إسرائيل تحاول -2- / أ. محمد الحسن أكيلال

ارتباك شديد
“نتانياهو” المعتاد على أسلوب المراوغة والمناورة كلما وجد نفسه محاصرًا واشتد الخناق على عنقه في الداخل، يلتجئ إلى التحريك العسكري عله يخفف عنه ذلك الخناق، هذه المرة وهو يواجه خصما عنيدًا يريد أن يفتك منه رئاسة الوزراء بعد الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بفارق صوت واحد، هذا الرجل “بيني غانتس” الذي كان يشغل منصب وزير للدفاع لم يجد بدًا من مجاراته كي لا يضيع على نفسه أصوات بعض اليمينيين المتطرفين الذين بدأت ثقتهم في شخص “نتانياهو” تتلاشى وتضمحل من كثرة أخطائه وأكاذيبه وادعاءاته الفارغة الجوفاء.
لما لم يستطع الاثنان الوصول إلى اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية بينهما كما اقترح ذلك رئيس الدولة “رؤوفين ريفيلين” وعجز كل واحد منهما في نفس العملية مع الأحزاب الأخرى، هنا توافق الطرفان على القيام بعملية عسكرية على قطاع غزة واغتيال القيادي العسكري لحركة الجهاد “بهاء أبو العطاء” المدعو “أبو سليم” بهدف اختبار رد الفعل من جانب المقاومة وكل المحور وإمكانية الابتزاز السياسي لكل من أمريكا والاتحاد الأوروبي لزيادة الضغوط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية طبعا مع عدم نسيان الموقف العربي من العملية العسكرية.
هدف آخر لا يقل أهمية عن الأول وقد أفصح عنه “نتانياهو” بقوله: إنه بالقيام بهذه العملية لفرض قواعد الاشتباك كما كانت من قبل آخر العمليات على قطاع غزة وبعض المحاولات على جنوب لبنان بواسطة الطائرات المسيرة وكلها طبعا باءت بالفشل الذريع وأصبحت المقاومة هي التي تفرض قواعدها للاشتباك؛ وهذا ما يجعل الطبقة السياسية التي يسيطر عليها اليمين المتطرف والمستوطنون في حال من الارتباك زاده شدة موقف الرئيس الأمريكي “ترمب” الأخير في إعلانه عن قرار سحب قوات بلاده من شمال سوريا وترك حلفاء أمريكا الأكراد لوحدهم أمام مصيرهم المجهول في مواجهة تركيا من جهة ونظام بلادهم الذي عادوه منذ بداية الحرب في سوريا ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الإمبريالية التي تريد إسقاط النظام في سوريا.
التنافس على الشمال السوري
منذ يومين فقط قامت روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية في مطار “قامشلو” الواقع في شمال شرق سوريا بعد أن غادرته القوات الأمريكية دون سابق إنذار سبق هذا تصريح لوزير الخارجية الروسي “لافروف” نصح فيه أمريكا بالانسحاب من هذه المنطقة لكونها تتواجد عليها بطريقة غير شرعية كما صرح قبله الرئيس “بشار الأسد” بعد أن أعادت أمريكا قوات إلى المنطقة بذريعة النفط الذي يجب أن يحمى من إرهابيي “داعش”، حيث قال: إذا لم تخرج القوات الأمريكية من أراضينا فستواجه بسلاح المقاومة.
هذا الحدث وما أحاطه من تصريحات إضافة إلى التحريك الذي حدث في شوارع كل من بغداد وبيروت، هذا التحريك لا شك أنه تم بتدبير إسرائيلي-أمريكي- غربي يدخل في سياق الصراع بين الشرق والغرب على المنطقة بكاملها حول محور قاعدة الغرب الاستراتيجية المتمثلة في دولة الكيان الصهيوني التي بدأ فيها الشعور بدنو الأجل، أجل الزوال.
ارتباك آخر لكنه هذه المرة في الولايات المتحدة الأمريكية جراء محاكمة “دونالد ترمب” في مجلس النواب ثم الكونغرس التي يمكن أن تصل إلى الحكم بعزله من منصبه قبل نهاية العهدة الرئاسية التي كان السيد طامعا في إنهائها والفوز بعهدة ثانية ضد منافسه الديمقراطي “بايدن” الذي كان نائبا للرئيس السابق “أوباما”.
الارتباك لا شك قد طال زيادة عن الحزب الجمهوري المتشائم جدًّا من محاكمة “ترمب” اللّوبي الصهيوني كله لتخوفه من الانعكاسات السلبية على الدولة العبرية في “تل أبيب”.
الاتحاد الأوروبي أيضا له حظه من الارتباك لكونه ساهم بواسطة زعيمتيه بريطانيا وفرنسا في تأسيس هذه القاعدة ولها حصتها في المجال الحيوي في منطقة الشرق الأوسط كأسواق ومواد أولية و مياه دافئة ومضائق مائية.
الاتحاد الأوروبي يعاني من انسحاب بريطانيا منه، كما يعاني من ثورة أصحاب الصدريات الصفراء في فرنسا ووصول اليمين المتطرف إلى الحكم في أكثر من بلد.
إحدى النهايات الثلاث
كل التوقعات تشير إلى قرب الحسم في قضية هي أم القضايا منذ الإطاحة بإمبراطورية “الرجل المريض”، الدولة العثمانية التي كانت آخر خلافة في تاريخ الإسلام والمسلمين.
- التوقع الأول وهو الأقرب للمنطق والصواب هو الحل السلمي الذي يجنب المنطقة والعالم أجمع حربا عالمية ثالثة ستكون إذا حدثت لا سمح الله أخطر وأشرس الحروب التي عرفتها البشرية منذ سكنت الكوكب، وقد تكون دمارًا شاملاً لكل المنطقة والمناطق المجاورة لها كآسيا الشرقية وأوروبا وكل الشمال الإفريقي؛ الحل السلمي الذي تسعى إليه روسيا الاتحادية والصين الشعبية وتحاول الولايات المتحدة حسب آخر مواقف إدارتها في الأيام الأخيرة رغم تعنت حكومة “تل أبيب” التي تريد الدفع تجاه هذه الحرب.
- التوقع الثاني الذي تندفع إليه الدولة العبرية هو القيام بضربة جوية محدودة ضد المنشآت النووية الإيرانية للتخلص منها نهائيا وبعده يتم التخلص من السند والحاضن للمقاومة التي أصبحت تهدد أمن هذه الدولة. لاشك أن هذا الاندفاع لم يحسب لنتائجه حسابا بما في ذلك مصلحة هذه الدولة الهجينة التي لا تريد أن تعترف لنفسها بحدود جغرافية معقولة.
- التوقع الثالث وهو لا ينفصل عن الثاني من حيث التخطيط والتدبير والترتيبات الصهيونية بالتعاون والتنسيق مع المحافظين الجدد في أمريكا والإنجيليين الذين يؤمنون بخرافة معركة “آرماجيدون” التي ستكون هي آخر المعارك والحروب في الأرض تنتهي بظهور المسيح الدجال، وهذه الحرب هي الحرب العالمية الثالثة التي لا يقبل بها كل دعاة السلم والأمن في العالم بما في ذلك العقلاء في الدولة العبرية لأنها ببساطة ستنهي هذه الدولة وتزيل كل أثر لها و للساكنة فيها.