إذا كان بيتكم من زجاج فاحذروا أن تقذفوا الناس بالحجارة!/ أ. محمد العلمي السائحي

يعجب الكثير من الناس من أمر هؤلاء الغربيين، الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على غيرهم من الأمم في مشارق الأرض ومغاربها، خاصة تلك الأمم التي شاءت لها الأقدار أن تقع في قبضة احتلالهم في مرحلة من تاريخها، فعلى الرغم من تحرر تلك الأمم والشعوب من هيمنتهم، ما زالوا إلى اليوم يرون أنه من حقهم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن عليها أن تسمع وتطيع، ولا يرضيهم منها إلا أن تنصاع لإرادتهم وتأتمر بأمرهم، وإلا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وموقفهم هذا الذي استوجب الكثير من الدهشة والاستغراب، يتسق تماما مع الثقافة التي توارثوها عن أسلافهم من اليونان والرومان والتي نشِّئُوا عليها فهي التي تلقفوا منها فكرة أنهم زبدة الأمم، وخلاصة الشعوب، لأن كليهما كانا يقسّمان العالم إلى أحرار وعبيد، وكانا ينظرون إلى غيرهم من شعوب المعمورة بازدراء واحتقار، وكانوا يتعالون عليهم، وعزز عندهم ذلك الاعتقاد، حروبهم الاستعمارية التي شنوها في العصور الحديثة على آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، فاستقر في وعيهم أنهم حقا أسياد العالم وحكامه، وأن غيرهم ما خلقوا إلا لخدمتهم، والامتثال لرغباتهم.
إذن يمكن أن نقول أن الموقف الذي اتخذه برلمان الاتحاد الأوروبي من الجزائر وعبر عنه في بيانه الذي صدر عنه وأرسل نسخا منه إلى الهيئات الدولية والأممية، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الطرف المحرض للبرلمان الأوروبي على ذلك الموقف الذي اتخذه إنما هو الطرف الفرنسي، يغدو هذا الموقف قابلا للتفهم لأنه يحمل في طياته أن فرنسا باتت متخوفة بالفعل على مصالحها في الجزائر، وهي تخشى أن يترتب على انتخاب رئيس جديد مراجعة الجزائر لسياستها الاقتصادية مما قد يفقدها المعاملة التفضيلية التي تعودت عليها والتي باتت تعتبرها حقا مكتسبا، كما يفهم منه أن فرنسا راحت تتخذ خطوات عملية لحماية مصالحها المهددة، ويندرج تأليب البرلمان الأوربي على الجزائر في هذا المنطق، لأنه ابتزاز صريح يراد منه لَيُّ ذراع الجزائر وإجبارها على العودة إلى حظيرة الطاعة.
والرد على بيان البرلمان الأوروبي ومن وراءه يقتضينا، أن نأخذ نحن أيضا إجراءات عملية تعبر عن رفضنا لتدخل الغير في شؤوننا الداخلية، وتضع النقاط على الحروف للمتطاولين علينا والمستخفين بسيادتنا، وتظهر لهم بجلاء أننا لدينا نحن كذلك أوراق يمكن أن نفعلها، من ذلك الإعلان عن الدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبية لمراجعة الاتفاقيات الاقتصادية المعقودة معه، كما ألمح لذلك رَدُّ وزارة الخارجية الجزائرية على بيان البرلمان الأوربي.
ويمكن لنا أيضا أن نطالب فرنسا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات للنظر في تمديد اتفاقيات إيفيان الذي فرض على الرئيس السابق بمناسبة نزوله بمستشفى فال دغراس للتداوي، ولنا حجتنا القانونية في ذلك، فالمرض قد يكون أحيانا من العوامل التي يترتب عنها فقدان الأهلية القانونية لعقد الصفقات وتوقيع الاتفاقيات.
وختاما نقول للبرلمان الأوربي ومحرضيه، إن انتهاكاتكم لحقوق الإنسان سواء في بلدانكم وعلى أراضيكم، أو حيث تنتشر قواعدكم العسكرية، أشد وأنكى مما تأخذوه علينا ويكفي سكوتكم على انتهاكات إسرائيل لهذه الحقوق في فلسطين، والتي بلغت حد أسر الأطفال، ومنع العلاج عن المرضى الأسرى، ناهيكم عن عدم التفاتكم لمعاناة الروهينغا في مينمار، أو الإيغور في الصين.
لذا أيها السادة لستم أهلا للدفاع عن حقوق الإنسان لكونكم تنكرتم لها قبلنا، وأنتم أكثر انتهاكا لها منا، وإذن إذا كان بيتكم من زجاج فلا تقذفوا الناس بالحجارة!