زمن التيه العربي/كمال ابوسنة
في هذه الأيام تزداد رقعة الخلاف شرخا بين معظم الدول العربية، ولعل نقطة الاتفاق الوحيدة التي يُجمعون عليها هي”الاتفاق على عدم الاتفاق”!
إن مشكلة العرب أنهم – للأسف – لا يستفيدون من دروس الهزيمة التي تكررت على مدى سنوات عديدة، فهم “تلميذ فاشل” لا يستفيد من نفس زلاته وأخطائه، وإن كان المثل الألماني الشهير يقول:” ليس العيب في السقوط، ولكن العيب أن يسقط المرء، ويبقى ساقطا”، فإن العرب استلذوا ” السقوط” واعتادوه حتى أضحى طبيعة مستحكمة فيهم، فهم لا يريدون أن يغيروا ما بأنفسهم، ويعرقلون كل من يريد أن يغيرهم ويرتقي بهم، ولا يَسُرهم الخروج من مرحلة ” التيه” التي ابتلوا بها بعد أن اثَّاقلوا إلى الأرض، ورضوا بمناهجها الكالحة الميتة، وأعرضوا عن منهاج السماء الحي الذي أحيا أمة بعد مواتها، وما ألطف عبارة أبي يزيد البسطامي حينما قال:
” أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت”…
وصدق شوقي حينما أنشد قائلا:
بك يا بن عبد الله قامت سمحة
بالحـق في ملل الهـدى غراءُ
فرسمت بعدك للعباد حكومـة
لا سـوقة فيها ، ولا أُمـراءُ
الله فوق الخـلق فيها وحـده
والناس تـحت لوائها أكفاءُ
حين أشاهد حكام العرب الحاليين ، مجتمعين متفرقين، لستُ أدري لماذا تظهر أمامي صورة ” أندلس ملوك الطوائف“، وأحداثها الكئيبة، ووقائعها العجيبة، التي يجب أن لا تغيب عن مخيلة كل عربي مسلم..!
لقد اشتد صراع هؤلاء الملوك فيما بينهم باسم العنصرية والجنس، وتركوا خصومهم الحقيقيين من الصليبيين يكتسحون أرض الأندلس شبرا شبرا، وقطعة قطعة، وارتفعت رايات متعددة هنا وهناك بألوان مختلفة، وأنزلت راية الإسلام الواحدة الـمُوَحدة…وجريا وراء المصالح الذاتية، وحرصا على الكراسي الزائلة، تحالف ملوك الطوائف مع أعدائهم الصليبيين الحاقدين ضد بعضهم..وماذا كانت النتيجة؟!
لقد ضاعت الأندلس، وسُلبت الممالك، وطُرد سكانها شر طردة، وعُذب من بقي من المسلمين في محاكم التفتيش حتى غيروا دينهم خوفا وتسترا، وما تزال إلى يوم الناس هذا صدى كلمات أمّ أبي عبد الله، آخر ملوك الطوائف، تهز النفوس الحية هزا، وتنكأ الجراح الكثيرة، عندما قالت لولدها الملك الباكي المنهزم المفرط في إرث الآباء والأجداد، بل في أرض الإسلام والمسلمين:
” ابكِ مثل النساء ملكا لم تحافظ عليه مثل الرجال”.
الأمة العربية الإسلامية بحاجة اليوم إلى قادة رساليين عباد لله وحده، يهمهم أمر الإسلام والمسلمين، ويسعون لجمع الكلمة تحت راية واحدة تقودهم إلى النصر والعزة…فالشعوب في العالم العربي والإسلامي ملّت الانبطاح، والانهزام، والفُرقة، والصراعات الشخصية، والعلاقات المكهربة، بين الحاكم الفلاني والحاكم العلاني.. أفلا يكفي درس سقوط فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من البلدان …
أخشى ما أخشاه أن تبقى مقولة أم عبد الله تتكرر مرات ومرات في عصر ملوك الطوائف الجدد!!