معاناة غير مسبوقة لقافلة الإغاثة الجزائرية في الأراضي المصرية/ عبد الحميد عبدوس
انفتحت يوم الخميس الماضي ( 24أوت 2017 ) نافذة أمل في إمكانية حل الإشكال الذي حال دون دخول قافلة الإغاثة التي سيرتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لمساعدة سكان قطاع غزة المحاصرين، وذلك بعد اللقاء الذي جمع السفير المصري بالجزائر عمر أبو عيش ومساعديه بوفد من جمعية العلماء المسلمين برئاسة الدكتور عمار طالبي، نائب رئيس الجمعية، وذلك بعد أن بدا أن الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود، على إثر عودة قافلة المساعدات إلى ميناء بور سعيد يوم الثلاثاء الماضي ( 22 أوت 2017) استعدادا لعودة القافلة إلى الجزائر، وقال السفير المصري بالجزائر إن كل الإجراءات قد تم اتخاذها من قبل الجهات المختصة في بلاده لتيسير دخول القافلة الإغاثية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى قطاع غزة، ومن جانبه قال الدكتور عمار طالبي إن الجمعية لا تقبل أن تكون سببا في الإضرار بالأمن القومي المصري، مؤكدا بخصوص مواد المساعدات أنه تم التقيد بجميع الشروط القانونية والأمنية المعمول بها في مصر.
وكانت جمعية العلماء قد تفاجأت بتصريح صدر في أواسط الأسبوع الماضي عن مصالح السفارة المصرية في الجزائر أرجع المضايقات التي تعرضت لها قافلة الإغاثة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في معبر رفح ومنعها من المرور لإيصال المساعدات إلى أهل غزة المحاصرين منذ أعوام، إلى قضية تتعلق بالحرص على ” الأمن القومي المصري”، وإذا كان لا أحد يجادل في حق مصر في الحرص على أمنها القومي واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للمحافظة عليه وصيانته، إلا أن القائمين على قافلة الإغاثة أكدوا عبر وسائل الإعلام أن السلطات المصرية ممثلة في سفارتها بالجزائر كانت على اطلاع على القائمة المفصلة لمحتويات القافلة التي تمثلت في ” أدوية وأجهزة طبية وسيارات إسعاف وتمور وألبسة ومولدات كهربائية” قبل الحصول على الترخيص لها بالتوجه نحو مصر. وكان في مقدور الأجهزة الأمنية في معبر رفح التأكد بسهولة من محتويات القافلة، حتى وإن كانت محل جدل بين مسؤولي قافلة الإغاثة الجزائرية والأجهزة الأمنية المصرية حول تسمية محتويات القافلة. ولكن إذا كانت السلطات المصرية تقصد فعلا أن بعض التجهيزات الطبية والأدوية والأغذية والألبسة التي احتوتها قافلة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كان وصولها إلى الأشقاء المحاصرين في قطاع غزة يشكل خطرا على الأمن القومي المصري، فهذا الادعاء يمثل بلا ريب تشكيكا في يقظة الأمن المصري، واستهانة كبيرة بقدرات القائمين على ضمان الأمن القومي المصري، وطعنا في مشاعر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تجاه الأشقاء المصريين.
لقد حرص المشاركون في قافلة الإغاثة على التأكيد للأشقاء المصريين أن هدف القافلة هو إنساني بحت لا علاقة له بالسياسة، حتى أن القافلة حملت شعار “من مليون ونصف مليون شهيد إلى مليون ونصف مليون محاصر”، ومن الجانب الفلسطيني، اعتبرت هيئة الحراك الوطني الفلسطيني لكسر الحصار عن قطاع غزة أن “القافلة الجزائرية بما تحمله من أدوية ومساعدات تعتبر حاجة ضرورية وملحّة لمستشفيات القطاع”. ولذلك كان تشدد السلطات المصرية في منع وصول المساعدات إلى قطاع غزة يبدو كأنه معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب خلاف النظام المصري مع حكومة حماس القائمة في قطاع غزة، وليس خافيا أن النظام المصري أصبح منذ 2014 يشارك عمليا في محاولة خنق قطاع غزة بغلق معبر رفح ومنع المساعدات من الدخول عبره إلى سكان القطاع.
وإذا كان هدف إسقاط حكومة حماس واضحا في سياسة إسرائيل منذ فوزها بالانتخابات التشريعية، حيث نشرت صحيفة فايننشال تايمز يوم 6 جويليه 2006 مقالا كشف فيه أن السبب الأساسي في حصار غزة هو سعي إسرائيل إلى “حرمان حركة حماس من ممارسة الحكم رغم فوزها في الانتخابات”. ثم قامت بإغلاق المعابر وتشديد الحصار على قطاع غزة بعد سيطرة حماس على غزة وإحباطها محاولة الانقلاب على الشرعية التي قام بها في 2007 مسؤول حركة فتح في قطاع غزة آنذاك العقيد محمد دحلان، فإنه من المشين والمحزن حقا أن تتحول دولة مصر التي ظلت لعقود طويلة تقود العالم العربي في معركة تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه الوطنية والتاريخية، إلى دولة محاصرة لشعب يعاني من قهر المحتل الصهيوني ومن خذلان أشقائه العرب. وهذا في الوقت الذي أصبح النظام المصري يحرص على سلامة حركة التنقل والمرور بالنسبة لدولة إسرائيل، عبر مضيق تيران كمجرى مائي دولي مفتوح أمام جميع الدول للملاحة دون معيقات، فبعد نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، وكشف نشر الجريدة الرسمية المصرية عن خطابات متبادلة بين مصر وإسرائيل، تضمنت نقل تعهدات سعودية لتل أبيب بالالتزام بما ورد في اتفاقية كامب ديفيد بشأن الجزيرتين.