وراء الأحداث

خطوة أخرى في مسار البغي الأمريكي على الحق الفلسطيني/ عبد الحميد عبدوس

مازالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمارس البلطجة السياسية ضد الحقوق الفلسطينية، وتوجه المزيد من الإهانات لما تبقى من الكرامة العربية، وتدوس القوانين الدولية.

لقد تحولت الولايات المتحدة الأمريكية تحت رئاسة دونالد ترامب من دولة راعية للسلام في الشرق الأوسط إلى حكومة داعمة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، بعد أن وضع  ترامب وفريقه اليميني الإنجيلي قدرات الولايات المتحدة الأمريكية في خدمة حكومة بنيامبن نتنياهو العنصرية وسياسيها الاستيطانية التوسعية.

واستكمالا للخطوات التي دأبت إدارة الرئيس ترامب على انتهاجها للقضاء على مسعى حل الدولتين، وتصفية القضية الفلسطينية، كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وإغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن، ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإغلاق القنصلية الأمريكية بالقدس، جاء إعلان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو ليشكل  انحرافا عن ما ظلت الدبلوماسية الأمريكية  متمسكة به طوال 40 سنة استنادا على الرأي القانوني الصادر عن الخارجية الأمريكية عام 1978 والذي ينص على أن “المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة، تتعارض مع القانون الدولي”:  حيث صرح بمبيو يوم الاثنين الماضي ( 18 نوفمبر 2019): ” إن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية، المقامة في الضفة الغربية، مخالفة للقانون الدولي”. مؤكدا أن موقف إدارة الرئيس ترامب تجاه المستوطنات الإسرائيلية، يختلف عن موقف الرئيس السابق باراك أوباما .

وإذا كانت الإدارة  الأمريكية السابقة تحت قيادة  الرئيس باراك أوباما لم تعترض في الأيام الأخيرة لها على قرار للمجلس الدولي رقم  2334 الصادر في 23 ديسمبر 2016 الذي نص:” على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.  وهو القرار الأممي الذي يدعم ويؤكد قرار مجلس أمن الأمم المتحدة رقم 446 الذي اعتمد في 22 مارس 1979، الذي ندد ” بممارسة إسرائيل بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس” ورغم أن الاستيطان هو من القضايا التي أدت لتوقف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين منذ 2014، إضافة إلى ما أثاره القرار الأمريكي الأخير من معارضة وتنديد السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تعتبر المعني الأول بقضية الضفة الغربية، ومعارضة 14عضوا من أعضاء مجلس الأمن الدولي ( البالغ عددهم 15عضوا) الذين أعادوا التأكيد على مبدا “عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة” ورفض الدول العربية والإسلامية، وأغلبية دول العالم  بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، ودولة الفاتيكان لهذا الإعلان الأمريكي، فإن وزير الخارجية الأمريكي ادعى أن  القرار الأمريكي “يعزز فرص السلام”، وهو نفس موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن القرار الأمريكي “لا يمنع المفاوضات (مع الفلسطينيين) بل بالعكس، إنه يدفع السلام قدما لأنه لا يمكن بناء السلام الحقيقي على الأكاذيب”.

ولم يقتصر الرفض والإدانة لخطوة إدارة ترامب باعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية “غير مخالفة للقانون الدولي” على الغالبية العظمى لأعضاء المجتمع الدولي، بل إن شخصيات أمريكية بارزة اعترضت على هذا القرار الأرعن والمجحف، على غرار  عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز أحد المرشحين البارزين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الذي قال إن “المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير قانونية، وهذا واضح من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعددة” وأضاف: “مرة أخرى يعزل السيد ترامب الولايات المتحدة ويقوض الدبلوماسية من خلال إرضاء قاعدته المتطرفة”.

ومن جهتها تعهدت السيناتورة إليزابيث وارن، المرشحة الديمقراطية البارزة في السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض بإلغاء قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. واعتبرت خطوة إدارة ترامب: ” محاولة إيديولوجية أخرى لصرف الانتباه عن إخفاقاتها في المنطقة، هذه المستوطنات لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل إنها تجعل السلام أكثر صعوبة، سأقوم بإلغاء هذه السياسة، وسأتابع حل الدولتين”.

منذ وصول المقاول المقامر دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا، لم يصبح من الغريب أن يتطابق رأي الإدارة الترامبية  مع الإدارة الصهيونية،  فقد صرح دونالد ترامب أمام حشد من اليهود في حملته الانتخابية، أن إدارته تعمل جاهدة على دعم إسرائيل، وأن نسبة تأييده في الدولة العبرية تبلغ نحو 98%.  مؤكدا:” إذا حدث شيء هنا فإنني سأتوجه إلى إسرائيل وسأتولى منصب رئيس الوزراء على وجه السرعة”،  كما  سبق لمايك بمبيو أن اعتبر:”إن الله أرسل ترامب إلى الأرض لحماية إسرائيل”

وكان ترامب يلوح  في هذا التصريح إلى احتمال عزله من منصبه بعد تعرضه لتحقيق مجلس النواب الأمريكي في الانتهاكات التي ارتكبها خلال فترته الرئاسية التي اعتبرها النائب الديمقراطي آدم شيف الذي يرأس لجنة التحقيق ” أن التهم المنسوبة لدونالد ترامب، أخطر بكثير مما ارتكبه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون” الذي خضع بدوره في سبعينيات القرن الماضي إلى تحقيق برلماني في قضية ” ووترغيت “، كما ينتظر أن تبدأ قريبا  محاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو بتهم خطيرة جدا هي تلقي الرشوة والغش والخداع وخيانة الأمانة. والواضح إن ما يجمع هذين الشخصين هو ممارسة الفساد والظلم والتجبر، وكراهية الإسلام واحتقار العرب.

بعد أن أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر والدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي والمخابراتي لإسرائيل لمواصلة انتهاك القانون الدولي، وتحدي الشرعية الدولي، شكر نتنياهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو والإدارة الأمريكية على ما وصفه بـ”وقوفهم الحازم إلى جانب مبادئ الحق والعدالة”. واعتبر موقف إدارة ترامب ” تصحيحا لظلم تاريخي بشأن المستوطنات”.

غير أن مجلة (إيكونوميست) البريطانية كتبت في افتتاحيتها  بعد تصريح بمبيو:”إن الواقع على الأرض الذي تجاهله بومبيو هو أن هناك 2.6 (مليونين ونصف مليون) فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية التي ينظر إليها معظم العالم وحتى من قادة إسرائيل السابقين كجزء من دولة فلسطين في المستقبل”.

ولقد أكد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حقيقة لا تستطيع  إدارة ترامب تغييرها وهي أن:” تغير الموقف السياسي لدولة لا يعدل القانون الدولي القائم ولا تفسير محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن له”.

إن انتهازية دونالد ترامب ومحاولته الماكرة لتحويل قضية حق شعب بكامله إلى مجرد مناورة انتخابية إرضاء لقاعدته الانتخابية المتطرفة، وخاصة منها  فئة اليمين الإنجيلي المتطرف واللوبي الصهيوني المتحكم في مفاصل المال والإعلام، لن تغير من إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم والمصمم على استرداد حقوقه الوطنية، وأكبر دليل على ذلك هو تمسك الفلسطينيين بحق العودة وتحرير الأراضي المغتصبة، وكفاحهم البطولي، ومسيراتهم المتواصلة لكسر الحصار رغم تخاذل الأشقاء وخيانة الأصدقاء، تجسد بحق المقولة العربية الحكيمة والخالدة :” ما ضاع حق وراءه طالب”.

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com