حوار

رئيس المجلس الأعلى للغة العربية البروفيسور صالح بلعيد للبصائر:

“الانجذاب اللغوي كرس لنا النظرة التحقيرية للغة العربية”ّ.

“العودة إلى النصوص الطبيعية القديمة بدل النصوص الصناعية في المدرسة الجزائرية”.

“اللغة العربية لا تُمارس رغم مستواها العالي”.

مواكبة لليوم العالمي للغة العربية، تحدث الدكتور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في حوار له مع جريدة البصائر الجزائرية، عن مهام ودور المجلس الأعلى للغة العربية في تنمية وترقية اللغة العربية في الجزائر، وعن واقع المحتوى الرقمي للغة العربية مقارنة بمحتوى اللغات الأجنبية، كما تحدث عن  تحديات اللغة العربية التي تسببت في تأخير تطويرها مقارنة بتطوير اللغات الأجنبية، مشيرا في هذا الصدد إلى الانجذاب اللغوي من خلال تبني اللغات الأجنبية على حساب لغة الأم، وذلك لنقص الاعتزاز بهذه اللغة، إضافة ألى إغفال المدرسة الجزائرية على تفعيل النصوص القديمة التي هي الأساس، واعتمادها على النصوص الصناعية إضافة إلى غيابها للحفظ والكتابة، كما أشار البروفيسور صالح بلعيد، أن المجلس يسعى لتطوير وترقية اللغة العربية وفقا للمعايير العالمية التي تقوم على التقانة.

  • أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ماذا أعد المجلس الأعلى للغة العربية لـ18 ديسمبر 2019؟
  • على مسافة أيام قليلة فقط للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، أمامنا برنامج يدور تحت عنوان القياس العالمي للغة العربية، تحت عنوان اليونسكو “تحدي الرقمنة”، بشعار “اليوم العالمي للغة العربية”، فالمجلس كعاته منذ 2016 يحتفي بهذه المناسبة، هي من مناسبات القارة الدولية: 21 فبراير، أول مارس، 16 مايو، 18 ديسمبر، هذه التواريخ بالنسبة للمجلس خريطة طريق فمنذ 2016، ونحن نحتفي بها، لدينا اتفاقيات بيننا وبين اليونيسكو وبين الأليسكو، وبالتالي العمل الذي نقدمه تحت عنوان: “القياس العالمي للغة العربية” سيخص الحديث عما يطرح الآن حول اللغة العربية: ما موقع اللغة العربية؟ هل هي لغة دولية؟ هل هذه اللغة سوف تنقرض؟ هل اللغة العربية من اللغات الدينية؟ هل اللغة العربية لها وجه علمي؟ كل الأسئلة المطروحة في القياس العالمي، ونحن أخذنا هذا القياس العالمي وطبقناه على اللغة العربية، ونزلنا إلى الميدان في دراسة ميدانية دقيقة لمختلف الشرائح الاجتماعية، ودام هذا العمل تقريبا عشرة أشهر، وطبعا خرجنا بنتائج التي فندت الكثير من القضايا التي تقول أن اللغة العربية سوف تنقرض وأن اللغة العربية ليست لغة علمية، إذ وصلنا إلى نتائج جيدة في صالح اللغة العربية، بل أكثر من هذا أن هناك خمسة من الباحثين الذين نزلوا إلى الميدان وطبقوا هذه الاستبانة، وسيقدموا لنا يوم 18 ديسمبر معلومات حول الذكاء اللغوي عند