الهوَس الفرنسي” حول الحجاب.. يجدد تجييش أجواء العنصرية والإسلاموفوبيا في أوروبا/ محمد مصطفى حابس
عاد الجدل حول العلمانية وموضوع ارتداء الحجاب ليطفو مجددا هذا الأسبوع على السطح في المشهد السياسي الفرنسي، على خلفية اعتداء أحد المنتخبين المحليين عن حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف لفظياً على سيدة مسلمة محجبة.
وتعود تفاصيل القضية إلى يوم الجمعة الماضي، حينما رافقت سيدة محجبة مسلمة تدعى “فاطمة”، مجموعة من الأطفال في رحلة مدرسة إلى مجلس بلدية “بورغوني فرانش كومتي” بشرق فرنسا، للتعرف عن قرب إلى طريقة عمل إحدى آليات الديمقراطية الفرنسية، قبل أن يجد هؤلاء التلاميذ أنفسهم أمام مشهد عنصري صادم، إثر مطالبة أحد الأعضاء المنتمين لأقصى اليمين بنزع حجاب مرافقتهم أو طردها من قاعة المجلس
وقام العضو المنتمي لحزب “التجمع الوطني” اليميني جوليان أودول بمطالبة رئيسة المجلس الاشتراكية بإجبار السيدة المحجبة على نزع حجابها أو الخروج من المجلس “باسم قيم الجمهورية والعلمانية”، وفي الوقت الذي انتقد فيه أعضاء آخرون كلامه قام زملاؤه في الحزب بمساندته ومهاجمة المرأة ما خلق فوضى كبيرة داخل المجلس..
علما أنه لا يحظر القانون الفرنسي دخول نساء محجبات إلى اجتماعات المجالس الإقليمية، لكن “الهوَس الفرنسي” حول الحجاب، كما عنون موقع “ميديا بارت”، عاد من جديد، ليس فقط إلى وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين اليمينيين، بل من الحكومة الفرنسية التي يكتشف الفرنسيون المسلمون أنها غير منسجمة في مواقفها من القضية..
ومنذ هذه الواقعة اشتعل الجدل لدى الرأي العام الفرنسي، بما في ذلك على منصات التواصل الاجتماعي، وأيضا في أوساط الطبقة السياسية في البلاد، تصدر موضوع الحجاب ومدى اتساقه مع النموذج العلماني في البلاد عشرات النقاشات على بلاتوهات القنوات الفرنسية؛ لكن الأمر اللافت والمثير ! هو الغياب التام للمحجبات عن هذه النقاشات، رغم أنهن ( المحجبات) المعنيات قبل أي شخص آخر بهذا الموضوع، خاصة أن بعض الضيوف يعتبر بأن الحجاب هو نوع من “الإخضاع أو الاكراه من طرف العائلة أو الزوج“..
من جهته، زودني أحد الاخوة الزملاء من باريس بإحصائيات مخيفة حول فرنسا، إذ كتب يقول:” فرنسا تزخر بمصائب جمة” ، و تغض الطرف عنها، لكنها تبالغ حد الثمالة لما يكون الأمر خاص بالمسلمين، حيث نقل لي هذه الاحصائيات التي تعود لعام 2016 في فرنسا :
- أزيد من 6 ملايين عاطل عن العمل.
- أزيد من 10 آلاف انتحار كل سنة.
- تغتال كل يوم امرأة من طرف زوجها أو عشيقها.
- أزيد من 75 ألف اغتصاب كل سنة، و ما أخفي أعظم.
- ما يقارب 200 ألف طفل تعرض للاغتصاب الجنسي، وهو رقم مخفض جدا عن الحقيقة.
- كل عام يسجل أزيد من 53 انتحار في صفوف الشرطة، أما في صفوف الدرك والجيش فحدث عن البحر ولا حرج، فهو من أسرار الدولة..”
