فلسطين والجزائر نبض واحد في قلب القدس/ د. مازن صافي*
قبل 36 عاما وفي أكتوبر حيث نزلت في مطار بومدين الدولي ثلاثة طائرات وعلى متنها الأسرى المحررون أبطال معركة بيروت 1982، كان استقبالهم الرسمي والشعبي يشكل حكاية لا يمكن وصفها بالكلمات، وقد ألقيت كلمات الترحيب بهم وعلت الهتافات لهم، ولم يكن هذا غريبا عن الجزائر التي مثلت ساحة تاريخية عملاقة ومفتوحة لمساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وانعكس هذا على الشعب الجزائري حيث احتلت فلسطين مكانة مميزة وخاصة في كل بيت جزائري، وعمل الإعلام الجزائري بكل أنواعه على الانتصار للقضية الفلسطينية عامة ولقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال خاصة، ولم تؤثر العولمة وتغيير موازيين القوى وقطبية العالم والهيمنة الأمريكية والضعف العربي على الموقف الجزائري، بل من العدل والحق أن نذكر أن الإعلام الجزائري يعتبر قضية فلسطين قضية جزائرية بكل تفاصيلها، فهناك تشابه كبير بين معاناة الجزائريين لأكثر من قرن وربع قرن مع الاحتلال الفرنسي، ومعاناة شعبنا ونكبته مع الاحتلال الإسرائيلي، مما شكل ذلك أدبيات في الحياة الجزائرية، ليصبح الإعلام الجزائري الحاضنة الأكبر لقضية الأسرى، وتميز ذلك انطلاقا من العام 2009 فلقد بدأ صدر الملاحق والصفحات الدورية واليومية وبأقلام فلسطينية وعربية ودولية تناصر حقوق الشعب الفلسطيني مما شكل رأيا عاما إقليميا ودوليا مقروءًا ومسموعًا ومرئيًّا، ولذا أصبح صوت الأسير الفلسطيني، ينطلق من الجزائر ليسمع العالم كله ماذا تعني قضية الأقصى وأنات الأسرى ومطالبه العادلة وعنجهية وظلم وعنصرية السجان الإسرائيلي.
الجزائر، دولة عربية سجلت في التاريخ حضورا ثائرا وبطولات أجبرت الاحتلال على الرحيل لذا فهي دائما قريبة من الحضور والنضال والحلم والفعل الفلسطيني، إنها الجزائر، الدولة والشعب وقصة المعاناة من الاستعمار، احتضنت القوات والأسر الفلسطينية حين أجبر الفلسطيني أن يغادر من لبنان إلى الشتات مرة أخرى بعد مجازر رهيبة وتآمر واضح ضد الوجود الفلسطيني والصمود العربي، وبعد عدة سنوات كان الحلم الفلسطيني يقترب، وصفقت الجزائر كما صفق كل فلسطيني بل كل عربي وبل كل حر حين قالها الرئيس الشهيد أبوعمار ” نعلن قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف”، كان ذلك في قلب الجزائر في 15 نوفمبر 1988 مع نهاية الإعلان عزفت موسيقيات الجيش الجزائري النشيد الوطني الفلسطيني فدائي، إنها الجزائر الحرة تحتضن حرية فلسطين ودولتها وقيادتها، ولهذا ليس غريبا أن ينظر الاحتلال الإسرائيلي إلى الجزائر كعدو رئيسي، حتى أن جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية الاحتلالية السابقة كانت تقول “من حسن حظ إسرائيل أنه لا توجد حدود مشتركة مع الجزائر”، وهي بالفعل مصدر خطر عليه لأن التاريخ القريب يذكر أن المشاركة الجزائرية دوما كانت ولازالت المميزة والقوية، في الحروب العربية المتعلقة بنصرة القضية الفلسطينية، سواء على الصعيد السياسي والدبلوماسي (ميلاد الدولة الفلسطينية بالجزائر) تطبيقا للشعار الرسمي الذي يرفعه كل جزائري حكومة وشعبا وقيادة ” مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، ومن بداية استقلال الجزائر وتحررها من قبضة الاستعمار رفع الشعار الذي لازم سياساتها ودعمها المطلق للحق الفلسطيني “ لن تستكمل الجزائر استقلالها، إلا باستقلال فلسطين في العام 2012 ومن نيويورك وحين استطاعت فلسطين أن تنتزع اعترافا دوليا بأنها عضو مراقب في الأمم المتحدة، وقفت الجزائر موقفا بطوليا ورائعا ومشكورا مع فلسطين، وبذلك ربطت الماضي بالحاضر، فللجزائر قيادة وحكومة وشعبا مواقف بطولية وفارقة في الحياة والمسيرة النضالية الفلسطينية، فهي أول دولة فتحت مكتبا لحركة فتح في العالم عام1964 وهي أول من فتح مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الصفة الدبلوماسية الكاملة، وهي أول دولة تعترف بدولة فلسطين حينما أقر المجلس الوطني الفلسطيني إعلان الاستقلال وكانت هذه الدورة منعقدة في الجزائر، والجزائر صاحبة أول طلقة رصاص انطلقت على الاحتلال وأول الدول التي قامت بتدريب العسكريين الفلسطينيين والمتطوعين من منظمة التحرير الفلسطينية، والشعب الفلسطيني لن ينسى بل يستذكر بكل الفخر والامتنان لجزائر الحرية أن الرئيس الراحل “هواري بومدين” قام بترتيب زيارة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات أبو عمار التاريخية إلى الأمم المتحدة عام1974، بل ووفر له الطائرة التي أقلته إلى هناك، واليوم تقوم الجزائر ببناء الاقتصاد الفلسطيني وتقديم المساعدات الدورية للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليتمكن من بناء دولته وبنيته التحتية، وهي من الدول العربية الملتزمة بدفع حصتها المالية المعتمدة من جامعة الدول العربية.
تتميز سفارة دولة فلسطين في الجزائر بمجهودها في تعميق وتعزيز العلاقة الجزائرية الفلسطينية، ولقد أبدى الأخ المناضل “أبو فؤاد” أمين مقبول سفير دولة فلسطين في الجزائر، اهتماماَ خاصا برسالتي له، ودعم اهتمامي بالكتابة لمؤتمر مخصص للعلاقة الفلسطينية الجزائرية، وهنا لابد من ذكر الدور المميز لمسؤول ملف الأسرى في السفارة الأخ المناضل خالد صالح رئيس اللجنة الإعلامية للقدس والأسرى في الجزائر والذي استطاع أن يوجه بوصلة الأقلام والعقول الفلسطينية إلى اتجاه تفعيل قضية الأسرى إعلاميا وعربيا وعبر الصحف الجزائرية في ملاحق زاخرة بالإبداع والمصداقية والانتماء الحقيقي لفلسطين ولقضايا المركزية ولقضية الأسرى كأولوية إنسانية وسياسية وحقوقية وإعلامية، ونلاحظ تفاعل الإعلام الجزائري ودعمه لهذا التوجه ونشره الملاحق الدورية حول الأسرى على وجه الخصوص، وفي العام 2013 تحدثت معي الأخت الإعلامية القديرة أ. حنان هانو وهي تعمل صحافية بمجلة الشروق العربي الجزائرية، وقد تبادلنا النقاش حول هذه الملاحق وأبدت اهتمامها وإعجابها وتفاعلها وقالت أنها قرأت كل ما كتب في الملحق من مقالات ومتابعات وإحصائيات، وتقدر كافة الجهود المبذولة في هذا الاتجاه الإعلامي والدبلوماسي، وبل قالت إن الشعب الجزائري يعشق الصحافة المقروءة وأكدت على أهمية استمرار الرسالة الإعلامية الفلسطينية عبر كل المنابر الجزائرية، لفضح كل الممارسات الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني عامة والأسرى خاصة، ولقد أعلنها الشعب الجزائري حكومة وشعباً بأن أرض المليون ونصف مليون شهيد، تؤكد للأبطال الأسرى، أنهم ليسوا وحدهم، بل الجزائر معهم في معركتهم وصبرهم.
حقيقة مهما تحدثنا عن الدور الجزائري لفلسطين الثورة والسياسة والقضية، لن نتمكن، فهذا الشعب الجزائري البطل الذي يتميز بأنه قليل الكلام كثير الفعل، عاشق لفلسطين، ولقد فتحت أبواب الجامعات الجزائرية لأبناء الشعب الفلسطيني من كل أماكن تواجدهم، ومنحوا البعثات العلمية، بل فتحت الأراضي الجزائرية ليتم تدشين الثكنات العسكرية لتخريج كفاءات وقيادات عسكرية فلسطينية، حملت على أعباءها مسيرة الثورة والدخول إلى أرض الوطن وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية نواة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، حيث استمر الدور الجزائري الرسمي والدبلوماسي لدعم القرار الفلسطيني المستقل والحق في اعتراف العالم بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وهنا نسجل اعتزازنا وتقديرنا لدور الجزائر في المحافل الإقليمية والدولية، وداخل مؤسسات هيئة الأمم المتحدة، وتنبيهها الدائم لخطورة المشروع الصهيوني على الوجود العربي والفلسطيني، وأن التهاون في الذود عن فلسطين يعني التفريط في أولى القبلتين وثرى الشهداء ودرة الشام ومهبط الأنبياء والرسل.
