بناء الأمة الجزائرية البوصلة الهادية معالم ومقتضيات/ د. نور الدين جفافلة.
من أكبر الواجبات التي يجب أن يضطلع بها كل جزائري مخلص لوطنه المساهمة في بناء الأمة الجزائرية التي سعى لتحقيقها الأمير عبد القادر الجزائري وخلَفُه الصالح، وقام لأجلها التيار الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهَبَّ لها التيار الوطني الأصيل، والتي توجت بأعظم ثورة شعبية مباركة في العصر الحديث، قصمت ظهر الإمبراطورية الصليبية الفرنسية.
وبناء هذه الأمة الجزائرية يقتضي بناء دولتها الجزائرية ذات السيادة الكاملة بالمفهوم الحضاري والسياسي والقانوني .
والدولة في أدبيات الفكرين السياسي والقانوني يقوم بناؤها على عدة أركان، وكلها يجب أن تُدَعَّم وتُبنى من الجميع، ويجب ألا يسمح لأي كان ومهما كان وبأي مبرر كان، أن يضعفها أو يقوض أساسها. وهذه الأركان في الفكر القانوني والفقه الدستوري هي: الشعب والإقليم والحكومة والسيادة.
1-الشعب: فالركن الأول الذي لا يمكن تصور وجودٌ للدولة من دونه، يجب أن يعمل الجميع على بناء كيانه والمحافظة على وحدته وانسجامه وحفظه من أي خطر يهدده.
لهذا لا غرابة أن يكون كل الفصل الثاني من الباب الأول (المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري) من الدستور الجزائري بجميع مواده مُرتكزه هو الشعب.
ومن هنا وجب على جميع الأفراد والجماعات
( أحزاب- نقابات- جمعيات – تيارات– حركات – حراك) أن يكون هذا الركن ضمن معالم بوصلتهم التي توجه أفكارهم وحركاتهم وأنشطتهم، ويجب أن يُعْلَم من المنطق ضرورة أن من أزاح الشعب عن المعالم الأساسية لبوصلته فقد عرّض الأمة للخطر .
2- الإقليم: ويقصد به الإقليم البري والبحري والجوي، ولا يخفى أن هذا الإقليم ضحى من أجله طوال الاحتلال والاستدمار الفرنسي حوالي 9 مليون من الشهداء؛ ومن هنا، فأيما تهديد له هو تهديد للأمة في وجودها. لهذا كرس الدستور هذا الركن في مادة واضحة جعلها هي الأولى وضمن المبادئ العامة التي حكم المجتمع الجزائري وهي الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية لا تتجزأ.
3- الحكومة: ويقصد بها في الأدبيات السياسية والقانونية، ضرورة أن يكون للأمة مؤسسات وطنية ومحلية، تشرف على بسط سيادة قوانينها على شعبها وإقليمها. ومعلوم لدى أهل الاختصاص ما يجب أن تكون عليه الحكومة من استقلال تام عن أي قوى خارجية أو داخلية، لا بالحلول ولا بالاتحاد، وكل محاولة لاختراق هذا الشرط فهو مساس بالدولة وتهديد للأمة.
ومقتضى هذا الركن أن كل الأقوال والأفعال والأنشطة، سواء الشعبية أو الرسمية، يجب أن تتخذ من ركن الحكومة بشروطه الضرورية المعلومة، وعلى رأسها شرط الاستقلالية، مَعْلما بارزا في بوصلتها.
4- السيادة: بالرغم من كون هذا الركن قد اختلف حوله في أدبيات الفكرين السياسي والقانوني، كونه مُتَضمّنا في الركن الثالث، إلاَّ أن هناك من أولاه اعتبارا خاصا، حيث أنه يمثل وجه الدولة، بل روح الأمة، وبخاصة في ظل وجود كيانات شبيهة بالدول لكنها كيانات تابعة لدول أكبر، أو مُكَوِّنة لدول، مثل الدول المشمولة بالحماية آو الانتداب، أو الدول الكونفدرالية، أو الشعوب ذات السلطة من دون سيادة كالسلطة الفلسطينية.
والسيادة في أبسط معانيها هي أن الآمة ممثلة في شعبها تبسُط سيادتها وسلطتها (بمنظومة قوانينها بالمفهوم العام للقانون)على إقليمها وعلى من يعيش في إقليمها من مواطنين وغيرهم.
لأجل ذلك جاء في الدستور الجزائري ضمن المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، فصل كامل هو الفصل الثاني بعنوان الشعب . ضُمِّنت كل مواده – من المادة 7 إلى المادة 11- موضوع السيادة، ومنها المادة 7 التي نَصُها بفقرتيه: الشعب مصدر كل سلطة. السيادة الوطنية ملك للشعب وحده.
وبناء على ذلك فمن مقتضيات هذا الركن أيضا، يجب على كل الأفراد والجماعات والمؤسسات الشعبية والرسمية أن تحافظ على كل ما يَبْني ويُدَعِّم ويُقوي، وينبذ ما يُهدم ويُقوض ويُضعف.
وبنفس المنطق الآنف ذكره، فإن كل الأقوال والأفعال والأنشطة، سواء الشعبية أو الرسمية، يجب أن تجعل هذا الركن ضمن معالم بوصلتها حتى لا نحيد أو نميل إلى ما لا يحمد عقباه.
الخلاصة أن بناء الأمة الجزائرية التي أسس لها الدستور في ديباجته ومختلف أبوابه وفصوله ومواده معالمَ في غاية الوضوح، وهي العواصم من أي قواصم تتهدد الأمة الجزائرية في شعبها ودولتها، يجب أن يكون ذلك البناء هو الكلمة السواء بين مختلف أطياف الشعب من جهة، وبين الشعب وسلطته، وبين الشعب وجيشه، وأن أي زرع للفتنة بين الشعب وجيشه، وبين الشعب وسلطته الشرعية (المؤسسات) يجب أن يقف له الجميع بالمرصاد.
جامعة الشهيد محمد العربي بن مهيدي أم البواقي