الطفل وكذا استراتيجيات تنمية هذا الذكاء، كما أعددنا مدونة جاهزة توزع يوم الثامن عشر، حول المهارات اللغوية، لأن المهارات تُكتسب، هناك مهارات فطرية ولكن إذا لم تُستغل عن طريق مجموعة من المهارات والتجارب والممارسات سوف تندثر وتضمحل، إذن كيف ننمي المهارات اللغوية الأربع لدى التلميذ، نبدأ أولا من المدرسة لأن الرهان الآن على المدرسة، أي أن اللغة إذا تجسدت في المدرسة تجسيدا جيدا سيكون لها الإشعاع، وإن لم تكن ذات ركيزة في المدرسة لن يكن لها الإشعاع، ولهذا استدعينا مدربا عالميا الأستاذ سمير دهريب، الذي سيقدم لنا طريقة لتنمية الذكاء اللغوي عند الطفل، وعن الاستراتيجيات التي تأخذها المدرسة الجزائرية في برامجها للسيطرة على اللغة العربية، فكما لاحظنا أن هناك ضعفا كبيرا في الأداء اللغوي، والمدرسة معنية بهذه المسألة، ولكن نريد تقديم هذه الوصفة كاقتراح، نحن ننتج الأفكار ولا نصنع القرار، وبالتالي هذه الفكرة نقدمها لمن يهمه الأمر وخاصة وزارة التربية، فلعل أنهم يعيدون النظر في البرامج والمناهج، وأشير هنا إلى أن الوزارة عملت هذا العام عملا جيدا، والمتمثل في تخصيص ربع الساعة أو عشرين دقيقة للغة المحادثة، لأن المهارات تكتسب من خلال السماع والمحادثة ثم الكتابة فالشفاهية، هذا هو الأساس للتحكم اللغوي، والعلوم ستأتي لأنها مصطلحات، لكن إذا كان الإنسان لا يتحكم في لغة التواصل يصعب عليه أن يبلغ العلوم، كما ستكون قراءات شعرية من شعراء الجزائر، إضافة إلى أن هناك معرض خاص بالكتابات العربية في إطار عولمة الخط العربي تحت عنوان: “جولة في عالمية الخط العربي في إفريقيا”، حيث أن اللغة العربية نالت انتشارا في القارة الإفريقية التي كان منطلقها من الجزائر من بلد التبكتن وإلى نيجيريا ثم إلى تشاد ثم امتدت ثم إلى تانزانيا ثم إلى إفريقيا، فكانت لغة عولمية، حيث كل اللغات التي كانت لغات محلية أصبحت تكتب بالخط العربي، سنعرض مجموعة كبيرة من الرسومات حول هذه اللغات الإفريقية التي تكتب بالحرف العربي، ومنذ 2016 المجلس له أحياز كثيرة في الجزائر وأحياز أخرى خارج الجزائر، لدينا طلبات كثيرة من اليونيسكو والألسكو ومن كل المجامع اللغوية، يعني عهد جديد أعطاه المجلس مشاريعه العربية، ونعتز بهذا العمل الذي يقدمه المجلس الأعلى للغة العربية مع كل الشركاء الاجتماعيين ومع مختلف الوزارات كوزارة البيئة والطاقات المتجددة، ووزارة الثقافة، وزارة التربية، المجلس الإسلامي الأعلى، ومع المحافظة السامية للغة الأمازيغية ومع وزارة النقل ومع وزارة الداخلية، وأيضا وزارة البريد المواصلات في إطار اتفاقية حول حسن الأداء اللغوي، لنجري لهم دورات تكوينية حول حسن الآداء، مثل العام الماضي مع وزارة الاتصال من خلال تنظيم دورة تكوينية للصحفيين حول حسن استعمال اللغة العربية.
