حرب الذاكرة بين الجزائريين والفرنسيين في فصول لا تنتهي/ سعدي بزيان

مجلة “ لونوفيل أوبسير فاتور ” وملف عن “الاستعمار الفرنسي 1830-1962 مآسيه وجرائمه
يصعب على من يتابع ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية وماضي فرنسا الاستعماري “الذي وصفه إيمانوال ماكرون بـ “جريمة ضد الإنسانية” وقد سبقه بهذا الوصف الفيلسوف الفرنسي فرانسيس يجانسون الذي أسس في سنة 1957 شبكة دعم لجبهة التحرير في فرنسا مع عدة شخصيات فرنسية معادية للاستعمار الفرنسي في الجزائر وفي مقدمة هؤلاء هنري كوريال الذي ترك ثروته ورفاهيته في مصر حيث يملك والده مصرفا ماليا ليتملق المعذبين في الأرض من الشعب الجزائري وكان جزاؤه الاغتيال من طرف “منظمة الدلتا” المعادية لاستقلال الشعوب في منزله في باريس الخامسة قريبا من مسجد باريس. وقد وضعت بلدية باريس مؤخرا لوحة تذكارية لتخليد هذا الرجل المعادي للاستعماري، والذي كان يسعى للوصول إلى حل سلمي بين الفلسطينيين واليهود ودفع هو والسرطاوي الفلسطيني حياتهما ثمنا لذلك، وتبقى الذاكرة التاريخية بين الجزائريين والفرنسيين في تواصل مستمر عبر الكتب والمجلات المتخصصة، فإذا كانت حرب المدافع والرشاشات قد سكتت في الجزائر فإن حرب الأقلام لا تزال تلهب الساحة التاريخية لتذكر الشعبين الجزائري والفرنسي بالماضي التاريخي المؤلم والذي لم تبرأ جراحاته، وها هي مجلة “لونوفيل أوبسير فاتور” عدد أوت 2019 تبعث الحياة في ملف لم يطو لحد الآن وهو ماضي فرنسا الاستعماري، وقد قال ذات يوم ميشال روكار رئيس الحزب الاشتراكي الموحد p.S.u وقد وصفت المجلة وهي تتحدث عن هذا الماضي “كان الاحتلال دمويا” وكان قانون الأهالي” الذي يعتبر الشعب الجزائري مجرد أهالي لا مواطنين حيث في نظره لم يرق بعد إلى مرتبة المواطنة، والمواطنين هم أوربيو الجزائر، الوافدين من كورسيكاو وإيطاليا واللألزاس واللوران، وقال المجلة إن إسلام الجزائريين كان تحت الرقابة الاستعمارية وتساءلت المجلة قائلة” لماذا هذا السكوت عن الجزائر المستعمرة من طرف فرنسا قرنا و30سنة. وكعادة الفرنسيين وكتابهم ومؤرخيهم كانوا دوما يعتبرون المرجع الأساسي للتاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر هو المؤرخ الفرنسي لهذا الاستعمار هو بن حامان ستورا الذي هو في الحقيقة لا يرقى إلى مستوى أستاذة شارل روبير آجرون الذي مات مؤخرا ويعتبر من كبار مؤرخي الاستعمار الفرنسي في الجزائر وله إنتاج غزير في هذا المجال وموثق، ولاشك أن تلميذه بن حامان ستورا له مساهمات لا تنكر ورأيناه يدلي برأيه في تصريح خاص يعبر فيه عن رأيه، ويحمل الاستعمار الفرنسي مسؤوليات كبيرة، ولعلها أول مرة يصرح ستورا لهذه المجلة بتصريح جيرىء حول ابن باديس ويعتبره واحدا من آباء الحركة الوطنية الجزائرية هو ومصالي الحاج وفرحات عباس، ولعل أول مرة تحتل شخصية ابن باديس مكانة هامة في ملف تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حيث كتبت عنه الأستاذ سارة ضيف الله التي وصفت ابن باديس “برجل متنور ذو نفوذ قوي على الحركة الإصلاحية، وقد أطلقت عليه لقب: لوثر الإسلام وهي مقارنة غير صحيحة –فإصلاح ابن باديس كان امتدادا لشخصيات جزائرية ظهرت قبله وساهمت بآرائها وأفكارها كما لا يخفى عن ابن باديس تأثره بالأفغاني وتلميذه محمد عبده مفتي الديار المصرية، ومؤسس مجلة العروة الوثقى في باريس 1883 مع الأفغاني.
