محمد صلى الله عليه وسلم في مرآة فكر الأديب العالمي “برنارد شو”/ د. إبراهيم نويري
كلما أقبل شهر ربيع الأنور أجد نفسي مقوداً لتذكّر صاحب الرسالة العظمى ومطالعة شمائله الخالدة و سيرته العطرة ، و أبرز ما يجتذبني في هذه المحطة الزمنية مطالعة آراء غير المسلمين في رسولنا الكريم .. لقد شُغف لفيفٌ هائل من فلاسفة و أدباء وفناني ومفكري الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، بشخصية وسيرة رسولنا محمد صلوات الله و سلامه عليه . ومن بين أشهر هؤلاء جميعاً الأديب والفيلسوف الإيرلندي ـ البريطاني (جورج برنارد شو) الذي ولد في دبلن بتاريخ 26 يوليو سنة 1856م، وتوفي بكندا في 2 نوفمبر سنة 1950م، وعاش معظم حياته في لندن؛ فهو من بين أكثر مفكري الحضارة الغربية صراحةً ووضوحاً فيما يتعلق برسولنا صلى الله عليه وسلم، وبرسالة الإسلام برمتها، حتى ليَحسب مَن يطالع كلامه بأنه رجل مسلم محب لدينه وسيرة نبيه ــ ولعله يكون كذلك فعلا، لأن الكثير من الدراسات تشير إلى اعتناق الكثير من رموز أوروبا للإسلام دون إعلان ذلك أمام الملأ، ومن بين أشهر الذين ذَكَرَتْهم تلك الدراسات “برنارد شو” وكذلك الأديب الألماني الكبير”غوته ” والأديب الروسي العالمي “تولستوي” والأديب الفرنسي الشهير “فيكتور هوغو” ــ .
وفي مقال تاريخي مميّز كتبه الأديب برنارد شو سنة 1936م عنوانه ( الإسلام الحقيقي) يقول شو:” قرأت حياة رسول الإسلام جيداً مرات ومرات، فلم أجد فيها إلاّ الخُلق كما يجب أن يكون، وأصبحتُ أضع محمداً على قمم مصاف الرجال الذين يجبُ أن يُتّبعوا، ولمّا قرأتُ دينَ محمد أحسستُ أنه دينٌ عظيم، وأعتقد أنّ هذا الدين العظيم سيسود العالم ذات يوم قريب مقبل، إذا ما وجد الفرصة لانتشاره، ليتعرّف العالَمُ عليه بلا تعصّب، وأتمنى أن يتعرّف العالم على الإسلام بلا تعصّب، فالتعصّب يُعمي العقول والقلوب والأبصار عن الحقيقة، والإسلام هو الحقيقة التي جاء بها محمد ليجمع العالم من خلاله على الحب والسلام والخير والعدل “.
ثم يشير ” شو” إلى بعض العوائق والمنغصات التي ساهمتْ ـــ وما تزال ـــ في تأخر تعرّف شعوب العالم على الإسلام فيقول “ولقد قرأتُ ما كتبه كهنة العصور الوسطى فوجدتهم قد أظهروا الإسلام بشكل لا يمتُّ للحقيقة بصلة، واستنتجت أنهم خائفون على مناصبهم، وحينما عرفتُ الحقيقة في الإسلام، أدركتُ أنّ رسول الإسلام إنما جاء برسالة لا شبيه لها، وما كان يريد من وراء ذلك منصباً أو جاهاً، ولا شكّ أنّ الحروب التي ما زالت قائمة منذ ظهور الإسلام، وحتى اليوم، مؤداها أن يحافظ أعداء الإسلام على وجودهم، ولو أن محمداً وُجد في هذا العالم اليوم، لاستطاع بقوة إقناعه أن يحلّ كلّ مشكلات العالم، وأن يجعل الحب والعدل والسلام جوهر الحياة “.
ولا يغفل شو الإشارة إلى دور الدعاة وعظيم أثرهم إذا هم ارتقوا إلى الفهم الصحيح للإسلام ونجحوا في تنزيل النصوص والمقاصد على الواقع المتغير أو المعقد أحياناً بصورة صحيحة قائمة على العلم الراسخ والفهم العميق لمتغيرات الزمن، فيقول:” ولو استطاع القائمون على الدعوة للإسلام أن ينهجوا الطريق الإسلامي الصحيح لساد السلام، كأنّ محمداً موجود، وهو بالفعل موجود في رسالته التي ما جاءت ضد أحد من الأنبياء السابقين، بل جاءت لتكمل الرسالات جميعاً، ولا شكّ أنّ الإسلام ونبي الإسلام، استطاعا أن يجعلاني أقف باحترام شديد للرسالة و رسولها، وتمنيتُ دائماً أن يكون الإسلام هو سبيل العالم، فلا منقذ له سوى رسالة محمد”.
