المرأة و الأسرة

فتياتنا بين مطرقة الأب، وسندان الزوج..بقلم: أمال السائحي

الكثيرات من فتياتنا اليوم تعاني أزمات حادة، سواء على الصعيد الأسري، أو على الصعيد الاجتماعي، ولكن أكثرها تربوي محض، ويتمثل في عجرفة الأب وقسوته، على أولاده وزوجه، لأنه فقط تربى بطريقة “أنت رجل” إذن لابد أن تستعمل العنف مع من عنّفك، أو مع أي شخص آخر، حتى وإن كانت عائلتك التي لا تنتظر منك إلا كل جميل…

مشاكل الفتيات في قضية الهروب من المنازل، والتي أصبحنا نقرأها ونسمعها على وسائل الإعلام المقروء والمسموع، قد كثرت بطريقة رهيبة جدا، واليوم إذ نتحدث عن الفتاة لأن مصيرها ليس كمصير الشاب، إذا خرج من البيت، فهو قد يمكن له أن يتحدى ويتصدى، أما هي فكائن ضعيف جدا، لا قبل لها بمواجهة المشاكل العويصة، والعنت والشدة…

تقول بعض المختصات في هذا المجال، من اللواتي قمن بتحقيقات مع فتيات تركن بيت الأسرة إلى وجهة غير معروفة:

كان حديث الفتاة الأولى دون أي خجل قائلة: “أبي إنسان قاس، لا يعرف معنى التربية، إلا باعتبارها تعاملا بالسوط، كنا نرتجف منه ارتجافاً، وكانت أمي تنل مما نناله، إن تحدثت أو حاولت أن تقف بوجهه، ظنا منه أن هذه  هي معايير التربية الصحيحة، قسوة وعنف، وللأسف إخواني الشباب هرب أحدهم من البيت ووجد رفقة السوء التي تحتضنه، وأنا لم أجد مفراً من قبول أول رجل تقدم لخطبتي، والذي لم يختلف عن أبي كثيراً سناً ومعاملة، بل يزيد عن أبي بغيرته الشديدة، لكنني سأتحمله عساه يموت قريباً وأكون أنا ضمن ورثته ووقتها سأبدأ حياتي”.

أمّا أخرى فتقول: “الحنان الذي افتقدته في بيت أهلي؛ جعلني أفكر مراراً قبل أن أجعل أبنائي يمرون بنفس التجربة، وفي نفس الوقت رغبتي في التخلص من قيود أهلي، وحنيني إلى الأمومة جعلني أقبل أن أتزوج من يراه أبي مناسباً، عشت فترة عام مع زوجي الحالي وأنا لا أحبه مطلقاً، بل وأكره قيامي بواجباتي الزوجية تجاهه، خاصة وأنه كان ينظر إلي نظرة دونية بأنه قد اشتراني بماله، وفور أن رأيت ابنتي بين أحضاني انفصلت عن هذا الإنسان، وبدأت حياتي لأرعى ابنتي ولأكون كل حياتها”.

هكذا كان جوابها حينما سألوها: أتحمل اختياري..أو أبقى عانسا

كانت هذه الفتاة أكثر عقلانية حيث تقول: “أنا من اخترت الهروب من بيت أهلي بالزواج، وأنا من اخترت أن أنجب، لذلك محوت من بالي الانفصال عن زوجي الهمجي، فهو لا يصلي ولا يعرف الله تعالى، ولا يتوانى عن ضربي كلما غضب، ويظن أنني سأسامحه طوال عمري، وللأسف كان زواجي دون موافقة أبي، مما جعله يقاطعني، ولا أستطيع أن أطلب منه المساعدة الآن، لكنني لا أفكر في الطلاق أبداً حفاظاً على أبنائي”.

