السياسة الإسلامية الجزائرية في المهجر، فرنسا نموذجا/ سعدي بزيان
كانت سياسة الجزائر إزاء الهجرة في فرنسا بالخصوص تتمحور حول الدفاع على مصالح هذه الجالية اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وذلك عبر “ودادية الجزائر في أوروبا” التي هي امتداد لـ “اتحادية La fédération de France جبهة التحرير بفرنسا التي قادت حزب التحرير في فرنسا من خلال مناضليها ودمج هذه الطبقة في السياسة الوطنية لتحرير أرض الوطن من الاحتلال الفرنسي ودفعت الطبقة العاملة الجزائرية في فرنسا، وفي بلجيكا ثمنا غاليا في سبيل تحرير الوطن من خلال مساهماتها المادية في المجهود الحربي في الوطن واستشهد المئات من هؤلاء فوق التراب الوطني وهم يؤدون واجبهم الوطني وقد خصص الأستاذ علي هارون من قادة “إتحادية جبهة التحرير في فرنسا” كتابا كاملا بعنوان: “الولاية 7، حزب جبهة التحرير في فرنسا 1954-1962 لخص فيه مساهمة ودور الطبقة العاملة الجزائرية في المهجر في ثورة التحرير وكان أول كتاب يصدر حول هذا الموضوع الحيوي والهام كما كان كتاب سعدي بزيان باللغة العربية أول كتاب وأول كاتب بالعربية يتحدث عن مساهمة الطبقة الجزائرية في المهجر وهو بعنوان” الطبقة العاملة الجزائرية في المهجر في ثورة نوفمبر 1954″ منشورات تالة الجزائر 2009 ط2
المهاجرون الجزائريون جزء من الشعب الجزائري
كانت أول ندوة وطنية جزائرية نظمتها الجزائر حول الهجرة الجزائرية تلك الندوة التي ترأسها الرئيس الراحل هواري بومدين وجماعته ضد الرئيس أحمد بن بلة رحمه الله في 19جوان 1965، وقد عين بومدين المجاهد محمود قَنَّزْ على رأس ودادية الجزائريين بأوروبا، وشرع الأخ محمود قنز في تأطير هذه الهيئة وهيكلتها سعيا منه للحفاظ على هوية الجزائريين الثقافية والدينية واللغوية، وركز بالخصوص على الإطارات فخصص لها أساتذة باللغة العربية يتولون تدريسها اللغة والثقافة العربية وشاءت إرادة الله أن يكون كاتب هذه السطور بمعية الأخ محمد مهري والمرحوم محمد طاع الله من الجنود الأوائل في بعث اللغة العربية وسط إطارات جزائرية أسندت لها مهام قيادية للجالية الجزائرية في المهجر، وتم افتتاح أقسام لتدريس العربية للعمال الجزائريين في فرنسا، وكانت هذه الدروس في المرحلة الأولى تشمل فقط العمال ثم اتضح فيما بعد أن النتائج لم تكن مرضية ذلك أن العمال يخرجون من المعامل الساعة السادسة وهم منهكون غير قادرين على استيعاب الدروس، واتجه التفكير جديا نحو الأطفال والشباب وعقدت الجزائر مع فرنسا اتفاقا1 حول تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، وبلغ عدد التلاميذ آلافا ومنهم القلائل الذين استفادوا فعلا من هذه الدروس.
البعد الإسلامي في السياسة الجزائرية إزاء مهاجريها في فرنسا
لم تكن “ودادية الجزائريين بأوروبا” في جميع مراحلها وعبر كامل مسؤوليها من محمود قنز مرورا بعبد الكريم غريب، وعبد الكريم السويسي وآيت وازو تبدي أي اهتمام بنشر الثقافة الإسلامية في فرنسا، ولم يهتم “المركز الثقافي الجزائري بباريس” بنشر الثقافة الإسلامية، واذكر أن المرحوم الشيخ عباس أول عميد لمسجد باريس يحمل الجنسية الجزائرية كان قد اقترح على المرحوم السويسي أن يقوم بعض الأئمة بإلقاء محاضرات وإعطاء دروس في الإسلام في المركز بصفته رئيسا للودادية والمركز يُدار من طرف الودادية، فرفض السوسي وقال “لا مبرر لإدخال الإسلام في المركز الثقافي الجزائري في باريس، ولا يزال المركز الثقافي الجزائري يتولى تدريس العربية والأمازيغية وتنظيم محاضرات باللغة العربية والفرنسية ومرتين فقط استضاف المركز شخصيتين جزائريتين تحدثتا بالعربية في المركز وهما على التوالي: المرحومان: أبو القاسم سعد الله، وبشير خلدون، وكان إطار ساميا في جبهة التحرير في عهد مساعدية.