  • ذكرتم جهودا كبيرة بُذلت لتنمية وترقية اللغة العربية، لكن رغم كل هذه الجهود تبقى اللغة العربية متأخرة عندما نقارنها بتطورات اللغات الأجنبية الأخرى، دكتور تتجدد المصطلحات وتتطور العلوم، ولا تزال اللغة العربية متأخرة في الالتحاق بالركب، ما السبب؟
  • أسباب التأخر عديدة، أولا نقص الاعتزاز بهذه اللغة، فنحن نعتز باللغات الأجنبية باعتبار أنها هي التي تنقلنا إلى العالمية والعولمة، أيضا نسبة الذين يشتغلون على هذه اللغة هي نسبة قليلة، فاللغة إذا لم تصنعها المدرسة صناعة طبيعية لا يمكن أن نمضي بها، أيضا العماد في اللغة العربية هو المكون، والمكون الجيد هو من خلال العودة إلى النظام القديم الذي هو النظام الذي يمزج بين الجانب الأكاديمي الذي يأخذه الطالب في الجامعة وبين الجانب التطبيقي الذي هو تربوي، إيضا الكتاب المدرسي الذي ينبغي أن يكون في مستوى التطور الذي تعرفه الكتب المدرسية في العالم، فالكتاب المدرسي هو الذي يفتح لك مجموعة من الآفاق، فإذا كان الكتاب المدرسي يخلو من الشيء الطبيعي، نريد كتابا طبيعيا مادته من المادة الطبيعية ومن الواقع ومن الإبداع دون أن نعتمد على جانب صناعة النصوص أو نعتمد على المحلية، كان الكتاب المدرسي يحتوي على 80 بالمائة من إبداع الجزائري، وكأن اللغة العربية خاصة بالجزائريين، اللغة العربية ملك للحضارة الإنسانية كتب فيها العرب وغير العرب، كتب فيها النصارى واليهود وكتب فيها الناس الذين لا علاقة لهم بالعروبة، وبالتالي لا يمكن أن نستبعد نصوص إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران، كما لابد أن يكون في الكتاب إبداع جيد كإبداع مفدي زكرياء وإبداع محمد العيد آل خليفة، لكن لا نجعل الكتاب المدرسي يغفل عن إبداعات المشارقة وإبداعات الأوروبيين، يجب أن ننفتح على النصوص، نحن درسنا نصوص الجاهلية، نقول الواقع أن تلك النصوص هي التي جعلتنا نتكلم اللغة العربية كلاما جيدا، الآن المدرسة أغفلت نهائيا على تلك النصوص القديمة التي هي الأساس، وأغفلت جانب الحفظ وهو العماد، لا يمكن للتلميذ أن يبدع إذا لم تكن له عدة ثقافية من محفوظه لكي يستعيدها في مختلف المناسبات، إذ أجرينا مناظرة بين التلاميذ في المتوسط وقد وجدنا فقرا كبيرا، لماذا لأننا غيبنا جانب الحفظ، غيبنا كذلك الكتابة التي أصبحت معدمة في تلاميذنا، كما أن المدرسة لم تجعل التلميذ يفكر، التلميذ تبلد فكره من خلال اعتماده فقط على مختلف الشبكات، اليوم اللغة العربية لا تمارس رغم مستواها العالي، الذي لابد أن يمارس في مقامه، يمارس المدرسة في الجامعة يمارس في الملتقيات والمنتديات، لكن الآن نجد المعلم يمارس التلهيج، والأستاذ في الجامعة يلقي دروسه باللهجة، وبالتالي غيبنا القدوة غيبنا المرجعية التي نتبارى عليها، إضافة إلى الانجذاب اللغوي والذي أسهمت فيه الأسرة الجزائرية، يفترض مثل كل الدول، لغة الأم هي الأساس حيث تدرس في السنوات الأولى لتغرس في ذهن التلميذ، خاصة فيما يتعلق بالمنظومة النحوية، ثم نتركه يتعلم اللغات الأخرى، الانجذاب اللغوي كرس لنا النظرة التحقيرية للغة العربية، هذه النظرة التحقيرية تحتاج من الأولياء أن يرفعوها من ذهن أبنائهم، تحتاج أيضا من المدرسة أن يرفعوها عن طريق تعليم التلميذ في المراحل الأولى أعلى وأفضل النصوص، وبالتالي لابد أن نمكنه من زاد معرفي قوي في فحولة اللغة العربية، وبالتالي هذا الانجذاب اللغوي لابد أن يزول، ولا نعني بالانجذاب اللغوي أن لا نتعلم اللغة الأجنبية، لكن لا يجب أن يصير بلدنا للتراجمة، الكثير من نجده أحادي اللغة لكن أبدع في اختصاصه، لابد من الاعتزاز بالمواطنة اللغوية، هذه المواطنة هي التي تقضي على هذا الفقر الذي تعيشه الجزائر، لابد بالعودة إلى النصوص الطبيعية القديمة الجيدة عوض النصوص الصناعية التي لن تنمي فينا المهارات اللغوية، ولكل من يهمهم الأمر في ترقية المدرسة نحن لا نصنع الكتاب، نصنع ما له علاقة في الإبداع واللون وبتحبيب الكتاب في شكله، أما النصوص لا يجب أن تكون النصوص صناعية أو محلية، لابد أن ننفتح على العولمة.
