أقلام القراء

أمتنا بين الاستبداد السياسي والثقافي/ عبد القادر قلاتي

لا شك أنَّ الاستبداد السياسيّ هو الأكثر وضوحاً في واقعنا العربي والإسلامي، هذا الواقع المأزوم هو الذي يشكِّل حالة من الانسداد أمام التحول الحقيقي الذي تنشده أمتنا، وهي تبحث عن دورة حضارية جديدة تنسخ بها الوضع الحضاري المزري الذي تحياه اليوم، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل الاستبداد السياسي أشدّ وقعاً على الأمة من الاستبداد الثقافي الذي نرى آثاره في كلّ تفاصيل حياتنا المعاصرة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يمكننا أن نسأل سؤالاً آخر، نعتبره مدخلاً للإجابة عن هذا السؤال المحوري، وهو: ما علاقة الاستبداد السياسي بالاستبداد الثقافي؟ وهو السؤال الذي يحيل إلى الوقوف أمام جدلية العلاقة بين السياسي والثقافي منذ تشكل وعي الإنسان بمفهوم السلطة تاريخياً.

أحببت أن أسوق هذا المقدمة لأضع القارئ أمام حقيقة يدركها، دون القيام بعملية بحث في سياق التاريخ والواقع، لإثبات الترابط العضوي بين السلطة والمثقف، وأنا أقصد هنا السلطة في صورتها المشوهة وهي الاستبداد السياسي، والوجه المشوه للمثقف، وهو المثقف الخادم للسلطة انطلاقاً من أيدلوجيا مقيتة تتحكم فيه، أو المثقف الذي يستخف بالمبادئ والقيم، ويتعامل معها بمنطق التاجر؛ كحال الكثير من رجال الدين الذين برزوا في السنوات الأخيرة، ورأيناهم كيف خالفوا المعلوم من الدين بالضرورة، وضربوا حقائق التصور الإسلامي للكثير من المواضيع دون حياء، خدمة لهذا الحاكم أو ذاك. لكن هذا الفصيل لا أقصده بما أكتب اليوم، وإنما أقصد المثقف المؤدلج الذي يشكل إعاقة حقيقة لمعنى التغيير في بلادنا العربية والإسلامية، بما يحمله من رؤية عرجاء لمعنى التغيير الذي تنشده الأمة في سياق جدلية النهوض الحضاري، الذي لا يعنيه كثيراً – أي المثقف المؤدلج – فالنموذج الذي ملك قلبه وعقله، مرسوم في وعيه وفكره، ومن أجله يناضل ومستعد للتحالف مع الشيطان! لفرض هذا النموذج. والأمثلة على هذا كثيرة وصارخة، خصوصاً في البلاد التي تعرف وجوداً كثيفاً لهذا التيار الذي يمثل الاستبداد الثقافي بوضوح، والذي كان ومازال يخدم الاستبداد السياسيّ في كل أطواره ومراحله؛ أنظر كيف انتصر بحماس كبير للقرارات الجائرة في حق الأمة التي اتخذها عراب الدولة العميقة في تونس، الباجي قايد السبسي، رغم أنه يدرك أنَّ الشعب التونسي لا يرضى بهذه القرارات الخطيرة التي مسَّت دينه وثقافته الذاتية والحضارية، ويقبل بها، لكنه يصرُّ على فرضها في الواقع التونسيّ، ولا تعنيه – لا من قريب ولا من بعيد- مسألة الأكثرية الرافضة لها، فالكفر بكلّ الآليات السياسية التي أفرزتها الدولة الحديثة، سيتحول ديناً لهذا التيار الخبيث، الذي مارس ومازال يمارس أخبث أدوات الاستبداد الثقافي في واقعنا العربي والإسلامي باسم الحداثة تارة، أو باسم محاربة التطرف الفكري الذي يلصقونه بالتيار الأصيل في الأمة تارة أخرى، وهم في كلّ ذلك يخدمون المشروع الاستعماري الغربي، عن دراية وعلم أحياناً، أو عن حماقة وغفلة أحياناً أخرى…وللحديث بقية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com