دروس من مظاهرات 11 ديسمبر 1960/ أمال السائحي
“خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11 ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري، ضد سياسة الجنرال شارل ديغول، الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا، في إطار فكرة الجزائر جزائرية من جهة، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين ما زالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية، قامت السلطات الفرنسية بقمع هذه المظاهرات بوحشية، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء.
فخرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة المناورات (أول ماي حاليا) كثافة شعبية متماسكة، مجندة وراء العلم الوطني، رافعة شعار الاستقلال وحياة جبهة التحرير، وعمت شوارع العاصمة كلها.
بعد أن حققت جبهة التحرير انتصارا سياسيا واضحا، ردا على سياسة ديغول والمعمرين معا، وألقى الرئيس فرحات عباس يوم 16 ديسمبر 1960 خطــابـا، في شكل نداء أشاد فيه ببسالة الشعب الجزائري، وتمسكه بالاستقلال الوطني، وإفشاله للسياسة الاستعمارية، والجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل.
يقول الأستاذ عبد العزيز كحيل في إطار حديثه عن لامبالاة شباب اليوم بقضايا الأمة:” الشباب يعرف كلَّ هذا، لكنه في الغالب لا يعبأ لا بالمشكلة ولا بالحلِّ؛ لأنه – كما ذكرنا – حسَمَ اختيارَه، وانحاز للطريق السهل الذي يجنِّبه الكَدَّ، وترك الكلام عن الأمة والعلم والمستقبل والتحديات للمُنَظِّرين، الذين لا يَقرأُ ما يكتبون، ولا يُصغِي إلى ما يقولون، لذلك تراكمت أزمات الْهُوية، والفراغ الروحي، والانحراف السلوكي، والسلبية، والتراجع المعرفي، وفقدان المناعة الحضارية وغيرها، بل صارت رقعتها تتَّسع باطِّرادٍ، حتى مسَّت الفضاء الديني ذاته، وألقت عليه بظلال التديُّن العاطفي غير المنضبط، والغلوِّ في الفَهم والتطبيق والإنسحابية، والاغتراب الزماني في مواجهة العولمة، والضجر من معاناة إنضاج الأفكار والعواطف، ومعاناة مكابدة الواقع السياسي، والصبر على مكاره طريق الإصلاح، وتوضيح معالمه وتنفيذ خططه، وإن المرء لَيَجِدُ في مواطن اللغو واللهو وفي مواقع التطرف، أضعافَ ما يجد في مظانِّ العلم والبحث والعمل الدائم من الشباب؛ لأن الأغلبية لم تصمد أمام مفاتن التهوُّر، والاستعجال والغثائية…” ونحن وإن كنا نوافق الأستاذ عبد العزيز كحيل في حكمه هذا الذي يجعل جل الشباب الجزائري قد نفض يده من قضية الأمة والعلم والمستقبل والتحديات، غير أننا نرى أنه لا يزال هناك من الشباب من يعنى بذلك ويركز عليه، بدليل قوله هو في معرض حديثه هذا:” وإن المرء ليجد في مواطن اللهو واللغو… أضعاف ما يجد في مظانّ العلم والبحث والعمل الدائم” وأن المطلوب هو العمل على انحياز باقي الشباب إلى هذه الفئة الجادة، التي تحمل هم الأمة، وتعنى بمشاكلها، وتعمل على رفع التحديات التي تواجهها، في هذا المجال أو ذاك، وعليهم أن يعوا بأن بقاء الأمة واستمرارها يتوقف على ما يمتلكونه هم من علم، ومعارف تكنولوجية، وما يختزنونه من حب لها، وغيرة عليها، وعلى مقدار حرصهم على تميزها في جميع الميادين، وبكلمة واحدة عليهم أن يدركوا أنهم هم الأمة، وأن الأمة هم، فليس لهم أن يتنكروا لها لأنهم بذلك إنما يتنكرون لأنفسهم. وهذا هو عين ما يكشف عنه قوله تعالى”إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم” …