قضايا و آراء

ويل لأمة لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم؟!/ جمال نصر الله

 تاريخنا العربي والذي بقينا نستقي وننهل منه وذلك من كتب التراث، لازال مليئا بالشوائب والدسائس والمغالطات الكبرى والتناقضات الصارخة، بل بما لا يتوافق مع العقل بدءا من السيّر الذاتية الشخصية والبطولات وصولا إلى الأحاديث وكل ما تعلق بالسيرة النبوية والمأثورات. والغريب أن من سبقونا بقرون خلت من علماء ومحدّثين  ومحققين هم أنفسهم من نكتشفهم أبطالا لهذه الاختلالات، لذلك وجب نقدهم وتمحيص وفرز تناقضاتهم ومن ثمة تبيانها للعوام والقراء حتى يحتكم الجميع لشيء اسمه العقل والموضوعية…واضعين في حساباتنا أن المعصوم يظل معصوما (ولا معصوم إلا النبي المصطفى صلوات الله عليه). والذي هو من بني البشر يظل ويبقى بشرا يخطئ ويصيب؟! وهذا عكس ما تذهب إليه بعض الجماعات والفرق حين تقدس فلانا وفلانا؟! إلى درجة التأليه والعبادة والعياذ بالله، مثلما تجد الكثيرين اليوم من مشايخ وأئمة يقدسون البخاري ومسلم مثلا أو أحمد بن حنبل أو ابن تيمية أو البيهقي وغيرهم، فهم أولا وأخيرا بشرا مثلنا اجتهدوا في عصرهم وبذلوا جهودا مضنية، ونحن هنا نقدّر هذا ونرفع من شأنهم لأننا من دعاة ومناهضي رجال المعرفة والحكمة أينما حلوا وارتحلوا، ولكن هذا لا يعني أننا نسكت إذ وجدنا وعثرنا على زلة أو هفوة لم تخطر ببالهم يومها، ولم نشر إليها. وقد يتغاضى المرء عن هفوة أو اثنتين أو حتى عشرة ….لكن الأمر لن يكون كذلك إذ كلما قلّبنا صفحنا إلا وجدناها متخمة ومليئة بالانزلاقات واللامعقولية… وكذلك نضع فكرة أخرى نصب أعيننا عن أننا هنا لسنا كي نحاكمهم، لأن الوسائل التي كانت لديهم ليست هي نفس الوسائل التي هي لدينا اليوم؟!  لهذا وجب  تقدير هذا العامل المهم …ونعطي مثالا هنا عن العالم المتصوف محي الدين ابن عربي الطائي والذي توجد كثير من الطوائف أبرزها الشيعية تقدسه لدرجة العبادة وزيارة ضريحه بمدينة (قاسيون) السورية. مؤخرا سمعت الشيخ شمس الدين بوروبة يجيب عن سؤال من هو ابن عربي فقال (هو العالم الجليل وشيخ الإسلام الأكبر وقد وجب تبجيله والرفع من شأنه) لكن وبإجماع الكثيرين ممن قرأوا كتابات ابن عربي خاصة الفتوحات المكية وفصوص الحكم وجدوا في هذه المؤلفات الكثير من الشطحات التي ليست فقط أقرب للكفر بل هي الكفر بعينه؟! وخير مثال ما قاله الإمام الذهبي(إن لم يكن في كتب ابن عربي كفرا فلا كفر في الدنيا كلها) ويبدو أنه وللأسف الشديد شيخنا شمس الدين لم يقرأ ابن عربي وربما لديه هذين الكتابين(فصوص الحكم والفتوحات المكية) يزيّن بهما مكتبته ولم يطلع عليهما…وهذه هي نوع المهزلة التي نتحدث عنها ؟!  أي أنه يعطي أحكاما هلامية تضعه في موضع لا يحسد عليه إذ كثير ممن عندنا في الجزائر وبعض الدول العربية يشترون عشرات المجلدات لا لشيء سوى للرياء والمراء؟! ومرة سألت شخصيا أحد الدعاة في بلديتنا عن رأيه في البخاري فأجابني بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله ـ فقلت له : يشرفنا هذا ونفتخر به أيما افتخار، ولكن لماذا قال كذا وكذا أي أنه أساء في كثير من أحاديثه لشخص النبي، أجابني(أعوذ بالله من قال لك هذا) قلت له أنا قرأته شخصيا لدرجة أن أحضرت له نسخة من البخاري وأشرت له برقم الحديث/فقال: سأتأكد من النسخة التي هي عندي وحين عاد في اليوم الموالي أجابني بأنه وجد الحديث فعلا ولكنه حسب رأيه مدسوس وضعيف(فقلت له ما العمل إذا) فخطر ببالي مباشرة سؤال أين هي النسخة الأصلية للبخاري؟! وهذا السؤال ينطبق على كثير من المؤلفات التراثية ما عدا القرآن لأنه محفوظ من عند الله…وهناك آيات تؤكد ذلك.

العبرة في كل هذا أن الجميع تاه يوم استفاق وعلم بأن تراثه العربي المكدس في المكتبات سواء العربية أو الأوروبية طالته يد المستشرقين والإسرائليات والشيعيات ودُست فيه الكثير من المغالطات والتناقضات …فهناك الخبر ونقيضه في الضفة الأخرى …,هناك حتى أحاديث تناقض ما جاء في القرآن الكريم من أحكام….لهذا فقد وجب أن نتعاطى ونتعامل مع هذا التراث بحذر شديد.. مخافة أن نخرج بقناعة ما حين نقرأ هذا المؤلف حتى يفاجئنا طرف آخر بعكس ذلك….إذا نحن نقرأ الأمجاد عن هذه الشخصيات لكن في مؤلف آخر نقرأ عثراته وأخطائه حتى لا نقول مهازله؟ا

إذا نريد فقط إعمال العقل في كل ما نقرأه وأن نحكم على المواقف والأحداث بموضوعية ومنطق.

 

شاعر وصحفي جزائري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com