الموضوع: مسئولية ولي أمر المسلمين منهم (رئيس البلدية) / محمد مكركب

قال السائل وهو رئيس بلدية بالشرق الجزائري: هل تقع مسئولية المحتاجين كاليتامى والأرامل على عاتق رئيس البلدية إذا لم يعلم بهم؟ وهل يحاسب على سوء خدمات المؤسسات العامة في أرض البلدية، كالطرق، وإن كان حكم تسييرها يعود إلى المستوى الولائي أو الوطني؟ ثم وإن كان بذل جهده فهل يحاسب على قدر الاستطاعة أو هو ضامن؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قال الله تعالى:﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾ (النساء:58) روى المفسر القرطبي {أن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: هذه الآية خطاب لولاة المسلمين خاصة، فهي للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمرائه، ثم تتناول من بعدهم}. (5/256) وإن كان سبب نزولها في أمر مفتاح الكعبة يوم الفتح. قال القرطبي: {والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظُّلَامَات والعدل في الحكومات.} ولِيَعْلَمَ السائل أن كل ما هو في حدود البلدية هو أمانة تحت مسئولية رئيس البلدية ولا يُعْفى من هذه المسئولية عن أي شيء على أرض البلدية. فهو(أي رئيس البلدية) مسؤول أمام الله أولا، ثم أمام ضميره إن كان ضميره حيا،، ثم أمام المواطنين كافة. ففي الحديث الشريف. عن مَعْقِل بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة] (البخاري:7150) ورئيس البلدية بمجرد تَسَلُّمِه مهام تسيير البلدية بإرادته أصبح متعاهدا مع كل المواطنين بأن يضمن لهم كل الضروريات والحاجيات على الإطلاق. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثانيا: لايُعْفَى رئيس البلدية أو الوزير أو رئيس الدولة من المسئولية عن كل المحتاجين والمظلومين والمحرومين ولا تبرأ ذمته كونه لايعلمهم بل يجب أن يعرف كل حالة على مستوى مسئوليته، وأن يضمن حقوق كل مواطن على مستوى بلديته، والوزير على مستوى اختصاصه، ورئيس الدولة مسئول عن حاجة كل مواطن. والسائل قال:( وهل يحاسب على سوء خدمات المؤسسات العامة في أرض البلدية، والطرق، وإن كان حكم تسييرها يعود إلى المستوى الولائي أو الوطني؟) والجواب: نعم، يتحمل مسئولية كل المرافق والمنشآت والخدمات مهما كان مستوى تسييرها إذا كانت متواجدة على أرض البلدية، فرئيس البلدية أمير المدينة. ففي الحديث.[ فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ] ( البخاري:7138) وقال أيضا: [إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ] (البخاري.7148) والنبي عليه الصلاة والسلام نصح أباذر بعدم طلب الإمارة، فقال له: [يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ] (مسلم:1826) ولذلك فمن لم يستطع تأمين العمل، والمسكن، والرعاية الصحية العصرية، والماء، والكهرباء، والطريق لكل مواطن، ومقعد التعليم المستوفي الشروط لكل طفل، وكل هذا من مسئولية رئيس البلدية على مستوى أرض بلديته، فمن لم يستطع هذا فقد ضيع الأمانة ولم يف بالعهد، والواجب على غير المستطيع أن يترك المسئولية لمن يستطيع وهذا هو الأصل. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: قال السائل (رئيس بلدية): (وإن كان يعمل بما يستطيع؟) كأنه يريد أن يقول: (إن لم يستطع القيام بكل ذلك على الوجه الأكمل أيكون معذورا؟) قلت: هذه المسألة يجب أن يفهمها الناس على حقيقتها، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التغابن:16) وفي الحديث:[ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم] (البخاري: 7288) هذا في كل الأعمال المفروضة على العبد كالزكاة، والصيام والحج، أو المكتوبة عليه قدرا كوالديه، وأولاده، وكطلب العلم، مثلا. أما في القضايا والمسائل التي يطلبها ويختارها بإرادته، وخاصة تلك التي يتعاقد عليها كالمسئوليات المجتمعية ومنها مناصب الحكم والإمارة فإن سائلها يضمن تحقيق الأهداف أو يترك المسئولية لغيره، أو يحاسب، في الدنيا والآخرة، ولا يعفى باعتذاره بعدم الاستطاعة. وخاصة في موضوع سؤال السائل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ إِلَيْهَا] (مسلم:1652) قال الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:34) ورئيس البلدية تعاهد مع المواطنين تلقائيا ووَقَّعَ على ذلك بإرادته يوم استلم المسئولية بأن يقوم بخدمة كل مواطن كما سبق بيانه. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.