الشيخ عباس بن الشيخ الحسين يدشن سياسة إسلامية جزائرية في فرنسا في بعدها الوطني
في سنة 1982 أوفدت الحكومة الجزائرية الشيخ عباس إلى باريس على رأس عمادة مسجد باريس وبصفته أحد أقطاب جمعية العلماء والذي شغل منصب مدرس بمعهد بن باديس في قسنطينة الذي افتتح أبوابه سنة 1947، وأخذ يسعى لبعث الاهتمام بالإسلام في فرنسا وسط جاليتنا وخاصة وسط أبنائها الذين حرموا من تعلم اللغة العربية والثقافية الإسلامية في المدارس الفرنسية وأخذ يستقدم الأئمة والوعاظ والمرشدين لبعث الحياة الإسلامية وسط الجالية الجزائرية ولم تمض فترة طويلة حتى استطاع أن يزود كافة المساجد الفرنسية التي تتمركز فيها جاليتنا المسلمة بأئمة ومرشدين لتتولى وزارة الشؤون الدنية انتدابهم وتضعهم تحت تصرف عميد مسجد باريس الذي يتولى توزيعهم وفق احتياجات المناطق الفرنسية وعقد الشيخ عباس عدة ندوات وألقى عدة محاضرات على الأئمة حول رسالتهم الدينية والثقافية والوطنية وسط إخوانهم المهاجرين من أبناء الجزائر وباقي أبناء الجاليات الإسلامية في فرنسا وحتى بلجيكا حيث دشن الشيخ عباس مسجدا جزائريا في مدينة مارشيان ووضع على رأسه إماما جزائرياً واستمرت رسالة الجزائر الإسلامية في المهجر متواصلة طيلة عهود الشيخ عباس ود هدام وأخيرا دليل بوبكر الذي يشغل منصب عميد مسجد باريس منذ 1992 إلى الآن وفي عهده تم تأسيس مفتشية الأئمة برئاسة محمد الونوغي الذي لازال يشغل هذا المنصب حتى الآن مع منصبه الجديد مدير الإدارة العامة لمسجد باريس في عهد العميد دليل بوبكر.
الأئمة في قراءة رسمية جزائرية
يصعب على أي شخص يريد أن يبحث في السياسة الجزائرية في التعامل مع الأئمة الجزائريين في فرنسا أن يعثر على دراسات تتناول هذا الموضوع ولا يزال الموضوع وكأنه لغز وسر لا يجوز البوح به فوزارة الشؤون الدينية حسب علمي لا تملك لحد الآن نشرية ولا مجلة تهتم بالموضوع وأنى لي بمعلومات خاصة في هذا الموضوع، في حين ينشر الفرنسيون باستمرار مقالات ودراسات وهناك كتاب عن الأئمة في فرنسا وعندنا كل شيء يتم في سرية تامة وإذا جرؤ أحدا ونشر مقالا في الموضوع قد يتهم في نشر أسرار تمس بأمن الدولة ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذن فأنا اكتفي بتصريح وزير الشؤون الدينية د- محمد عيسى الذي أدلى به لجريدة الصليب LA CROIX في 12اكتوبر2015، ولست ادري هل اطلع القراء في الجزائر على المقال، وهل الوزير أعاد نشره في الجزائر أو بقي هذا التصريح طي الكتمان، وأردت إعادة إحياء هذا المقال ليطلع عليه القراء في الجزائر وأنا أدرك تمام الإدراك أنه لا القارئ العام في الجزائر ولا الأئمة في الجزائر قد اطلعوا على وجهة نظر الوزير إزاء الأئمة الذي ترسلهم الوزارة إلى فرنسا كما شرح ذلك في حديث لجريدة لاكروا الصليب، وقد سألته الجريدة حول عدة قضايا لها صلة بالإسلام والجالية الجزائرية التي تستقبل الأئمة وأبرز سؤال للوزير هو :”ما هو رأيكم في الاحتياجات الأولية بالنسبة للجالية الجزائرية بفرنسا، فكان جوابه “إننا نرى شبانا من الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين الجزائريين يعودون إلى الإسلام بعد أن كانوا قد تخلوا عن أصولهم الثقافية والتقليدية بحيث أصبحوا أشبه ما يكونوا بالمعتنقين الجدد للإسلام”، ولم يجدوا أمامهم من يتكفل بهم من الأئمة المتكونين بما فيه الكفاية، وقادرين على تبليغ الرسالة لهذين الجيلين وعلى ضوء ذلك اتفقت مع وزير الداخلية الفرنسي على أن نعمل سويا في سبيل تحصين هؤلاء الشباب حتى لا يقعوا في فخ التيارات الإسلامية المتطرفة التي توظف الإسلام لأغراض سياسية، إننا نسعى بكل جهد أن نأخذ بأيدي هؤلاء الشباب نحو إسلام متسامح معتدل والذي هو يشكل جزءاً من تراثهم، واعترف الوزير قائلا: إننا فعلا ارتكبنا أخطاء عندما كنا نبعث بأئمة صالحين فقط للجيل الأول من المهاجرين الجزائريين، لكن علينا من الآن فصاعدا أن نبعث بأئمة قادرين على مخاطبة الشباب من الجيل الثاني والثالث الذين في جلهم لا يعرفون اللغة العربية ويعني بذلك إرسال أئمة يتقنون العربية والفرنسية معا قادرين على تبليغ رسالة الإسلام إلى إخوانهم في المهجر وكان كل من وزير الشؤون الدنية الجزائري د.محمد عيسى ووزير الداخلية والديانات الفرنسي بيرنار كازناف قد وقعا اتفاق نية أو إعلان نيةdéclaration d’intention بخصوص الأئمة يتكون هذا الاتفاق من ثلاث مراحل.
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-نص الاتفاق الذي أبرم في 1981 موجود في كتابي الوارد الذكر