وأنهى صديقنا الفرنسي كلامه بهذه الطرفة “رغم كل هذه الاحصائيات المفزعة في بلد الديمقراطية والمدنية والاكتفاء الذاتي المادي، المشكلة التي تهيج وسائل الإعلام في فرنسا منذ أزيد من 30 سنة، هي قضايا المسلمين كظاهرة الحجاب أو اللحية”، إذ غطت قضية هذه السيدة المحجبة عن كل مطالب المواطن الفرنسي الشرعية وهمومه اليومية، وجعلت أفق سماء فرنسا ملبدة بغيوم وسحاب الحجاب، معبرا عن ذلك ضاحكا بقوله:
Les médias français, si tu leur retires l’islam et le voile ; il ne leur reste plus que la météo, et encore, ils seraient capables de dire que le ciel est voilé …
أي :أن الإعلام الفرنسي إذا نزعنا من برامجه الحوارية ونشراته الإخبارية الإسلام والحجاب؛ لم يتبق لهم سوى النشرة الجوية، رغم ذلك سيكونون قادرين على القول للناس إن السماء محجبة، أو شيء من هذا القبيل؟؟
هكذا تجددت هذا الأسبوع وتتجدد دائما أجواء العنصرية والإسلاموفوبيا في فرنسا، حيث نشط اليمين المتطرف في إذكاء تلك الأجواء، بالتزامن مع زيادة الاحتقان عقب الكشف عن حقيقة أن الشرطي المدني قاتل رجال الشرطة الأربعة في مقر شرطة باريس اعتنق الإسلام قبل سنوات، ليحتدم النقاش حول الإسلام والحجاب، وأتاحت هذه النقاشات انتشار التصريحات العنصرية، خاصة بعد خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تأبين رجال الشرطة، الذي هاجم فيه الإسلام بشكل غير مسبوق، وهو ما رحبت به المعارضة اليمينية واليمين المتطرف، الذي استغل المناسبة لتصعيد الهجوم على الإسلام والمسلمين بزعم عدم اندماجهم في المجتمع الفرنسي..
وللتاريخ نذكر أن الحرب على الحجاب متجذرة في تاريخ فرنسا الاستدماري، إذ منذُ أكثرَ من نصف قرن كان الحجاب أو ما يعرف حينها حسب الجهات في الجزائر بالحايك أو الغمبوز أو الملاية أو السفساري، في صَلبِ الانتِفاضة الجزائريّة التي أدَّت إلى سقوطِ الجمهوريّة الفرنسيّة الرابعة ووصول شارل ديغول إلى سدّة الحكم. إذ كان خلعُ الحجاب قضيّة استراتيجيّة بالنسبةِ للجيشِ المحتل الفرنسيِّ لبلدنا..
ويعز علينا في هذه الظروف التي تمتحن فيه العفيفات في فرنسا أن تعلق مسلمات أخريات قولهن “كان من المفروض على فاطمة وغيرها نزع الحجاب في الأماكن الرسمية، وفق ما ينص القانون الفرنسي ..لإخماد الفتنة ” من جهة أخرى تسأل محجبة: لكن أين القدوة ؟ كما تقول صاحبة كتاب “قدوات نسائية”، “يعز علينا أن نرى المسلمة تهيم في مسابح أوروبا متصعلكة، حائرة لا تدري أين الطريق؟ أين بدايته وأين نهايته؟ “..” أريد من المرأة المسلمة أن تكون القدوة..” نعم أن تكون “القدوة الحسنة”، “القدوة” كما عنوان ذلك أستاذنا الطيب رغوث، أحد كتبه منذ عقود.. “القدوة القدوة الإسلامية: فرضيتها- ضرورتها -السبيل إليها “، والقدوة في صفوف النساء والرجال، لأنه في ظل الوضع المحرج للأمة الإسلامية، نجد المسلم الصادق الإيمان، الغيور على الإسلام والمسلمين، ويجب على الفرد منا أن يتساءل دائما، ما السبيل إلى عمل إسلامي مشروع ومؤثر، يعيد الأمة إلى مكانتها كقدوة وقيادة للإنسانية؟ وكيف أكون عاملا مؤثرا وفعالا، في المجتمع؟
لكي تكون المسلمة بجد لا يخالطه ريب، ” قدوة حسنة” لبنات جنسها مظهرا ومخبرا، في نسكها وسلوكها، في ملبسها ومنظرها، وعندها من القرآن والسنة ما يرشدها، ويرد على كل ما قد يجول بخاطرها، وعندها من المسلمات الأول أمهاتها وأجدادها خير قدوة.. أمهات أجيال المستقبل المحجبات العفيفات الطاهرات.. وإن أردنا إصلاحا لأي مجتمع فعلينا بالوصية التربوية للعلامة عبد الحميد بن باديس القائل، في مثل هذا المقام “ارفعوا (عن المرأة) حجاب الجهل قبل أن ترفعوا عنها حجاب الستر”.
والله خير حافظ ومعين، إنه نعم المولى ونعم النصير والهادي لسواء السبيل.