قافلة الجزائر- غزة: نداء إنساني واستغاثة/أ.د عمار طالبي
إن مقصد هذه القافلة الرابعة وما سبقها من قوافل منذ 2010، مقصد إنساني محض، وإغاثة للمرضى الذين أخذت الأمراض السرطانية تفتك بهم، ولا يجدون من الأدوية، لتخفيف المعاناة والآلام عن هؤلاء المرضى، ومنهم الأطفال في هذا القطاع، قطاع غزة المحاصرة منذ سنوات كما لا يخفى.
وبهذا فهي موجهة إلى هؤلاء من سكان غزة، وينبغي أن يكون الأمر واضحاً أشد الوضوح، لا لُبس فيه ولا غموض أن غرض القافلة لا صلة له بالشأن السياسي، ولا صلة لها بفصيل من فصائل غزة، ولا ارتباط بأي شكل من الأشكال.
وأشقاؤنا بمصر يعلمون ذلك، وقد أذنت لنا السلطات المصرية المعنية بالدخول من معبر رفح منذ عهد الرئيس حسني مبارك، ولم تنطلق القافلة الأخيرة من الجزائر إلا بموافقة السلطات الجزائرية، وموقف الجزائر، شعباً وحكومة من قضية فلسطين معروف ومشهور منذ أن قال الرئيس بومدين رحمه الله: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، وإن لم تكن ظالمة يوماً ما.
وجمعية العلماء ذات اهتمام بالغ بفلسطين منذ 1936، و1948، حيث وجهت إعانة نقدية إلى القدس، وكوّنت لجنة لإغاثة فلسطين يترأسها الشيخ الطيب العقبي، وهو الذي سافر إلى القدس، وسلّم إعانة الشعب الجزائري، في عهد الاستعمار الفرنسي، وكُتبت مقالات كثيرة منذ ابن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي في الشأن الفلسطيني.
اتصل وفد من الجمعية بسعادة سفير جمهورية مصر العربية، ورحبت السفارة مشكورة به، وأبدى الوفد رغبة الجمعية في أن تأذن السلطة المصرية بدخول قافلة رابعة من ميناء معبر رفح البري، فأبدت السفارة استعدادها، وطلبت منا قائمة مفصلة بمحتوى التبرعات، فكتبنا هذه القائمة مفصلة، وهي تحتوي على الأجهزة الطبية والأدوية وغيرها، وبناء على هذه القائمة جاءت الرخصة من وزارة الشؤون الخارجية المصرية مرسلة إلى وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، وصدرت بتاريخ 02/02/2017م رقم 3471، فسررنا بهذا أيما سرور، وبناء على هذا اتجهت السفينة إلى ميناء بور سعيد، كما اتجه وفد ذو خبرة في هذا الشأن إلى القاهرة، وقد أتمّ كل الإجراءات والوثائق المطلوبة، والاتصال بسفارة الجزائر بالقاهرة والهلال الأحمر الفلسطيني، وشركة النقل البحري، والمخلص الجمركي، وأعدّت كل الإجراءات القانونية المطلوبة.
انطلقت القافلة من ميناء بور سعيد يوم 16 أغسطس 2017م، ورافقتها الحراسة الأمنية المصرية، ومندوب الهلال الأحمر الفلسطيني، ومندوب الجمارك، ووصلت القافلة إلى معبر رفح ليلاً، وطلب منها الانتظار إلى الصباح، وفوجئ الوفد صباح ذلك اليوم برفض الدخول، رغم المساعي التي دامت يومين مع ضابط المخابرات بعد ذلك.
وبعد كل هذا المسار القانوني، صدر الأمر بأنه لا يسمح إلا بدخول الأدوية، وأما باقي الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، فعلى الوفد أن يجدد الموافقة عليها، مع أن القائمة التي قدمت للسفارة المصرية، وبناء عليها جاءت الموافقة من وزارة الشؤون الخارجية المصرية تشمل كل التبرعات مفصلة.
وينبغي أن نشير إلى هذه الأجهزة، والمعدات الطبية موجهة إلى مستشفى الجزائر التخصصي، الذي دشن سنة 2010م بخان يونس جنوب غزة، وهي منطقة فقيرة أشد ما تكون حاجة إلى الإغاثة بالوسائل الطبية، وقد سبق أن زار فريق من كبار أطباء الجزائر إلى غزة، وأجرى عدة عمليات جراحية بعد العدوان الذي قام به الصهاينة على سكان غزة.
والخلاصة أن مسؤول معبر رفح أمر القافلة بالعودة إلى ميناء بور سعيد نظراً للظروف الأمنية بهذه المنطقة.
وهي اليوم بهذا الميناء تنتظر، ونحن نعتقد أن السلطات المصرية ستتفهم القضية، ولنا أمل في أن تأذن لها بأداء مهمتها الإنسانية، ولا يخفى أن من شأن الإعانات الإنسانية تتم، وإن كانت الظروف ظروف حروب، وقد أطلعنا السلطة الجزائرية بالوضع، والاتصال يجري في سبيل سراح سبيل هذه القافلة، وهي معرضة لفساد الأدوية نظراً لشدة الحرّ بالمنطقة، مما يعرضها لفقدان صلاحيتها، ويجعل المتبرعين الجزائريين في حسرة وحزن.
وكان الوفد في غاية السرور لمّا أذن له بالوصول إلى معبر رفح بسهولة عبر العريش، ولكنه الآن في قلق مما فوجئ به من المنع.
ونحن نوجه نداء إنسانياً إغاثياً لأشقائنا المسؤولين المصريين، الذين وقفوا معنا في الظروف الصعبة أثناء ثورة الجزائر، ووقوف الجزائر أيضاً مع مصر الشقيقة في ظروف صعبة أيضاً في حرب 1967م، ولا ننسى ما بذلته مصر في سبيل قضية فلسطين طوال التاريخ، من جهود دفاعية وشهداء، وكانت غزة تابعة لمصر وبها مصريون منذ ذلك العهد.
ونتوجه لإخواننا المتبرعين بأن لا يقلقوا، فإن الأمل قائم في تحقيق هدفهم في وصول الإغاثة إلى المرضى الذين يعانون أشد المعاناة، وندعو الله أن ييسر الأمر، وأن يخفف عنهم الضراء والبأساء، إنه على ما يشاء قدير.