ذكرى

الاحتفال بالمولد النّبوي الشّريف والمفرقعات.{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}/ محمّد بن حامد بومشرة السّنوسي

 وجب علينا نحن المسلمين أن نحبّ النّاس، والذي علّمنا حبّ النّاس هو أحقّ أن يُحَبّ صلّى الله عليه وسلّم.

كيف لا يُحَبّ ويُطاع وهو الذي جمع النّاس بعد أن كانوا أشتاتا فتعارفوا، وبعد ما كانوا شعوبا وقبائل فتوحّدوا، لمّا كان ديدنهم الثّأر والحرب؟.

سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّة عمر بن الخطّاب: يا عمر أتحبّني أكثر من نفسك؟ فنفى عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فقال له الحبيب: ما زال يا عمر، ما زال يا عمر. وبعد ها  تيقّن عمر بأنّه يحبّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم حبّا أكثر من نفسه التي بين جنبيه، فاعترف بذلك للرّسول الله عليه وسلّم فقال له: الآن، الآن يا عمر.

يستحقّ الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم منّا أن يُحب أكثر بعد خمسة عشر قرنا خلت، فنذكره ونصلّي ونسلّم عليه تسليما لأنّه أهل لذاك.

كيف لا يُحب وقد علّمنا معنى الحبّ والتّسامح والعفو على أرض الواقع تطبيقا لا كلاما تلوكه الألسن بالخطب عند المناسبات؟.

لقد عفا الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم عن أهل الطّائف يوم زارهم ليدعوهم إلى الإسلام، فاستقبله الصّبية والحمقى بالسّبّ والشّتم والقذف بالحجارة بتحريض من الكبار، وأدميت قدماه الشّريفتين ووجد فيهم غلظة وسوء الاستقبال وهذا ليس من عادة العرب.

فنزل عليه جبريل بأمر من الله تعالى ليُخبره بأنّه ينتظر منه الإشارة ليأمر ملك الجبال بأن يُطبق الأخشبين على الطّائف بمن فيها، لكنّ الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم رفض، لعلّ الله تعالى يبعث من أصلاب هؤلاء القوم في المستقبل جيلا يؤمن بما جاء به وكان ذلك.

فالمتتبّعون من الغرب لهذه الواقعة قد يتخيّلون الإجابة لجبريل عليه السّلام من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بشتّى أنواع الانتقام من مبدإ الدّفاع عن النّفس، ولكن هيهات فهذا النّبي المصطفى المختار لهذه المهمّة العظيمة.

واليهوديُّ الذي كان يضع الأوساخ عند باب الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فما كان عليه الصّلاة والسّلام إلاّ أن يجمع هذه الأوساخ ويرميها في مكانها ليس خوفا منه، بل هي المعاملة بين رجل كبير وعاقل زيادة على ذلك فهو نبي الرّحمة، مع رجل يهودي يفقد عقله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيتصرّف كالصّبية وقد يفعل أكثر من هذا. وكانت هذه العملية متكرّرة وكان اليهودي يحسب أنّه يتقرّب إلى الله بهذا العمل، وأنّه يحسن صنعا في قريش.

فيمرض اليهودي ويعجز عن وضع الأوساخ كعادته، وكلّما خرج الحبيب محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا يجد أثرا للأوساخ، فيسأل جيرانه عن اليهودي فيخبرونه بأنّه على فراش المرض، فيأبى صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أن يقوم بالواجب الأخلاقي فيزوره في بيته.

ووجد اليهودي نفسه أمام رجل عظيم في موضع حرج، وهو يعرفه كما يعرف أبناءه. وما كان على اليهودي الذي لم يكن ينتظر من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هذه المبادرة بعد تصرّفاته السّيّئة في حقّه صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أن أعلن الشّهادتين. وهذه صفعة لليهود قديما وحديثا الذين يزعمون أنّ اليهودي إذا أسلم لن تُقبل منه توبته.

ومن منّا لا يفقه ذلك اليوم العظيم في التّاريخ الإسلامي، ألا وهو يوم الفتح، يوم عفا عفوا عامّا عمّن ظلمه، حين سألهم ما ظنّكم أنّي فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم ابن أخ كريم، فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطّلقاء.

