صحيح البخاري موضوع مؤتمر دولي في تركيا/ أ.د. مرزوق العمري
صحيح البخاري نص مركزي في البنية المعرفية الإسلامية تلقته الأمة بالقبول حتى شاع عند المسلمين أصح الكتب بعد كتاب الله صحيح البخاري. يخضع هذا المصدر المهم في الراهن المعرفي لتجاذبات معرفية بين ناقد له مشكك في صحته وبين منكر لمصدريته التشريعية حتى وصفه بعضهم بأنه أسطورة وانتهت.
في هذا الإطار ولما يترتب على هذه المواقف المنكرة والمشككة من خطورة في المجال الديني؛ برمجت جامعة ابن خلدون للعلوم الإسلامية في اسطنبول مؤتمرا دوليا حول صحيح البخاري أيام: 01/02/03 نوفمبر2019م وذلك بغرض تدارس المقاربات التراثية والرؤى المعاصرة .
توزعت أشغال الملتقى على ثلاثة أيام انتظمت في عشر جلسات قدمت خلالها 38 ورقة بحثية تناولت ما يتعلق بصحيح البخاري في الدراسات القديمة والتي تناولته بطريقة تراثية كلاسيكية وكذا في الدراسات المعاصرة، وقدمت المحاضرات بثلاث لغات أساسية: العربية والتي كانت حصتها أكبر حصة ثم التركية ثم الإنجليزية التي قدمت بها ورقتان اثنتان.
جرت جلسات المؤتمر وفق التقاليد العلمية الإسلامية فكانت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات قرآنية بعدها كانت الكلمات الرسمية للسيد رئيس اللجنة التحضيرية للملتقى ثم السيد عميد كلية العلوم الإسلامية ثم السيد مدير الجامعة والسيد رئيس هيئة الأمناء بجامعة ابن خلدون. وهذه الكلمات الرسمية كانت كلمات ترحيبية بالحاضرين والمشاركين في المؤتمر، كما تم التطرق إلى عرض إشكالية الملتقى التي دارت حول مكانة صحيح البخاري عند المسلمين وكذا أهم الانتقادات التي يتعرض لها الأمر الذي أدى إلى برمجة هذا المؤتمر لمعالجة هذا الموضوع. في هذه التدخلات كانت كلمة عميد كلية العلوم الإسلامية كلمة تعريفية بجامعة ابن خلدون الفتية، فهي جامعة تُدرّس بلغات ثلاث: التركية، العربية، والإنجليزية، وأنها تقوم بإرسال بعثات إلى أمريكا لتكوينهم في اللغة الإنجليزية، وإلى بعض البلاد العربية لتكوينهم في اللغة العربية، وأن منتسبيها من دول كثيرة في العالم.
أما رئيس الجامعة فكانت كلمته ترحيبية بالضيوف ثم تطرق إلى بعض المكتسبات التي حققتها الجامعة مثل استعادة دار القراء ودار الحديث بالسليمانية بعدما أغلقت منذ 100عام تقريبا.
بعدها كانت المحاضرة الافتتاحية التي قدمها الشيخ محمد عوامة، وكانت محاضرة متخصصة مدارها المقارنة بين البخاري والدارقطني وابن حجر العسقلاني انطلق فيها من إثبات صحة الصحيحين لتلقي الأمة لهما بالقبول، مؤكدا على ضرورة التحلي بالنقد والأدب وتجاوز التقليد وانتهي إلى إثبات منهج علمي رصين في صحيح البخاري. بعده تم التطرق إلى صحيح البخاري من زاوية وصفية مع التركيز على تحريره من المذهبية والدعوة إلى جعله في مكانته مصدرا من مصادر الحديثية.
