ما قل و دل

مسلمون بالوراثة/ محمد الصالح الصديق

تتكيف الأشياء وتتلون طبقا لعرف الناس وسلوكهم في الحياة، ومن ثم فقد يستحسن القبيح، ويستقبح الحسن، ويعظم الحقير، ويحتقر العظيم، ويصدق الكاذب، ويكذب الصّادق، مما جعل كثيرا من الأمور تجري في غير مجاريها الطبيعية… وبذلك سارت المفاهيم الخاطئة الفاسدة في المجتمعات، وصعب التمييز بين الحق والباطل، والجوهر والعرض…

فكلمة “المسلم” مثلا تعني حسب المفهوم الإسلامي ومفهوم المسلمين الأولين: “من أسلم وحجه لله واستمسك بالعروة الوثقى، ووقف حدودي الشريعة، وعاش حياته بانيا للحياة العزيزة الكريمة”.

ولكن ما أبعد هذا المدلول عن كثير من المسلمين اليوم، فالمسلم في عرف العامة اليوم من ولد من أبوين مسلمين، وتسمى باسم من أسماء المسلمين، وكتب في بطاقة تعريفه أنه مسلم، ويدفن في مقبرة المسلمين يوم يموت، فكل من تتوفر فيه هذه الحظوظ مسلم.

فالذي لا يؤمن بالله ولا يحرم ما حرم الله ورسوله ..مسلم! والذي يؤذي جاره، ويتجسس عليه ويغتابه… ويضايقه، ويقلق راحته مسلم!، والذي يقتحم الديار فيسرق ويقتلّ، ويدوس الكرامات، ويمتهن الحرمات مسلم! والذي لا يصلي ولا يزكي، ولا يحج ولا يصوم ولا يعرف من يوم العيد إلا أنه يوم الزيارات، وأكل اللذيذ من الطعام مسلم!، والذي يعادي وطنه ويسعى في تشويه سمعته، والحط من قيمته، والطعن في مكاسبه، ويحاول أن يفضل عليه غيره مسلم، والذي يحتكر السلع، ويطفف الكيل والميزان، أو يبيع الماء الأبيض باسم الحليب، أو يحلف أيمانا كاذبة لهجة الصادق وحماسته ترويجا لما يعرض من السلع مسلم!، والذي تملكه نفسه، ويستبد به هواه، ويعيش عمره أسير بطنه و…مسلم! والذي يتاجر بالدين فيتزين بزينة الأتقياء الصالحين، ويظهر في مظهر الناسكين، ويثور ويهيج على من يرتكب صغار الذنوب، وأصغر معاصيه الرشوة والخيانة.. مسلم!.

كل هؤلاء –وغيرهم كثير- مسلمون ما داموا قد ورثوا الإسلام عن آبائهم وأمهاتهم، وتسموا بأسماء المسلمين، وهم في الواقع كارثة على الإسلام، وصورة قبيحة له.

إن هؤلاء عالة على الإسلام، وآفة تقدُّمِه ورُقَيِّه، ومثار سخرية الأجانب وأعداء الإسلام..

إن المسلمين اليوم كثير حينما تعدهم؛ ولكنهم عند السبر والدراسة قليل، ومن كثرة المسلمين عددا وقلتهم وجودا عمليا، ووعيا ذاتيا وضعهم الراهن الذي يثير الأسى، ويفري نياط القلوب… وإذا كان الكذب القولي قبيحا، فإن الكذب العملي أقبح وأفحش… فهل هناك كذب عملي أقبح من أن يسمى الخائن والمنافق والكذاب والسارق والزاني والقتال وعدو الإسلام والوطن… مسلم؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com