فمنهم هند بنت عتبة التي قاتلت النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وحرّضت على قتله، ولم يهدأ لها بال حتّى انتقمت من أسد الصّحراء عمّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، سخّرت لقتله عبدا حبشيّا، يبحث عن حريّته بأيّ ثمن، مثله كمثل أيّ عبد مملوك يشتاق إلى غد أفضل.

نفّذ العملية الإجرامية الوقحة، وسقط الأسد وأخرجت هند الخنجر فبقرت بطنه وأخرجت كبده لتلوكها بين أسنانها. وقد يظنّها سيّئو المعاملات فرصة للانتقام، لكنّه صلّى الله عليه وسلّم ما كان له أن ينتقم، وما كان ينبغي له ذلك لأنّه جاء بالشّريعة السّمحة.

العفوُ والتّسامحُ من شيمه صلّى الله عليه وسلّم، اتّصف بها صحابته ولقّنوها لأبنائهم ومن سار على نهجهم المحمّدي، إلى يومنا هذا في القرن الخامس عشر للهجرة.

غير أنّ هناك من بالغ في إظهار حبّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم جهلا، ليس باتّباع سنّته المطهّرة في العبادات والمعاملات، بل يذكرونه يوم مولده فقط بتفجير أنواع من المفرقعات التي تصمّ الآذان وتؤذي، وتكون سببا في النّزاعات والانشقاقات، قد تدوم وتتطوّر لصالح الأعداء.

إنّ المتجوّل في الشّوارع التّجارية لأيّ مدينة هذه الأيّام بمناسبة المولد النّبوي الشّريف يرى الأرصفة وجزءا من الشّوارع استُغلّت لبيع المفرقعات الخطيرة جدّا والشّموع والدّربوكات وغيرها… ويقوم ببيعها شباب لا علاقة لهم بأبسط شيء في حياتهم اليومية وهي الصّلاة، ويشربون السّيجارة ويعاكسون الفتيات جهارا ونهارا، مع تلك التّسريحة الغريبة لشعورهم بذلك الدّهن.

ومن المبتاعين لهذه المفرقعات شباب يبتهجون فرحا عندما يفرقعونها عند أرجل البنات خاصّة الخارجات من المؤسّسات التّعليمية والتّربوية، كما أنّ هناك من يستعملها لإزعاج الجيران حين القيلولة لتنتج من ذلك خلافات عائلية، قد يصل الأمر إلى قطع الرّحم. ليت هذه المفرقعات خفيفة الصّوت بل هي كصوت المتفجّرات، ومنها الفتيلة والصّاروخية ومنها ذات ضعف الماسورة…

وهناك أسماء غريبة لهذه المفرقعات، ومنها ما تهزّ السّيّارة المركونة فتحرّك فيها كلّ شيء فتشغّل الجهاز الصّوتي الأمني من سرقة السّيّارات. ومنها المغشوشة غير صالحة إلاّ لإحراق جزء من الملابس أو ما هو سريع الالتهاب.

إنّ الذي يبيع هذه المفرقعات ليس حبّا في النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما التّجارة التي ينتظرها التّجار الفجّار بفارغ الصّبر لكلّ المناسبات الدّينية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى… للرّبح السّريع. وهناك من هم وراء هذه السّلع والبضائع الخطيرة على أولادنا في المدارس بأطوارها الثّلاثة.

يا من تزعم حبّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم ، وتقوم بحرق أموالك، أو تفجيرها عن طريق المفرقعات، املأ فمك بالصّلاة والسّلام على سيّد الخلق أجمعين، قبل أن تملأ جيبك بالمال، واتّبع سنّته قبل أن تتّبع هواك وأرباب التّجارة بالمناسبات لتفلح وتنجح يوم نلقى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وصحبه. ولنستغل هذه المناسبة لتجديد العهد مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونعلّم أبناءنا وتلامذتنا وطلاّبنا حبّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وسيرته العطرة، وكيف نعيش معه في جميع حركاتنا وسكناتنا بتطبيق سنّته الشّريفة، حتّى يُباهي بنا الأمم يوم القيامة، وصلّى الله عليه وسلّم في الأوّلين والآخرين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com