هل ذهب عبد المجيد تبون ضحية مواجهة الفساد ؟/ عبد الحميد عبدوس
أعلن يوم الخميس الماضي (17أوت 2017) رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن التعديل الوزاري الجديد واضعا بذلك حدا للتكهنات والمضاربات السياسية والإعلامية التي شغلت الرأي العام الوطني حول مصير حكومة عبد المجيد تبون، وكانت الرسالة المستخلصة من هذا التغيير الوزاري هي تأكيد انتصار رجال المال ولوبيات الاستيراد في جولة المواجهة التي تسربت وقائعها إلى وسائل الإعلام في الأيام الماضية.
إذ في الوقت الذي كان الجزائريون ينتظرون عودة الوزير الأول عبد المجيد تبون إلى الجزائر لاستئناف عمله في قصر الحكومة ،وجد هذا الأخير قرار الإقالة في انتظاره بعد عودته مباشرة من عطلة سنوية قصيرة قضاها بفرنسا، والتقى خلالها بصفة غير رسمية بالوزير الأول الفرنسي إدوارد فيليب ، ثم انتقل بعدها إلى تركيا، ومنها إلى مولدافيا في شرق أروبا ، وكان تبون قد تعرض خلال تلك العطلة إلى حملة سياسية وإعلامية شرسة ، اضطرته إلى تقصير عطلته الرسمية التي كان من المفترض أن تنتهي يوم الجمعة 18 أوت الجاري، حيث عاد إلى الجزائر يوم الاثنين 14 أوت ،وبعد عودته بيوم واحد اصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم الثلاثاء 15 أوت قرار إقالته وتعيين مكانه مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحي اكثر الشخصيات الجزائرية تقلدا لمنصب رئيس الحكومة و الوزير الأول.
وبالرغم من الرسالة الغاضبة التي وجهها إليه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يوم الثلاثاء 8 أوت 2017 عبر وسائل الإعلام، إلا أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا إلى القول بأنه لن تتم إقالة (أو قبول استقالة) عبد المجيد تبون إلا بعد تاريخ إجراء الانتخابات المحلية المقبلة، حيث لم يمض على تعيينه في منصب الوزير الأول سوى أقل من ثلاثة أشهر (عين في 24 ماي 2017) و مر أقل من شهرين على مصادقة البرلمان يوم الجمعة 23 جوان على برنامج الحكومة الذي تقدم به أمام نواب المجلس الشعبي الوطني.
وكان جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني(حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة) قد صرح يوم السبت 12 أوت الجاري، (أي بعد أربعة أيام من رسالة رئيس الجمهورية المنقولة عبر قناة النهار) أن حزبه يدعم عبدالمجيد تبون لأن رئيس الجمهورية مازال يدعمه. وبالإضافة إلى تصريح الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، فقد استند المحللون في ترجيح احتفاظ رئيس الجمهورية بوزيره الأول في منصبه لفترة أطول ،إلى عدد من المعطيات المقنعة ، منها قرب موعد عيد الأضحى المبارك، وانغماس الحكومة في تحضير الدخول الاجتماعي الذي اصبح على الأبواب، وارتباط عبد المجيد تبون المسبق باجتماع الثلاثية الذي تم الاتفاق على عقده في 23 سبتمبر المقبل في ولاية غرداية، كما انه من المتعارف عليه في التقاليد السياسية منح المنتخبين أو المعينين في المناصب السامية كمنصب رئيس الجمهورية أو منصب رئيس الحكومة فترة سماح تمتد لمئة ( 100 ) يوم لا يتم فيها مناقشتهم الحساب في هذه الفترة.
