فضــائل موسم الشتــاء/ د. يوسف جمعة سلامة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَآئِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}.
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآيات السابقة:[{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} أي فلينظر هذا الإنسان الجاحد نظر تفكر واعتبار ، إلى أمر حياته، كيف خلقه بقدرته، ويسره برحمته، وكيف هيأ له أسباب المعاش، وخلق له الطعام الذي به قوام حياته ؟! ثم فصَّل ذلك فقال:{أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} أي أنا بقدرتنا أنزلنا الماء من السحاب على الأرض إنزالاً عجيباً{ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا} أي شققنا الأرض بخروج النبات منها شقاً بديعاً{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا} أي فأخرجنا بذلك الماء أنواع الحبوب والنباتات: حبًا يقتات الناس به ويدخرونه، وعنباً شهياً لذيذاً، وسائر البقول مما يؤكل رطباً{وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} أي وأخرجناكذلك أشجار الزيتون والنخيل، يخرج منها الزيت والرطب والتمر {وَحَدَائِقَ غُلْبًا}أي وبساتين كثيرة الأشجار، ملتفة الأغصان{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} أي وأنواع الفواكه والثمار، كما أخرجنا ما ترعاه البهائم، قال القرطبي: الأبُّ ما تأكله البهائم من العشب{مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} أي أخرجنا ذلك وأنبتناه ليكون منفعة ومعاشاً لكم أيها الناس ولأنعامكم، قال ابن كثير : وفي هذه الآيات امتنانٌ على العباد وفيها استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة، على إحياء الأجسام بعدما كانت عظاماً باليةً وأوصالاً متفرقة].
في هذه الأيام نعيش بداية فصل الشتاء، فصل الغيث والخير، الذي يترك ظلاله والحمد لله على جميع مناحي الحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والزراعية، والثروة الحيوانية، ونسبة عذوبة المياه، والنظافة وغير ذلك، فقد أنعم الله علينا وعلى البشرية بنعم كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى، ومن هذه النعم نعمة الماء والغيث كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.
توجيهات نبوية
من المعلوم أن المسلمين يسعدون كثيراً حين يكرمهم الله سبحانه وتعالى بنزول الغيث، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُعَلّمنا ما يُقال إذا أمطرت، كما جاء في الحديث الذي روته عائشة – رضي الله عنها- : ( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: “اللهم صَيِّباً نافعاً“.
* أما إذا اشْتَدَّ المطر، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أنس – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ (الروابي) وَالظِّرَابِ (الجبال الصغيرة) وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ“.
* وإذا عصفت الريح سُنَّ للمسلم أن يقول ما حَدّثت به عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَصَفَت الرِّيحُ قَالَ:(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ).
* وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا سمع الرعد والصواعق، قال:(اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بغَضَبكَ، وَلا تُهْلِكْنَا بعَذَابكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ).
* ومن هديه – عليه الصلاة والسلام– أنه كان يتعرض للمطر ببدنه،كما جاء في الحديث، قال أنسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام – مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ:(لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ
برَبِّهِ عزَّ وجل).
*كما وبَيّن – صلى الله عليه وسلم – أن وقت نزول المطر من مواطن إجابة الدعاء، لقوله- صلى الله عليه وسلم -:(إثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ أو قال قلّ ما تُرَدَّان: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أو عند البأس حين يُلحِم بعضهم بعضاً)، وفي رواية عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:(وَتَحْتَ الْمَطَرِ).
فضائل فصل الشتاء
ولفصل الشتاء فضائل وبركات عديدة، منها:
* الحثّ على إسباغ الوضوء في شدة البرد حيث إن ذلك من أفضل الأعمال، لما رُوي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:(أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ).
* الحثّ على مساعدة الفقراء والمحتاجين، فمن المعلوم أنَّ الصدقات ليست سبباً في قِلَّة المال،كما جاء في الحديث(مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَة)، فقد أكد نبينا – صلى الله عليه وسلم- ذلك في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)، ولو تأملنا حال مجتمعنا لرأينا أنَّ أهل الصدقات والجود يبارك الله لهم في أهليهم وأموالهم، بينما نرى العكس عند مانعي الزكاة .
ومن أشكال الصدقات والبرِّ خصوصاً في مثل هذه الأيام، مساعدة الفقراء والمعوزين والضعفاء والفقراء واليتامى والثكالى والأرامل، مساعدتهم بشراء الملابس الشتوية لهم، وإدخال السرور على قلوبهم، ورسم البسمة على وجوههم بما أفاء الله عليك من النِّعم، فإنَّ منع الزّكاة سببٌ مباشر لغضب الله، كما جاء في الحديث:(… وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا).
هنيئاً لمن ساهم في كسوة إخوانه من الفقراء والمحتاجين وقدّم لهم يد العون والمساعدة، وأكرمهم بما أفاء الله عليه، خصوصاً في هذه الأيام الباردة من فصل الشتاء، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم– يحثنا على ذلك:(مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ). قَالَ:(فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ).
* التذكير بزمهرير جهنم والعياذ بالله منها، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِن الزَّمْهَرِيرِ).
لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ
يجب على المسلمين أن يشكروا الله تعالي على ما أولانا من فضله وإنعامه، تقديراً لهذه الخيرات المحيطة بنا، واعترافاً بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وطلباً للمزيد من فضله وخيره،كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ}.
وقد بين رسولنا محمد- عليه الصلاة والسلام – فضل شكر الله على نعمه، وأثر الإنفاق في البركة وفي تنزل الرحمات، حيث يقول – صلى الله عليه وسلم – 🙁بَيْنَمَا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَانْتَهَى إِلَى الْحَرَّةِ، فَإِذَا هُوَ فِي أَذْنَابِ شِرَاجٍ، وَإِذَا شَرَاجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَبعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلانٌ. بالاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لِمَ سَأَلْتَنِي عَنِ اسْمِي؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ باسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَا إِذَا قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ، وَأَرُدُّ ثُلُثَهُ).
نسأل الله أن يجعل هذا الموسم موسم خير وبركة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن ينشر المحبة والتراحم والتكافل فيما بينهم، إنه سميع قريب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.