واعتبرت سارة ضيف الله ابن باديس واحدا من آباء الحركة الوطنية الجزائرية هذا خلافا لآراء بن بلة الذي ينفي أي دور لجمعية العلماء في الحركة الوطنية وخاصة في الثورة حيث اتهم الثلاثي الإبراهيمي التبسي، المدني بالخونة مناصرين لنوري السعيد في بغداد المتهم بالجوسسة لفائدة البريطانيين وقالت الكاتبة ابن باديس رجل على حدة ليس كالآخرين فعندما مات شيع جنازته 20 ألف شخص جاؤوا من مختلف المناطق الجزائرية، وهو الذي زرع بذور الثورة في الشعب الجزائري، ومع الأسف غير معروف في أوروبا وحتى في فرنسا ذلك لأن أعماله تترجم إلى اللغة الفرنسية فلولا بعض الوسائل الجامعية في فرنسا بالفرنسية لبقي ابن باديس وفكره مغمورا، وها هي الباحثة الفرنسية شارلوت كوري تقدم أطروحة مفصلة عن جمعية العلماء تزيد عدد صفحاتها عن 500 صفحة باللغة الفرنسية ولها رصيد في اللغة العربية والانجليزية، وكان الأجدر بكاتبة المقال. سارة ضيف الله أن تصف إصلاح ابن باديس بإصلاح الأفغاني لا بإصلاح اللوثر في الديانة المسيحية ونشاطرها في رأيها القائل بأن ابن باديس ليس مجرد رجل دين كالآخرين وهو فعلا كذلك وقد لاحظنا أن لابن باديس حضورا في الحراك الجزائري حيث حمل المتظاهرون صور ابن باديس ليؤكدوا للرأي العام العالمي أن الجزائر باديسية لا باريسية، وأذكر القارئ لجريدة البصائر أنني تحدثت عن شارلوت كوريي وأطروحتها.. في جريدة البصائر قلت إنها كانت معنا في الاحتفال بذكرى 16 أفريل ذكرى يوم العلم، ويوم وفاة ابن باديس وذلك في المركز الثقافي الجزائري بباريس ولعلها لأول مرة تحتفل بهذه الذكرى في هذا المركز الذي غابت فيه الثقافة العربية الإسلامية وخاصة عهد يامسينة خضراء.
استبعاد موضوع تدريس الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر من المنظومة الدراسية الفرنسية مما جعل الجيلين الثاني والثالث من الشعب الفرنسي الذي ولد بعد استقلال الجزائر يجهل جهلا تاما هذا الماضي وآلامه وهمومه، وجرائمه التي فاقت حدة التصور. نعم كما يقول بن جامان ستورا إننا ندرس حرب الجزائر بطبيعة الحال وعلى نطاق ضيق ومن نظرة فرنسية لا تخلو من الزيف والتحريف، في حين لا يدرس الاستعمار الفرنسي في مستعمرات فرنسا وذكر جرائمه واحتقاره لهذه الشعوب ونفى قادته ورميهم في السجون واعتبارهم كمجرمين وقطاع الطرق والخارجون عن القانون.
كيف كان سلوك هذا الاستعمار في الجزائر حسب المجلة- إنه كان دمويا، الإسلام تحت الرقابة، المدرسة كانت عنصرية، التاريخ مجهولا .
والحديث عن هذا الاستعمار لا يزال مجرد تابو، إن ما يكتبه على هامش التاريخ، ومع ذلك يبقى أحسن من كثير من الكتاب الفرنسيين الذين أدلوا بدلوهم وكتبوا كتبا عن الجزائر، يصف الاستعمار بأنه كان قاسيا وعنيفا دون أن يقول عنه إنه كان مجرما وهو كذلك، ولا يتحدث عن نوفمبر كثورة بل هي حرب الجزائر فنراه يتحدث عن جرائم فرنسا في سطيف، وخراطة وقالمة فيصفها بالقمع وسكت بن جامان ستورا عن موقف بني قومه من اليهود الذين آزروا الاستعمار الفرنسي وقد مولوه بمساعدات فكانوا عيونه وسمعه وبصره في الجزائر منذ الاحتلال إلى الاستقلال رغم أن ثورة نوفمبر 1954، وجهت لهم نداء للانضمام لمعركة تحرير الجزائر فلم يستجب لهذا النداء إلا نذر يسير من اليهود، والباقي كلهم كانوا في خدمة الاستعمار الفرنسي فتنكروا لحق إيواء الجزائريين منذ خروجهم من الأندلس وفي فترة الحكم النازي في فرنسا، وعملائه في الجزائر ويبقى عدد مجلة “لونوفيل اوبسيرفاتور” عن الاستعمار الفرنسي إضاءة جديدة حيث احتل الأمير عبد القادر وابن باديس مكانا بارزا في هذا العدد وتحدثت المجلة مطولا عن جهاد الأمير عبد القادر ضد خصمه العنيد الجنرال بيجو صاحب نظرية “الاستعمار الشامل” تحدثت المجلة عن جرائمه وجرائم جنرالات آخرىن مثل جريمة مغارة الظهرة، وما أكثر جرائم فرنسا في الجزائر منذ الاحتلال إلى أن حملت عصاها ورحلت غير آسف عليها في سنة 1962، وقد مات اختناقا في مغارة الظهرة 700 من الرجال والنساء والأطفال ولم يكن فرانسيس جانسون مؤسس شبكة دعم جبهة التحرير في فرنسا 1957 عندما وصف الاستعمار الفرنسي في الجزائر بأنه “جريمة ضد الانسانية” إن عدد مجلة OBS مليء بالصور عن بؤس الشعب الجزائري في ظل الاحتلال الفرنسي وكان على الذين قالوا إن الاستعمار الفرنسي للجزائر وباقي المستعمرات لعب دورا إيجابيا في هذه البلدان ترى متى كان الاستعمار والتحكم في رقاب البلاد والعباد دورا إيجابيا.