آراء في واقعنا المتأزم/ عبد العزيز كحيل
|
هذه الأيام التي نمرّ بها في الجزائر عصيبة حقا تحتاج إلى التوفيق الإلهي وعزائم الرجال الأفذاذ، لنا فيها وقفات وشذرات نرجو أن تسهم شيئا ما في إنقاذ الوضع.
- يا إلهي ما هذا الانحطاط الأخلاقي بسبب الاختلاف؟
لم أكن أتصور أن الاختلاف سيصل ببعض الناس إلى هذا المستوى الهابط جدا من الإسفاف والأخلاق الذميمة، ويبلغ أسفي مداه حين يكون ذلك شأن من كنت أظن أنهم أصحاب دين وخُلق، بدأ الأمر بتخوين المخالف وشيطنته ثم انحدر إلى الكلام الفاحش والصور الخادشة للحياء والأسلوب القبيح، فضلا عن سوء الظن والسخرية والافتراء…وأعرف – مع كل أسف – أساتذة ومثقفين نزلوا إلى هذا المستوى وتخندقوا فيه وتمادوا في السلوك غير القويم، ومنهم من اتصلتُ بهم على الخاص ونصحتهم فركبوا رؤوسهم وأصروا واستكبروا استكبارا، كيف نأمن هؤلاء إذا حكمونا أو تكلموا باسمنا؟ قلتُ لهم: اكْسوا ألفاظكم أحسن الحُلل، عبروا عن قناعاتكم بكل حرية وإنما دائما بأدب لكنهم اختاروا سوء الأدب…وقد نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الحراك والشعب!!! أما أنا فأتكلم باسمي فقط وبأدب.
- فلْنجربْ هذه الوصفة:
ما أحوجنا إلى تسيير هذه المرحلة بكثير من التعقل والأناة والخُلق الرفيع، هذا مطلوب من الشعب كله وخاصة من النخبة السياسية والثقافية، أقترح هذه الوصفة الطبية، فيها أدوية صعبة التناول على كثير من الناس لكننا لن نتعافى ولن نُشفى إلا بتناولها:
– الحرص على الكلمة الطيبة الهادئة فيما نقول ونكتب ونصرّح، وفي جميع الأحوال..هذا هو الدين.
– الابتسامة الرقيقة على شفاهنا لا تكلف شيئا، بل تذيب الجليد وتمتّن العلاقات بيننا، وتجلب لنا الثواب عند الله تعالى..هذا هو التحضر، أليس هو أفضل من الهمجية التي بسطت رداءها في واقعنا هذه الأيام؟
– من لديه رأي آخر ليس بالضرورة عدوّا، نختلف معه في أشياء لكننا نتفق معه في أخرى بكل تأكيد، وربما سيتبيّن في يوم من الأيام أن الحق معه، هذا أفضل من التشنج والعدوانية ورفض الآخر نهائيا.
– من نصّب نفسه وصيا على الحراك أو الشعب أو الجزائر- وما أكثر هؤلاء مع الأسف، رغم أن أحدا لم ينصبهم ولم ينتدبهم لهذه المهمة – يجب أن يتحلى بالتواضع ويلين لجميع إخوانه ويترك عنه الاستعلاء..هذا هو الخُلق الكريم.
بهذه الوصفة نربح بلادنا ولا نخسر أخوّتنا.
- كيف نتحاور؟
الحراك فضحنا وأبان عن عيوبنا النفسية وضحالة ثقافتنا السياسية وبُعدنا الشديد عن التحضر وفنّ التعايش.
في هذا الجوّ المشحون يجب علينا جميعا اعتماد هذه الآداب:
– احترام جميع المتحاورين رغم الاختلاف والتحلي بالتواضع المتبادل.
– حسن الاستماع للآخرين والابتعاد عن الصخب واعتماد لغة الحجة والإقناع.
– الابتعاد عن المثالية الحالمة واعتماد فنّ الممكن.
– الانفتاح وترك التعصب للرأي والانتماء الإيديولوجي والسياسي.
– ترك التجريح وجميع أشكال الاحتقار لمن نختلف معهم.
– التحلي بالصبر والتحمّل وطول النفس ورباطة الجأش.
وقبل هذا التسلح بالنية الخالصة والإقبال على الحوار وخلق أجواء التعايش السلمي والنقاش المتحضر حتى يوفقنا الله تعالى.
- متى نفقه معنى التنازل من أجل المصلحة العليا ونتقن فنّه؟
– تنازل الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض الشكليات في الحديبية وكسب بذلك معركة حرية الدعوة.
– تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة (وهو أحق بها) فالتأم شمل المسلمين بعد الفرقة وسمى المسلمون تلك السنة بعام الجماعة، جاءت بعده خلافة فيها نقائص لكنها حفظت الإسلام والأمة.
– خالد بن الوليد رضي الله عنه يأتيه قرار عزله وهو يقود المعركة فينتقل مباشرة من القيادة إلى الجندية، يؤثر رضا الله والمصلحة العامة على حظوظ نفسه، تنازله جعل المسلمين يكسبون الحرب، ونال هو شرف الدنيا والآخرة.
– قيصر الروم تأكد من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض على حاشيته دخول الإسلام فرفضوا ذلك بشدة، فخشي ضياع عرشه ومجده الدنيوي، لم يتنازل للحق فتمزق ملكه وكان هو من أصحاب النار…