد والحديث والمسمى بهندسة التكوين هو ضروري في الوظيفة العمومية لتكوين وخلق موظف بكفاءة عالية. ولهذا يستوجب دراسة وتحليل، وكذا طرح خطة واستراتيجية مسبقة قائمة على المبادرة في التجسيد ووضع الأسس القوية لإرساء قواعد هذا النظام . ربما يستلزم عمل وتحضير، لكن هذا العمل ليس بالمستحيل أو حتى الصعب، بل هو قضية إرادة وعزيمة للتغيير نحو الأفضل والتطور والعصرنة .
موظف/ طالب جامعي