  • تحدثتم عن الانجذاب اللغوي كسبب من أسباب التأخر في تطور اللغة العربية، دكتور ماذا عن العاميات والدوارج هل هي ربما أيضا من تحديات اللغة العربية؟
  • نعم تحدثت عن الانجذاب اللغوي بمعنى أن لا تنسى لغتك وتذهب لتتعلم لغة أخرى، اللغات الأخرى لابد أن نهتم بها لعدة أسباب، السبب الأول للترجمة، نحتاج إلى أن نتعلم اللغات الأجنبية في الترجمة، نحتاج إلى أن تضاف الأصوات التي يكثر دورانها في المصطلح، كما نحتاج إلى أن نستفيد من اللغات التي سبقتنا، كالإنجليزية التي سبقتنا باعتبارها لغة العولمة، وبالتالي نحتاج اللغات الأجنبية من أجل الترقية، لأنها سبقتنا في وضع المنصات سبقتنا في الذكاء الصناعي وفي بناء الموسوعات، أيضا لابد أن نختار اللغات الراقية التي لها وجود في العالم، كما نحتاج إلى الدوارج لترقيتها لأن الدوارج هي مستوى من المستويات اللغوية، حيث أن الأدب الشعبي نحتاجه لأن له المجال الذي يقال فيه، إن ترقية وتطوير اللغة تعتمد أولا على الاستثمار في المدرسة، عندما نستثمر استثمارا جيدا في المدرسة سنضمن 70 بالمائة من نجاح المهارات اللغوية، إضافة إلى دور الإعلام الذي يستطيع أن يمتن ما بنته المدرسة فقد سمي بالسلطة الرابعة، والسلطة الخامسة سلطة الوسائل التكنولوجية أو سلطة الشباب الطامح والطافح، وبالتالي السلطة الرابعة والسلطة الخامسة تحتاج إلى تقييم وإلى مرافقة وإلى توجيه، وبالتالي عند الاهتمام بهذه النقاط سنطور اللغة العربية وسنشهد أن لها تحسنا وهذا ما أبانته مختلف التكوينات التي أجراها المجلس الأعلى للغة العربية، والعربية بخير.