لقد فهم ” شو” رسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين، لا تخاصم الأنبياء السابقين، بل تكمل الرسالات وتصحح الأخطاء التي أُلصقت ـــ عبر الزمن ـــ بجوهر الدين؛ ثم يستشرف ” شو” مستقبل الإسلام، ويجزم بأنه سوف يصبح دين أوروبا، وأن هذا اليوم قادم وأن بشاراته وأماراته بدأت تلوح في الأفق، على الرغم من الشبهات والعوائق التي يضعها كارهوه وشانئوه، فيقول:” ولقد وضعتُ دائما دين محمد موضع الاعتبار السامي بسبب حيويته، فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه صالح لأطوار الحياة المختلفة، بحيث يستطيع أن يكون جذاباً لكلّ جيل من الأجيال، ولقد تنبأت بأنّ دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوروبا غداً، وقد بدأ فعلاً يكون مقبولاً لديها اليوم. لقد درستُ سيرة محمد دراسة خاصة، فوجدته لم يكره ولم يخاصم نبياً من الأنبياء الذين سبقوه، وأعتقد أن تَحسُّن الموقف الأوروبي من الإسلام قادم، مما سيجعلهم يتخذون هذه العقيدة في حلّ المشاكل في أوروبا، ومن بعد ذلك في العالم كله، أرجو أن تفهموا نبوءتي فالإسلام قادم، ليصبح العالم به في حب وسلام .. فقد دخل وما يزال يدخل الإسلام كثرةٌ هائلةٌ من بني قومي، ومن الأقوام الأخرى أيضا، حتى ليمكن أن يُقال بأن تحوّل أوروبا إلى الإسلام قد بدأ.. “.
هذا جزء مما كتب الأديب جورج برنارد شو عن نبي الإسلام وحقيقة الدين الذي جاء به، خلاصة أخيرة لمسيرة الوحي الإلهي، وهذه الخلاصة استأثر الله تعالى بحفظها من أي تحريف، وعليه فهي وحدها المؤهلة لتخليص البشرية من مشكلاتها، وحل جميع المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها … وفي استشراف ” شو” أنّ الإسلام سوف يصبح دين العالم كله ــ بعد أن تعتنقه أوروبا ــ لأنه باختصار دين الحب والعدل والسلام.
لا أود التوسع أكثر في قراءة أبعاد الكلمات التي خطها يراع الأديب العالمي ” شو” فهي واضحة، لكنها ملفتة للانتباه … ولا يسعني سوى أن أختم بهذه الأبيات:
الشوقُ حرّكني بغير تردّدِ
والشعر أبحرَ في غرامِ محمدِ
فإذا مدحتُ محمداً بقصيدتي
فلقد مدحتُ قصيدتي بمحمدِ
شرفُ اللسان بذكر أحمد سيّدي
فبذكره نكفي الهموم ونهتدي
وإلهنا أوصى فهيّا ردّدوا
يا ربِّ صلِّ على الحبيب محمدِ
مقال قيّم حقا
شكرا للكاتب الدكتور إبراهيم نويري ، فقد عوّدنا على تناول الشهد
من هذه القصعة النافعة ( البصائر )
حبذا لو تبادر البصائر الغراء إلى فكرة إخراج سلسلة من الكتب
و ذلك بجمع مجموعة من المقالات المنشورة في أعدادها ، كل مجموعة ضمن
محور معين ، مثلا ( رسول الله بأقلام كتاب البصائر ) ــ ( فلسطين بأقلام كتاب البصائر )
( الحراك الجزائري بأقلام كتاب البصائر ) ــ ( المرأة المسلمة بأقلام كتاب البصائر ) ــ
( رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأقلام كتاب البصائر ) …. إلخ إلخ
فلا شك أن المحاور كثيرة جدا ،،، و لا شكّ أيضا أن طبعها في سلسلة كتب
يجعل الإفادة منها بصورة أفضل ، لأم قراءة الأعداد القديمة من صحيفة أسبوعية
أمر صعب جدا ، و لا يستطبعه سوى باحث منقب صلب الإرادة . و هو غير متاح
لقارئ اليوم الذي تحاصره مشكلات الحياة من كلّ جهة .
و الله وليّ التوفيق .