خلال فترة القصف الإعلامي التي تعرض لها الوزير الأول المقال، أسر بعض المقربين من عبدالمجيد تبون لوسائل إعلامية بأن أحمد أويحي ،مدير ديوان الرئيس ،لم يكن غريبا عن الحملة التي تعرض لها تبون طوال الأسبوعين اللذين قضاهما خارج البلاد في عطلته السنوية الرسمية، غير أن المؤشرات على توتر العلاقة بين الرئاسة والوزير الأول الجديد كانت قد بدأت تخرج إلى العلن بعد اللقاء الحميمي الذي جمع في مقبرة العالية يوم 29 جويليه الماضي بين السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس ومستشاره، وعلي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، بمناسبة تشييع جثمان رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك. وقبل أيام من ذلك كان الملياردير علي حداد الذي يوصف بكونه عضوا نافذا في الاوليغارشية المالية في الجزائر، يوجد في مرمى نيران الوزير الأول عبد المجيد تبون الذي أعلن الحرب على مظاهر الفساد، وعمليات استنزاف المال العام، وتوعد بوضع حد لتدخل أرباب المال والأعمال في تسيير الشؤون السياسية للبلاد، والقيام بكل صرامة بحملة ” الأيادي النظيفة” تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وتجدر الملاحظة بأن الوزير الأول الجديد أحمد أويحي قال عند استلام مهامه: ” سأواصل العمل في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية”. و كان عبد المجيد تبون يدوره يرد على منتقديه بأنه ملتزم بتطبيق برنامج الرئيس، ولكن هذا لم يعفه من التعرض لغضب الرئيس أو غضب محيط الرئيس، رغم أن عبد المجيد تبون كان من المسؤولين القلائل في الجهاز التنفيذي الذين حظوا بتعاطف شعبي كبير في مسعاه الحكومي لمحاربة الفساد وتقليص نفوذ رجال المال ،ولكن من الواضح أن النظام الحاكم لم يعد مهتما يضمان شعبية قراراته في اختيار المسؤولين بقدر اهتمامه بمدى ولائهم للرئيس وجماعة الرئيس.
ونظرا لنقص الشفافية التي أصبحت تطبع قرارات رئاسة الجمهورية بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وغيابه عن الأنظار، فقد شكك البعض في أن تكون القرارات الأخيرة صادرة عن الرئيس شخصيا وفعليا بسبب طابع الارتجال والارتباك وحتى التناقض الذي طبع تلك القرارات، وهوما لا ينسجم مع ما عهد عن تصرفات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي تتسم بالحكمة والتروي وبعد النظر، وكان المثال الصارخ عن ذلك الارتباك والتناقض هو حالة مسعود بن عقون، المنتمي لحزب الحركة الشعبية الذي أقيل بعد يومين فقط من الإعلان عن تعيينه في التشكيلة الحكومية لعبد المجيد تبون، ثم قيل أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قرر إعفاءه من منصب وزير السياحة والصناعات التقليدية، بسبب إن تعيينه كان خطأ ،وأنه شخص مسبوق قضائيا. ولكن العجيب في الأمر أن نفس الخطأ تكرر مع نفس الشخص في الإعلان عن التعديل الحكومي الأخير حيث تم الإعلان عن عودة مسعود بن عقون إلى منصبه الوزاري، وبعدها بدقائق تم تكذيب خبر التعيين ونسب الخطأ هذه المرة لوكالة الأنباء الجزائرية التي أوردت نص التعديل الوزاري.
وقد فتحت هذه القرارات مجالا واسعا للتساؤل عما إذا كان الوزير الأول المقال عبد المجيد تبون قد تجاوز تعليمات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أو على الأصح أنه أخطا في قراءة توجيهات الرئيس التي كانت تنقل له عن طريق مدير ديوان الرئيس أحمد أويحي، أم أنه ذهب ضحية إعلانه الحرب على الفساد والالتزام عمليا بفصل التداخل بين عالم المال وعالم السياسة الذي ينذر بوقوع الجزائر تحت سلطة أشخاص غير منتخبين، وغير مفوضين بواسطة الإرادة الشعبية، ويضعون مصالحهم فوق مستوى المساءلة والحساب؟!