ليست الثورة مجرد رفض/ أ. د. عمار طالبي
نرى هذه الأيام ونسمع أصواتا في الحراك تنادي برفض الانتخابات، كأننا بمجرد الرفض، وهو قول عدمي لا يحقق آمالنا، فأين القول الإيجابي والصوت الوجودي؟ أي أين البديل. فإن أية ثورة لا تقتصر على مجرد السلب والعدم، وإنما يكون لها برنامج أو فكر وجودي إيجابي، كما يقول المتصوفة بأن البداية هي التخلية، وهي معنى سلبي ثم تعقبها التحلية وهي معنى وجودي إيجابي.
ونحن نعلم الثورات في التاريخ إذا انتصرت على مجرد النقي يسمونها تمردا أي لا حصيلة لها، كما وقع لذلك الثائر الشهير وهو عبد ثار ويسمى سبارتكوس، وكان مآله الفشل. إذا رفضنا الانتخاب لنجدد النظام السياسي، فمتى يذهب النظام القديم، ويختفي؟ أليس الانتخاب يؤدي إلى ذهاب الرئيس المؤقت الحالي ومعه عناصر النظام القديم من الفاسدين، وينبغي أن نكون صرحاء مع أنفسنا، فهل كل الذين كانوا في النظام القديم فاسدون؟ فهل لا يوجد من لم يتلوث بالفساد؟ إنها كارثة كبرى إذا عممنا الحكم ويشمل الوطنيين الذين يعتزون بوطنيتهم ولا يخونون بلدهم.
فكلمة (قاع) ليس لها معنى إيجابي، وشعار يحتاج إلى تحديد مفهومه.
إن أية ثورة إذا خلت من برنامج واضح، ومنظومة فكرية، وقيادة تكون جسما بلا رأس، ولا فكر إيجابي وقد يؤدي بها الأمر إلى المجهول والفوضى، وتدور في الفراغ. نعم إن الحراك طاقة اجتماعية شعبية عظيمة ولكن إن لم يكن لها فكر واضح ومنظومة تحل محل ما تثور عليه، لأنها تصبح كما يقول المثل العربي: تسمع جعجعة ولا ترى طحنا.
دعاني إلى هذا التنبيه خوفي من أن نبقى في الشارع دون جدوى، كما دعتني الصراحة أن أصرح بما أشعر به، باعتباري مواطنا قلقا مما أراه وأسمعه، وما يصاب به الوطن من انهيار اقتصادي لا قدر الله.
وإني أتوجه إلى إخواننا في الحراك أن يفكروا جيدا في مصير هذا البلد، وفي السبيل الذي يؤدي إلى خروجه من أزمته السياسية إلى نظام رشيد، وصفحة تاريخية تشرف الشعب الجزائري وتحفظ كرامته، وسد الباب سدا منيعا أمام كل محاولة استبدادية، سياسية أو عسكرية.
ونحن نحمد الله على أنه لم تسفك دماء في هذا الحراك السلمي، وهذا يخالف ما نراه في بلاد أخرى من القتل والنهب، ويدل هذا على الوعي والوطنية الطاهرة، ولاشك أن ثورتنا علمتنا كيف نحذر من الفشل، ومن تسرب الدخلاء الماكرين، وهم بلا شك يتربصون بنا، ويرصدون ما يجري في وطننا، ويخططون لثورة مضادة، يجرنا إلى الفوضى، وسفك الدماء لا قدر الله.
إن النجاة في العقلانية والحكمة في عصرنا هذا، عصر العلم والتقنية، والإعلام المضلل، وهنا من يحمل شعار الثورة وهو مندس لتخريبها من داخلها، ونحن نعلم مدى قوى مكر هؤلاء الذين يتربصون بنا.
ولعل تماسكنا، ووعينا لا يترك ثغرة يدخل منها هؤلاء الماكرون، الذين لا تنام أعينهم ليدبروا المكايد، لتفجير ثورتنا من داخلها. إن شبابنا فيما ألاحظ أخذ حظا وافرا من الحذر والاحتياط، وهو الذي يمثل أغلب شريحة من شرائح شعبنا، ومسلح بالوعي والرأي السديد، فهو حصننا المتين، وربان سفينتنا التي تمخر في هذه الأمواج العاتية في بحر متلاطم من الكيد ومضادة الثورات.
نسأل الله السلامة لشعبنا ووطننا، وأن يحمينا من كل سوء ومكر.