  • كيف يقوم المجلس الأعلى للغة العربية على ترقية وتنمية المحتوى الرقمي للغة العربية؟
  • منذ 2016 المجلس الأعلى للغة العربية سطر الخريطة التالية: أولا رقمنة كل الأعمال التي كانت منذ 1998 إلى غاية 2016 ، وهذا في ظل تحد كبير جدا كان في حلول شهرين، ثانيا لقد أجرينا اتفاقيات وأعمال مع شبكات عالمية، ووصلنا إلى نتائج جيدة، كما وضعنا كل الأعمال في منصات بما فيها الأعمال البينية عن طريق “بوربوينت وداتاشو”، كما أن كل الملتقيات التي ينجزها المجلس الأعلى للغة العربية ومشاركاته في معارض الكتاب كلها عارضة في بيانات، كما بدأنا في تكوين العمال بداية بالإطارات الذين ألزمناهم بالكثير من الأشياء كالمواقع والحساب البريدي والبريد الالكتروني، أيضا الندوات لابد أن تقدم عن طريق الشابكة مع مسايرة الفسبكة والتوترة، كما بدأنا الآن نستقطب الكفاءات التي تقدم لنا أفكارا تحسينية في الأنظمة كالانتقال من نظام “بوربوينت” إلى شبكات جديدة أحسن، أنظمة جديدة مأخوذة من منظومات الهندسة اللغوية كمواقع قوقل، نستغلها مع تكييفات تخص قضايا اللغة العربية، وترون أن المنظومة التي جعلناها لموسوعة الجزائر فذة، وترون كذلك معلمة المخطوطات الجزائرية، حيث بدأنا في رقمنتها، والرقمنة هنا بمعنى النظام الذي يقرأ ما هو مصور، كما بدأنا في مشروع الذكاء الصناعي، إذ أن الذكاء الصناعي هو الذي يقرأ المخطوط وهو الذي يستفسره، وبالتالي المجلس الأعلى للغة العربية يقوم على تطوير اللغة العربية وعلى ازدهارها أيضا يعمل على تعميم استعمال اللغة العربية في العلوم، وقد أنجزنا أدلة وقواميس في هذا المجال، كما قدمنا أشياء كثيرة في الترجمة لكن لحد الآن عندنا مترجمان، لم نستطع أن نبقي على مترجمين كثر، إذ يشتغلون لفترة زمنية ثم يتوجهون إلى القطاع الخاص بسبب الجانب المادي، والترجمة التي نحن بحاجة إليها هي الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، لأن المحتوى الرقمي هو ما يترجم من تلك اللغة، فمثلا اللغة الانجليزية ليست لغة رسمية في دستور بريطانيا ولا في دستور أمريكا، لكنها لغة العولمة، الترجمة من الانجليزية إلى اللغات الأخرى هي أكثر من 90 بالمائة، ولهذا لها الإشعاع العالمي، والقيمة العلمية يعطي للغة التي يترجم منها، واللغة العربية عليها الطلب، وبالتالي الترجمة التي تحصل من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى سيجعل لها أكثر انتشارا.
  • التقنيات المستخدمة لتطوير اللغة العربية هل هي وفق المعايير العالمية التي تستخدم لتطوير اللغات الأجنبية؟