ولبعض الفتيات تجارب مختلفة حيث تقول هذه الفتاة: “نشأت منذ الصغر وأنا أعاني مع أبي، الذي لا يكف عن الخمر والإدمان، وبعد وفاة أمي وجدت نفسي في حال لا أحسد عليه، حيث لم يتورع أبي أن يستضيف أصدقاءه في البيت، ولم يستمع إلي حينما أجد نظراتهم تأكلني وهم سكارى، كنت أبيت في رعب شديد، حيث أنني وحيدة أبي وأمي، فكرت في الهرب، لكنني لم أعرف إلى أين سأذهب، وكان ربي رحيماً بي عندما تقدم لخطبتي أخ إحدى زميلاتي بالجامعة، ووافق أبي على الفور ظناً منه أنه قد يكون يداً تمتد إليه بالنقود التي ينفقها على سكره، لكنني تزوجت وهربت، وللأسف انقطع تواصلي بأبي، فقط اتصل به هاتفياً دون أن يعرف مكاني”.

وهنا نقول: أن الزواج يعتبر الميثاق الغليظ الذي ينبغي أن يحسب له ألف حساب، فلا يمكن أبدا، أن يكون الدافع إليه هو مجرد الهروب من واقع مؤلم، فقد تكون عاقبة المجازفة في ذلك، واقع أشد إيلاما، خاصة إذا كان الزوج شرسا ومتسلطا، فكيف الانفلات من مطرقة الأب وسندان الزوج..وهذا ما ذهب إليه الكثير من المستشارين الاجتماعيين والتربويين، لأن الزواج يرتجى منه الدوام والاستقرار النفسي والاجتماعي..فإذا كان قرار الزواج حلا لمشكلة الهروب من البيت، فذلك يعتبر مشكلا آخر لا حلا كما تظن هذه الفتاة…

ولذا إن فكرنَ ملياً فسيجدن أن فترة بقائهن مع أبائهن قبل زواجهن، هي أقصر دائما مقارنة ببقائهن في كنف أزواجهن، ولذلك رغم قسوة الظروف في كنف الوالدين ستكون تلك المدة أهون من حياة أبدية مع زوج سيء الخلق، عديم التفهم، فهناك أزواج ليسوا ذوي مروءة، وتنعدم فيهم روح المسؤولية، مما سيجعلهن يعشن حياة أشد ألماً وأرقاً، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، فكيف إذا أفضى زواج فاشل كهذا إلى تطليق أو خلع؟ مما يضطرهن إلى أن يعدن أدراجهن للأسرة، فكيف سيكون حالهن عندها؟

إن هذه الظاهرة تشكل خطرا كبيرا يتهدد المجتمع، لأنه إذا كانت المرأة التي تمثل دعامة المجتمع وركيزته الأساسية، تدفع اليوم دفعا إلى الخروج من بيت أبيها إلى وجهة أخرى مجهولة، فتتعرض إلى معاناة لا تنتهي، وتبقى حبيسة تلك الفكرة التي نفذتها يوما ما في ساعة ما وفي وقت ما، وتجعلها تعيش الحياة التعيسة الأبدية، فلابد إذن من إعادة التوازن المفقود للمجتمع، ولن يتم ذلك إلا بتصحيح وضع الأسرة الذي اختل، وتضرر بشكل كبير جدا…

ولا يتطلب ذلك منا، إلا استلهام النصوص الواردة في الكتاب والسنة، وتراثنا الثقافي الجليل، الحافل بنماذج قيمة في المعاملات الأسرية السليمة الطافحة بالإنسانية وحسن التعامل، فإذا عد الرسول، صلى الله علي وسلم، اللقمة التي يضعها الزوج في فم زوجته صدقة، فذلك يعني أن الإسلام جعل من الإنفاق على الزوجة والتوسعة عليها، عبادة لله وقربى له، والإسلام جعل من حسن تربية البنات والإنفاق عليهن من الأسباب التي تستوجب الجنة للآباء، فذلك يعني أنه عد ذلك من العبادة، وإذا كان تراثنا الثقافي يشهد أنه كان هناك في الجاهلية أسر لا تُكره بناتها على الزواج، بل تستشيرهن في ذلك، ولا تجبرهن على الزواج ممن يكرهن، فذلك يعني أن بإمكاننا النهل من هذه النصوص واستخراج النماذج المثلى لتقويم العلاقات الأسرية بين الزوج والزوجة، والأب والأبناء، ولو فعلنا لانتفت هذه الظاهرة من المجتمع، ولما اضطرت بناتنا إلى الهروب أو زواج غير موفق…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com