الموضوع: الصدقة الجارية كل عمل صالح يستمر زمنا فيه نفع للناس./ محمد مكركب
قالت السائلة: رزقني الله أرضا فاقتطعت منها قطعة وأوقفتها في سبيل الله أريد أن تكون صدقة جارية، فسمع رجل فقال لي يبني عليها بناء بيتا لابن السبيل، ويحفر بئرا لاستخراج الماء ينتفع به كل المسافرين. فهل أعمالنا هذه تعتبر من الصدقات الجارية؟ وما هي الصدق الأفضل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: قال الله تعالى:﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾(البقرة:272). الإنفاق في سبيل الله عمل جليل القدر في خدمة الإنسانية عامة والمسلمين خاصة في الجهاد بكل أنواعه: الجهاد العلمي، والجهاد الحربي، والجهاد الدعوي، والجهاد الاقتصادي. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(البقرة:274).
ما هي الصدقة الجارية؟ الصدقة الجارية هي العمل النافع الذي يستمر نفعه خدمة للدين والناس، مدة زمنية يكون قابلا للتجدد، أو ينفع لنفع متجدد.كمد سواقي الماء للقرى المحتاجة في البوادي والأرياف، وبناء المدارس، وإصلاح الطرق والقناطر، والوقف في سبيل الله تعالى: كالمستشفيات، وبيوت السبيل، والمدارس، والبحوث العلمية والاختراعات، وطبع الكتب النافعة، وغير ذلك. ولو مات الذي قام بهذه الأعمال فإن أجرها يلحقه ويكتب له. وفق الخبر الوارد في الحديث.[ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ] أبو داود:2880) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: تقول السائلة: وهل وَقْفُ قطعة أرض في سبيل الله على أن يقيم عليها رجل آخر مرافق نافعة، هل يُعَدُّ ذلك صدقة جارية لنا جميعا؟ نعم لكما الأجر على ذلك إذا توفرت شروط العمل في سبيل الله تعالى. وهي النية والإخلاص، وأن تكون منافع الصدقة كلها في سبيل الله لا يمنع منه شيء عن المحتاجين إليها، وأن لا تكون لغرض مصلحة ظاهرة دنيوية. قال الله تعالى:﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(البقرة:265).
ثالثا: قالت السائلة: وما هي الصدق الأفضل؟ الصدقة الأفضل هي حسب المنفعة الأعم، وحسب حاجة المنتفعين بها. قد تكون شريحة من الفقراء في حاجة إلى المدرسة والطريق أكثر من حاجتهم إلى مرفق آخر، فيكون الأفضل لهم هو ما هم في أشد الحاجة إليه. وفي قرية أخرى قد يكون توصيل الكهرباء أولى لهم من توصيل الماء، أو توصيل الماء أولى لهم من المستشفى، وهكذا. وتكون الصدقة أفضل عندما يتصدق المتصدق بأفضل ما عنده وبأحب منفعة له. وفي الخبر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}[آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أحب أموالي إلي بَيْرُحَاءَ، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[بخ، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين] فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (البخاري:1461) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.