  • أولا لدينا اتفاقيات مع اليونسكو ومع الأليسكو ومع اتحاد المجامع، وبالتالي كل الأعمال التي ننجزها هي وفق المعايير العالمية، نشتغل تحت مضلة القاسم المشترك بين اللغات، ونحترم الخصوصيات ذات العلاقة باللغة العربية، لكن نعطي الأولوية للقواسم المشتركة لأن اللغة العربية هي لغة طبيعية مثلها مثل لغة أخرى، نريد أن يكون لنا موقع وهذا الذي نقوم عليه الآن، موقع الندية بين اللغات، ودليل على ذلك أن اللغة العربية عام 2012 أصبح لها موقع الندية، الذي نالته بفضل البحث وباعتبارها لغة حضارية وعالمية، كما أن اللغة العربية الآن مست كل القارات، حيث لا تخلو جامعة في العالم إلا وفيها قسم للغة العربية أو تحت مضلة اللغات الشرقية، 66 جامعة في الصين تدرس اللغة العربية، والآن توجد منافسة بينها وبين اللغة الانجليزية في كوريا الجنوبية وفي فرنسا، حول من هي اللغة الأجنبية الأولى، إضافة إلى موقع اللغة العربية في القارة الأسياوية، الموقع باعتبارين الأول أن اللغة العربية كانت ذات وقت مع الفتوحات الإسلامية، كما أن الأردو والباكستانية والهندية كلها تكتب بالحرف العربي، والآن عدد الدول التي تستعمل اللغة العربية كلغة رسمية هي 60 دولة، حيث تجاوزت الفرنكفونية في الرتبة الثانية بعد الأنجروفونية، 22 دولة كلغة رسمية و12 دولة كلغة رسمية أولى و26 دولة كلغة رسمية ثانية، وبالتالي لا يمكنك أن تشتغل بقطيعة عن اللغات الأخرى أبدا، اللغة الطبيعية تحتوي على منطق لغوي يجمع كل اللغات الطبيعية، عكس اللغات الصناعية، فإذا جعلنا نصوص الكتاب المدرسي الجزائري صناعيا لن يكون له صدى بتاتا، إنما لابد من النصوص الطبيعية التي أنتجها الأول بشكل طبيعي جدا، وهنا نشير أن المهارة اللغوية لا تبنيها الصناعة، نرجو من مدرستنا أن تعتمد على النصوص الطبيعية وعلى الحفظ، كما أضيف في هذا السياق وحسب دراسة أجريناها على الطلبة الأوائل المتصدرين في البكالوريا لسنة 2013/2014 كان معظمهم من التخصصات العلمية ومن الكُتاب، يتقنون اللغة العربية جيدا وقد رسخت في ذهنهم المنظومة النحوية، واكتسبوا مهارة لغوية، التي تجعلهم يتصرفون في اللغة الفرنسية والانجليزية بشكل طبيعي جدا، كما أن المتصدرة في البكالوريا العام الماضي من ولاية سكيكدة، كانت تحفظ القرآن كاملا، فكتاب الله يعلم مخارج الحروف الصحيحة وقواعد التجويد، ويعلم المنظومة الفكرية لأعلى كلام، فيصبح بعد ذلك قدوة.
  • دكتور نحن في شهر ديسمبر وهو آخر شهر من عام 2019، ربما كحوصلة حول ما قدمه المجلس الأعلى للغة العربية خدمة لهذه اللغة؟
  • شكرا على هذا السؤال الوجيه جدا، اعلمي أن سنة 2019 كلها جرت تحت عنوان واضح وهو “تحدي الرقمنة”، وهو شعار اليونيسكو لهذه السنة، فكل الأعمال التي جرت من ندوات وملتقيات، وكل الأعمال التي أنجزها المجلس الأعلى للغة العربية وُضعت في الشابكة، كما وضعنا اثنا عشر مشروعا خلال هذه السنة منصات رقمية جد متطورة، أيضا خلال هذه السنة أنجزنا 26 عملا عبارة عن دار نشر، وثلاثة أعمال أخرى ستكون إن شاء الله يوم 18 ديسمبر، إضافة أن كل الشركاء الاجتماعيين نشتغل معهم وفق نظام الحوسبة ونظام الرقمنة، ومع ذلك يمكن أن نقول أننا قد اجتهدنا في كثير من القضايا، فيه بعض الأمور التقنية التي تحتاج إلى مختصين أكثر، ونحن نجتهد مع الكثير من المختصين ومع وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، كل هذا من أجل الوصول إلى