المثقفون الجزائريون والثورة التحريرية/ مولود عويمر
بدعوة من جمعية ”النبراس الثقافي“، قدم الدكتور مولود عويمر، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الجزائر 2، محاضرة بعنوان: ” المثقفون الجزائريون والثورة التحريرية”، وذلك يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2019 بالمتحف العمومي للآثار بمدينة سطيف على الساعة الثانية بعد الظهر.
ألقى الأستاذ نبيل غندوسي رئيس جمعية النبراس الثقافي كلمة مركزة. أولا: ترحم على روحي الأستاذين بشير ربوح ومحمد صادق بلام اللذين توفيّا قبل بضعة ساعات في حادث مرور وهما مسافران إلى باتنة للتدريس في قسم الفلسفة. ثانيا: تحدث عن أهمية هذا النشاط العلمي الذي يندرج ضمن برنامج الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية. وثالثا: عرّف بالأستاذ المحاضر الذي سبق له وأن زار مدينة سطيف مرات عديدة للمشاركة في نشاطاتها التاريخية والفكرية.
تطرق الدكتور عويمر في محاضرته إلى 4 نقاط أساسية، وهي: 1/مفهوم المثقف في الثقافتين العربية والغربية، 2/صناعة المثقف، 3/صعود المثقف في الحركة السياسية الوطنية، 4/ دور المثقف في الثورة التحريرية. وتوقف عند كل محور من هذه المحاور الأربع، فذكر في البداية أهم التعريفات المتعلقة بمصطلح المثقف ثم قال أن المثقف هو ذلك المتعلم بغض النظر عن مستواه التعليمي أو طرق تحصيله العلمي (عصامي على سبيل المثال)، فإن الأهم هو توظيف معارفه وتجاربه في صناعة الرأي وتفعيل ديناميكية التغيير وتحقيق التحوّل المنشود في مجال واحد أو في مجالات متعددة، وأعطى الدكتور عويمر نماذج من تاريخنا المعاصر جسدت هذا المعنى.
وتحدث المحاضر عن صناعة المثقف بطرق متعددة وعلى رأسها التعليم، لذلك أنشأت السلطة الاستعمارية عددا من المدارس هدفها تخريج نخبة جزائرية الأصل مرتبطة بالثقافة الغربية، وتكون همزة وصل مع العامة الجزائرية. وقد ترتبت على هذه السياسة بروز مجموعة من المثقفين الجزائريين الذين دافعوا بقوة عن الثقافة الغربية والاندماج فيها، وذلك عبر كُتبهم وجرائدهم ونواديهم الثقافية مثل رابح زناتي والشريف بن حبيلس وغيرهما من كُتاب جريدة “صوت الأهالي”. غير أن السحر ينقلب أحيانا على الساحر، فقد خرج من نفس المدرسة الفرنسية مثقفون جزائريون تفتحوا على الحضارة المعاصرة لكنهم تمسكوا بأصولهم وثقافتهم العربية وانتمائهم الديني والحضاري مثل مالك بن نبي والأمين العمودي والدكتور الشريف سعدان والدكتور الأمين دباغين. ومن الصنف الأول من عاد إلى رشده بعد سنوات التيه مثل فرحات عباس وعمار أوزغان …الخ.
وبخصوص المثقف المعرَّب، تكلم المحاضر عن جهود العلماء الجزائريين منذ منتصف القرن التاسع عشر في مجال التعليم والدعوة إلى التنوير، وذكر على سبيل المثال: الشيخ عبد القادر المجاوي والشيخ محمد بن الخوجة والشيخ عبد الحليم بن سماية وبخاصة أعمال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في هذا المجال. وهكذا ظهر في الثلاثينات وبعدها جيل من المثقفين أنشؤوا الجرائد وأسسوا النوادي وانخرطوا في النشاط الثقافي والاجتماعي والسياسي.
وفي هذا السياق تكلم الدكتور مولود عويمر عما سماه صعود المثقف ليس في الحياة الثقافية والاجتماعية وإنما في مجال النضال السياسي الحزبي، فإذا كان مؤسسو وأعضاء ومناصرو حزب نجم شمال إفريقيا (1926) من طبقة العمال، فإن حزب الشعب الجزائري المؤسس في عام 1937 تفتح على المثقفين وصار الشاعر الكبير مفدي زكريا أمينا عاما له، وأصبح الدكتور بن يوسف بن خدة في عام 1951 أمينا عاما لحزب الشعب الجديد أي “الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية” (1946). كذلك التحق العديد من المثقفين الجزائريين بالأحزاب السياسية الأخرى خاصة حزب “الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري” الذي أسسه فرحات عباس في عام 1946.
وتطرق المحاضر إلى دور المثقفين في الثورة التحريرية منذ بدايتها وعبر مراحلها المختلفة، سواء في انخراطهم المسلح في ميدان المعركة العسكرية جنودا وضباطا، وأطباء وممرضين، وتقنيين في قطاع الاتصالات؛ أو في مجال الدبلوماسية للتعريف بالقضية الجزائرية عبر العالم وتمثيلها في العديد من البلدان، أو في مجال الإعلام بالإشراف على وسائل الدعاية: الجرائد والمجلات والحصص الإذاعية وتنظيم الندوات والمحاضرات…
كما انضم العديد من المثقفين إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة وزراء أو مستشارين أو خبراء… وأذكر على سبيل المثال: أحمد توفيق المدني، محمد البشير الإبراهيمي، مالك بن نبي، مصطفى الأشرف، مفدي زكريا، محمد الميلي، زاهر إحدادن، عبد الله شريط، الطاهر وطار، مولود قاسم، ومصطفى كاتب،….الخ.
وتجدر الإشارة إلى أن المثقفين الجزائريين نجحوا أيضا في إقناع العديد من المثقفين الأجانب سواء من العرب أو الأوروبيين والآسيويين والأمريكيين، لمناصرة الثورة الجزائرية بكل الوسائل المتاحة، وخاطر عدد منهم بأنفسهم في سبيل انتصار الثورة التحريرية واستقلال الجزائر مثل فرنز فانون، موريس أودان، هنري علاق، فرنسيس جونسون، أندري موندوز، علي شريعتي، محمود عباس العقاد، ….الخ.
وبعد انتهاء المداخلة التاريخية والفكرية، شارك الأساتذة والطلبة الحاضرون في التعقيبات وطرح الأسئلة التي أجاب عنها المحاضر ملتزما بقدر الإمكان بالوقت المخصص للمناقشات. وانتهى هذا اللقاء العلمي بأخذ صور جماعية تخلّد هذه المناسبة العلمية.
واغتنم المشرفون على هذه الجمعية الثقافية الفرصة لمرافقة الأستاذ المحاضر لزيارة مختلف أجنحة متحف الآثار الذي يحتوي على كنوز تاريخية قديمة وحديثة تشهد على تجذّر هذه المنطقة في أعماق التاريخ، وإسهامها في الحضارة الإنسانية عبر العصور.
م. ع