فلسطين للابتزاز السياسي / أ. محمد الحسن أكيلال
“ترمب”.. “نتانياهو”.. لعبة النار
في الأسبوع قبل الماضي عاشت واشنطن وتل أبيب جوا مكهربا شديد التشنج والانفعال؛ “ترمب” في محاكمة في الكونغرس مهدد فيها بالعزل من المنصب و”نتانياهو” أيضا مهدد بالمحاكمة قد تؤدي به إلى السجن إذا لم يسعف نفسه باسترجاع منصب رئيس الوزراء بالتفاوض أو بانتخابات جديدة يبدو أن حزب “الليكود” قد ضاق ذرعا به.
في كل الأحوال الرجلان الصديقان الحليفان لا يجدان أمامهما إلاّ لعبة النار التي تمرس فيها “نتانياهو” وأعجبت “ترمب” الذي يبدو أنه مثل أي صهيوني يرى في قتل أي فلسطيني أو فلسطينية مهما كان عمره فيه طمأنينة للمجتمع اليهودي المستوطن في فلسطين المحتلة.
اللعبة مبهجة للطرفين طالما يستطيعان ابتزاز القوى المؤثرة في الساحتين السياسيتين في كل من واشنطن وتل أبيب، هم يعلمون أن مهاجمة إيران مباشرة في الوضع الحالي سيكون خطيرًا جدًّا على دولة الكيان الصهيوني أولا، وعلى السلم والأمن الدوليين ثانيا، كما أن مهاجمة كل قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق سيكون خطيرًا أيضا على أمن إسرائيل؛ فاللعبة إذن تقتضي استفزاز هذه القوى لوضع الرأي العام العالمي أمام خطر نشوب حرب عالمية ثالثة فيتحرك لإنقاذ الرجلين مما يهددهما.
في الأيام الأخيرة تحركت أذرع المخابرات الأمريكية والصهيونية لإشعال انتفاضة في إيران استغلت فيها هذه الأذرع رفع الدعم عن سعر البنزين، وكانوا ينتظرون ككل مرة إسقاط النظام، لكنهم لم يفلحوا بل جاءهم تهديد صريح وواضح من القيادة الإيرانية بالرد بعنف ضد القوى التي تحرك هذه الأذرع في المنطقة وخارجها.
الجواب كان سريعا من الدول المجاورة حين اقترحت أن تتولى دول الخليج مع مصر تأمين الملاحة في هذا الخليج، وهذا كان اقتراح إيران سابقا لم يلتفت أحد إليه لأنهم سمعوا اقتراح حليفتهم أمريكا القاضي بقيامها هي مع الدول الغربية الكبرى بتأمين الملاحة في الخليج العربي.
إيران ترفض اللعب
الرد الأخير من طرف إيران جعل “نتانياهو” يكتفي بآخر الهجومات على قطاع غزة وضواحي مطار دمشق على أمل أن تنجح المؤامرات في زيادة تأجيج الشوارع في كل من بيروت وبغداد لقطع سلسلة الامتداد بين أطراف المحور الممتد من قطاع غزة مرورًا بلبنان فسوريا فالعراق، أو على الأقل لتأجيل انتظامها وتمتينها.
لعبة واشطن وتل أبيب في الحقيقة تستهدف إسقاط النظام الإيراني وتفكيك محور المقاومة قبل تحالفه المباشر مع القوتين العظميين روسيا والصين الشعبية اللتين تنتظران إنضاج الأوضاع والظروف الملائمة لذلك.
إن اللعبة كما هي في الظاهر صيغت لتفادي الانفجار، ولكنها في جوهرها تسعى إلى تدمير المنطقة إذا صعب تقسيمها كما خطط لذلك، وفي ذلك مغامرة محفوفة بالمخاطر ليس على المنطقة لوحدها بل تطال كل مناطق أوراسيا، يعني ذلك أن أوروبا الغربية أيضا ستكون كل أقطارها أهدافا منظورة للصواريخ الطويلة المدى التي تقذف من غزة ولبنان وسوريا والعراق وإيران وربما حتى من تركيا وباكستان وجمهوريات إسلامية تابعة للاتحاد الروسي. ونفس الشيء بالنسبة للقواعد الأمريكية في المنطقة وأساطيلها البحرية التي تجوب البحر الأبيض المتوسط والأحمر وبحر العرب والخليج العربي، فهذه أيضا ستكون أهدافا للصواريخ.
على البيت الأبيض أن يراجع اللعبة ويعود إلى الاستراتيجية السابقة التي تبنت حل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين ويواصل العمل والالتزام بالاتفاق النووي الإيراني قبل فوات الأوان.
دول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا التي تريد تزعم القارة المساهمة الفعلية في كل ما جرى ويجري في الشرق الأوسط منذ توقيعها اتفاقية “سايكس بيكو”، هذه الدولة عليها أن تخرج من الاحتواء الأمريكي كما فعل قائدها التاريخي الجنرال “شارل ديغول” في منتصف الخمسينيات، أما بريطانيا التي تبدو مازالت تحن إلى العهود الاستعمارية القديمة حين فعلت ما فعلت في فلسطين ودول الخليج العربي، فهي تريد أن تستقوي بابنتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية لتشعر ولو بشيء من الفخر لكونها كانت من صناعتها ثقافيا ولغويا على الأقل لأن طريق الحرير الجديد والحزام بدأ في التمدد ليلتف حول القارة العجوز التي لا مكان لها في الاقتصاد العالمي الجديد الذي بدأ يتكون شرق آسيا وقد بدأ يستحوذ شيئا فشيئا على قارة إفريقيا التي كانت مصدر ثرواتها هي وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال.
النظام الجديد في فرنسا في عهد الولد “ماكرون” الذي تكون في مؤسسة “روتشيلد” المالية المعروفة بصهيونيتها، هذا النظام يضع على وجهه قناع الاستقلالية الديغولية في حين يتصرف وفق الأهواء والأمزجة الأمريكية الصهيونية، فمن ناحية يدعي الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني ويقدم نفسه على أنه الوسيط بين إيران وأمريكا ومن ناحية أخرى يشارك الإدارة الأمريكية في اشتراطاتها لفتح مفاوضات جديدة تتضمن نزع السلاح الصاروخي من إيران وتغيير نظامها الثوري وتكف عن التدخل في شؤون جيرانها وتعود إلى علاقاتها الطبيعية مع الكيان الصهيوني مثلما كانت في عهد الشاه.
في بريطانيا لا جديد بعد قرارها الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى موقف جديد لحزب العمال الذي يرفض قرارات “نتانياهو” و “ترمب” الأخيرة القاضية بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل وشرعنة المستوطنات في الضفة الغربية.
لـــ “ترمب” و “نتانياهو” التوقف عن اللعب بالنار لأنها ستحرقهما في القريب العاجل، فــــ”ترمب” لا شك أنه سيصل في الأيام القليلة القادمة إلى حكم بعزله وانتصار ساحق لمرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة.
أما “نتانياهو” فهو أيضا سيجد نفسه في حزبه “الليكود” معزولا من طرف قاعدته بعدما ملوا من تصرفاته غير الأخلاقية وغير القانونية وسينتخبون رئيسا غيره يمكن أن يترأس الحكومة القادمة.