أفكار في الحوسبة وفي الهندسة اللغوية، وهذه الأمور نأمل أننا قد عملنا ما بوسعنا، رغم المضايقات التقنية لأن الآلة الآن في ذكائها الصناعي أكثر تطورا، ولكن هناك خصوصيات للغة العربية، ولهذا المبرمجون لم يستطيعوا أن يصلوا إلى حل لبعض المضايقات التقنية، كما يقوم المجلس الأعلى للغة العربية مع اتحاد المجامع اللغوية وخاصة مجمع اللغة العربية بالشارقة على حوسبة المعجم التاريخي للغة العربية، إذ لدينا فريق جزائري متكون من أربعين باحثا، كما لدينا الآن منصة ومدونة بدأنا الشغل فيها، فكل الأعمال التي بدأناها لا نقول أننا وصلنا إلى المطلوب، إنما نقول أن هناك بعض المنصات غطيناها بنسبة عشرين بالمائة، فمثلا هناك عمل خاص حول ألفاظ الحياة اليومية في الجزائر، أو معجم ألفاظ الحياة اليومية، وبالتالي قمنا بإدخال في المدونة أكثر من خمسين ألف مدخل لألفاظ الحياة اليومية التي تستعمل في المجتمع الجزائري، وتقول المدونة من خلال الذكاء الصناعي أنه تقريبا في 10 مارس سيكون المعجم جاهزا شبكيا، كما أننا بحاجة إلى فقهاء أكثر في اللغة العربية، نملك أناسا يقدمون خدمات للغة العربية لكن مع ذلك تعوزنا الحاجة إلى أن يعضدنا هؤلاء الفقهاء، وكذلك نحتاج إلى طاقة بشرية، لأن التخزين يحتاج إلى يد عاملة وإلى أجهزة، الأجهزة التي من المفترض أن تمدنا بها وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والمعلوميات والرقمنة تأخرت، وهذا التأخر سبب لنا عثرات، وبالتالي نأمل من الوزارة أن تلتفت إلى هذه المسألة، ونحن في مراسلة معها لفك هذا التأخير التي تسبب ربما في تأخير ما نصبو إليه، ولو لدينا هذا “الخدوم” الخاص بالمجلس الأعلى للغة العربية لوقع الحل للكثير من المشاريع التي تأخرت، لدينا 12 فرقة تقوم باجتماع مرة في كل شهر، حيث تستعين بمختلف الأساتذة والباحثين الذين يأتون من مختلف الجامعات الوطنية ومن مختلف مراكز البحوث، إضافة إلى الموسوعة الجزائرية، حيث لأول مرة يحصل في دولة الاستقلال أن المجلس الأعلى للغة العربية سيقدم وثيقة لإنجاز الموسوعة الجزائرية، العمل في الموسوعية سينطلق يوم 19 جانفي 2020، وآخر اجتماع للهيئة العلمية سيكون يوم 23 ديسمبر لوضع اللمسات الأخيرة، هذا المشروع كبير جدا، سيقوم بتغطية كل ما أنجز حول الجزائر من الدولة النوميدية إلى الآن، وهذا ليس صعبا إذا توفرت عندنا هذه الآلات، والشيء الذي حز في أنفسنا هو أن معظم الدول العربية تملك الموسوعات بل تملك أكثر، هناك دول تملك دوائر المعارف والمكانز، وبالتالي لابد أن نمضي في هذا العمل، وعمل آخر وهو معجم الثقافة الجزائرية خاص فقط بمجالات الثقافة، ومجالاته تختلف عن الموسوعة لأنه معجم ليست له الصورة الموسوعية، إضافة إلى مشاريع أخرى، والتي جعلت المجلس الأعلى للغة العربية دوليا، ومنشوراته موجودة في الكثير من الشبكات، كما أنجزنا 12 دليل في مختلف القضايا التي لها علاقة باللغة العربية، ونحن كل سنة نقدم تقريرا لرئاسة الجمهورية حول مشوارنا السنوي.