ثم كانت بعد ذلك الجلسات العلمية التي اتجهت إلى البحث في صحيح البخاري من كل الأبعاد من جهة الأسانيد حيث تمت معالجة رواية المبتدع عند البخاري ومنهجه في نقد الرواة وتقييماته للأسانيد في جامعه الصحيح، كما تضمنت جلسات المؤتمر محورا آخر تمثل في النقد الكلاسيكي لصحيح البخاري من خلال الوقوف عند تداعيات رد الفقهاء لبعض أحاديث البخاري وكذا النقد الذي تعرض له صحيح البخاري كنقد الخطيب البغدادي من القدامى والشيخ ناصر الدين الألباني من المعاصرين.
من جهة أخرى تضمنت جلسات المؤتمر محورا آخر تمثل في صحيح البخاري في الدراسات الحداثية تم خلالها الوقوف عند صحيح البخاري أسئلة الحداثة، والاعتقاد المذهبي للبخاري في تخريج مدوناته الحديثية، وكذا رد شبهة ارتباط الجامع الصحيح بالحالة السياسية من خلال التركيز على المذهب والسياسة والحديث.
من المحاور التي دار عليها المؤتمر “صحيح البخاري و الإشكاليات المعاصرة” كإشكالية ضعف التذوق اللغوي وما له من أثر في نشأة الشبهات المعاصرة حول صحيح البخاري، ودعوى تأثر الصحيح بالإسرائيليات ثم التطرق إلى بعض الجوانب الكامنة في الصحيح التي تدحض ما أثير حوله من شكوك، وكذالك تأثيرات الثقافة المعاصرة في تكوين فهم خاطئ لبعض أحاديث الصحيح مثل أحاديث طاعة الأمراء.
أما عن مصادر البخاري في صحيحه فقد كانت في ذلك دراسات تناولت منهجه في كتابه التفسير ومصادره اللغوية ومالها من أثر في فهم النص القرآني، وكذا أثر التاريخ الكبير في الجامع الصحيح بما يثبت التكامل بين التاريخ والجامع الصحيح، ومن جهة أخرى علاقته بمصنف أبي بكر بن شيبة.
من أهم ما تضمنته جلسات المؤتمر دراسة تلقي الأمة بالقبول لصحيح البخاري كما هو سائد عند المسلمين وذلك من خلال موقف محدثي القرنين الرابع والخامس وأثر ذلك في تلقيه بالقبول ومسألة الإجماع على صحة صحيح البخاري، وهذا ما اقتضى التطرق إلى الرد على دعوى نقد الصحيح عند المعاصرين بحجة نقد القدامى له ليكون بعد ذلك نقد النقد الموجه إلى صحيح البخاري.
كما قدمت محاضرات متنوعة حول الصحيح كالأحاديث المدرجة في صحيح البخاري، ومفهوم القياس عنده من خلال صحيحه، وطرق قراءة الصحيح في العهد العثماني كنموذج للتعامل مع الصحيح.
أما عن شروط البخاري فتم الحديث عن مرونته في إيراد رواية بعض الضعفاء وموقفه من المذهب الحنفي ومن أمثلة ذلك موافقاته لشيخه ابن أبي شيبة في الرد على الإمام أبي حنيفة وكل ذلك من زاوية حديثية بطبيعة الحال.
من المحاور التي عالجتها إشكالية المؤتمر منهجية البخاري في جامعه الصحيح فتم التطرق إلى منهجه في انتقاء الرواة المتكلم فيهم، وكون صحيحه صحيح معلل، وأساليبه في التنبيه على الغلط عند اختلاف الروايات، وإشكالية المطابقة بين الترجمة وبين الحديث، وروايته للحديث المعلول، ودعوى تصرفه في صحيحه، والفرق بين الانتقاء والتصحيح عند البخاري، ومنهجه في التعامل مع شك الراوي في الجامع الصحيح.
وانتهت جلسات هذا المؤتمر إلى: توكيد أن المؤتمر حقق معظم أهدافه وأهمها مناقشة صحيح البخاري بطريقة علمية تخصصية بعيدة عن المواقف العاطفية، وتم التوكيد على صحته وعلى أنه كتاب متخصص.