إن الطبيعة المتميزة للعلاقة الفلسطينية الجزائرية، مثال على استراتيجية العلاقات مع الدول العربية والإسلامية وقواها الوطنية والديمقراطية والتقدمية، وتفعيل أشكال التضامن الشعبي العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن هذا المنطلق فإن الموقف الجزائري من قضية أسرانا، يلتحم مع الموقف الفلسطيني، فأسرانا أسرى الأمة، وليسوا سجناء عاديين وليس لهم أية صفة أخرى سوى أنهم أسرى نضالات هذه الأمة الشامخة، إنهم لم يقاوموا الاحتلال إلا حفاظا على الكرامة والمقدسات، وفضحا للاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهج سياسة عدم اعتبارهم أسرى حرب، وبالتالي فهي تتعامل معهم على أنهم أرقام وقتلة ومخربون وإرهابيون أو خارجون عن القانون أو خطرون أو أعضاء في تنظيمات معادية، وهذه التسميات لا تستخدمها إسرائيل جزافا أو عبثا ، فهي تتهرب من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة وفي شقها المتعلق بحقوق الأسرى وحق المدنيين تحت الاحتلال، وفي نفس الوقت أيضا هي لم توقع على هذه الاتفاقيات حتى يومنا هذا، فهي خارج القانون الدولي الإنساني.
يوجد في المعتقلات الإسرائيلية ما يقارب الستة آلاف أسير موزعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، هؤلاء الأسرى الأبطال من كبار السن والشباب والنساء والأطفال تُمارس عليهم إدارة السجون الاحتلالية هجمة مسعورة، وهناك العشرات في العزل الانفرادي، وعلى رأسهم قادة المعتقلين.
إن قضية الأسرى يجب أن تكون أولى أولوياتنا، لأنهم حماة المشروع الوطني، فهم سطروا التاريخ الوطني للقضية الفلسطينية بتضحياتهم وصمودهم أمام الجلاد، وليس من الغرابة أننا نتحرك حين يتحركون، مع أنه يجب أن نتحرك لهم ليتحرك العالم كله معنا لأجل رفع الظلم عنهم وإطلاق سراحهم، وهنا لابد من توسيع دائرة التضامن مع الحركة الأسيرة، لتستمر قضيتهم في كافة المحافل الدولية وفضح الجرائم التي تمارس بحقهم من قبل إدارة السجون، ومن هنا تبرز أهمية الإعلام في تلك المعركة، ولذلك فإن الإعلام الجزائري هو إعلام مقاوم ضد الظلم والاحتلال والاعتقال، وهو منبر الأحرار، ويعزز الثقافة الوطنية الخاصة بالأسرى ومعاناتهم وحقوقهم، ويحتضن أفكار وكتابات النخب المثقفة وأصحاب الرؤى والمواقف من الكتاب الفلسطينيين حيث يوجد أكثر من 20 كاتبا ومحلل سياسي وباحث وصحفي لهم كتابات دائمة في الإعلام الجزائري وموزعين على الصحف والمواقع الاعلامية الجزائرية.
ولأن للدور الجزائري تقديرا خاصا، ففي يوم الثلاثاء 8/10/2019، سلم رئيس الوزراء محمد اشتية نيابة عن رئيس دولة فلسطين محمود عباس، وسام نجمة القدس لسفير جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية لدى مصر، ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية محمد النذير العرباوي، ويأتي تسلم السفير الجزائري الوسام تقديرا لدوره المتميز في تعزيز العلاقات بين فلسطين والجزائر، وتثمينا لجهوده في دعم الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة لنيل حريته واستقلاله .
إن حرية أسرانا قادمة ودولتنا الفلسطينية قادمة، هذه قناعة فلسطينية جزائرية وإيمان راسخ وعميق، وكما أن زوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، استراتيجية سياسية وشعبية تؤمن بها الجزائر حكومة وشعبا، وتدعمها في كل المؤسسات والهيئات الاقليمية والدولية.