  • نحن على أبواب العام الجديد 2020 ما هي استراتيجيتكم ومشاريعكم المستقبلية؟
  • المجلس دائما عندما تنتهي السنة يُعد مشروعا كاملا للسنة الموالية، التي نأمل أن تكون سنة خير للشعب الجزائري ولمؤسسات الدولة، نأمل أن يكون هناك الهناء والرفاه، نبدأ أولا بموضوع الرفاه اللغوي، والذي سيكون بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، كما فتحنا المجال للتباري لكل من يريد أن يسهم وأن يكون حاضرا في موقع المجلس الأعلى للغة العربية، كما أن هناك لجان علمية كل هذا موجود في الشابكة، قبل نهاية السنة عندنا مشاريع أخرى ذات العلاقة بمواصلة اللجان، 12 لجنة تشتغل على معجم الثقافة وألفاظ الحياة اليومية ومعلمة المخطوطات ومدونات أخرى كالأمثال الشعبية في الجزائر ورقمنة المكتبة، نحن الآن نحتكم إلى مكتبتين مكتبة ورقية ومكتبة رقمية، اللجان تشتغل وكل واحد في محله يمدنا بمعلومات ونخزنها، كما نطمح إلى الخدوم الذي نأمل أن يأتينا سريعا حتى ندخل المعلومات ويكون لها صورة الانتشار أكثر لأن دفق الموقع الآن ضعيف، نحن نريد أن يكون له انتشار عالمي أكثر، ومن الأعمال التي سيقوم بها المجلس هو دراسة موضوع وربما لأول مرة، دور الاستعراب في تطوير اللغة العربية، هؤلاء المستعربون الأجانب ماذا قدموا للغة العربية، سنضع مدونة كبيرة في الآداب في اللغات وفي العلوم وفي الثقافة العربية بصفة عامة، هذا نستعد له أن يكون موضوعا كبيرا جدا، وعمل آخر لأول مرة وهو حول اللغة العربية الوظيفية، حيث سنبدأ بملتقى في اليوم العربي للغة الضاد أول مارس لأخذ عينات من هؤلاء الذين يأتون لتقديم اللغة العربية المتخصصة، لأننا ننوي أن نجعل مدونات ذات العلاقة في الاختصاص، كما نعمل على جعل المدونة في الجهاز ناطقة، ولنا أعمال أخرى مع الأجانب مثلا حول اللغة الديبلوماسية، لأن الأجانب الذين يأتون إلى الجزائر بدل أن يتعلموا اللغة العربية هم يتعلمون اللغة الفرنسية، لماذا لا نعكس العملية، كما فكرنا مع جامعة تلمسان أن نضع مدونة خاصة للمصطلحات التي يستعملها الصينيون في العربية، لأن مدونات الصينيون تختلف عن مدونات الماليزيون لأن الماليزيون مسلمون ستكون احتياجاتهم أكثر على الجانب الديني واللغوي، بينما الصيني يحتاج إلى مدونات تجارية وحول المعاملات والاتفاقيات وحول الصناعة، كما سطرنا برنامجا لإنجاز مدونة مع الاتراك، وبالتالي تعليم اللغة العربية للأجانب مهم جدا، في إطار تعليم لغة الاختصاص، وهنا يستدعي حصر الألفاظ التي تُستعمل ثم نعطي لها المقابل للغة الأجنبية ونجعلها في المواقع، الأفكار موجودة لكن تجسيد هذه الأفكار هي التي تعوزنا، فكم من دولة عربية كم من عدد الأموال التي تنفق على هذه المؤسسات، لسنا بحاجة إلى هياكل كبيرة بقدر ما نحن بحاجة إلى أجهزة الذكاء الصناعي، فلابد من توفير الجوانب المادية ذات العلاقة بالآلية التي تسهل لنا كل هذه الأمور، كما لدينا مدونات للبحثة كل في ولايته للتواصل عن بعد، العالم الآن يراهن على التقانة وعلى إنجاز المعاجم الموحدة، ورغم المضايقات المادية والتقنية إلا أننا بدأنا نحلحل الكثير من هذه المضايقات، والدولة الجزائرية واقفة تشجعنا معنويا وماديا، إضافة إلى دور البحثة الذين يرفعون من معنوياتنا، وبالتالي كل ما أنجزه المجلس هو صناعة جماعية، وأنا أشكركم وأبارك فعلكم أنكم جئتم قبل اليوم العالمي للغة العربية، مهدتم لهذا الحدث، وهذه هي الصناعة الجماعية، وهذا هو التكامل فأنتم الإعلاميون بكم نرتقي بحسن الأداء.
  • حاورته: فاطمة طاهي

  

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com