الشّيخ عطيّة محمّد سالم سؤال ليس للعامّة!/ إبراهيم بن ساسي

الشّيخ عطيّة محمد سالم رحمه الله، عالم فقيه وموسوعيّ نبيه، ولد بقرية المهديّة محافظة الشّرقيّة بجمهوريّة مصر العربيّة سنة 1927م، وبها تلقّى تعليمه الأوّل، وارتحل صحبة والده إلى خير الرّيّاض -مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي مسجدها النّبويّ الشّريف واصل تعليمه، فدرس كتب الموطّأ ونيل الأوطار وسبل السّلام مجالسا شيوخا أفذاذا أمثال الشّيخ عبد الرّحمن الإفريقي والشّيخ حمّاد الأنصاري والشّيخ محمّد التّركي والشّيخ ابن باز والشّيخ محمد الأمين الشّنقيطي وغيرهم.
وقد تحصل على شهادتي اللغة العربيّة والشّريعة سنة 1371هـ، ثم عيّن أستاذا للّغة بمعهد “الأحساء”، وشهد افتتاح الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، وعيّن مسؤولا على إدارتها ومدرّسا في بعض كلّيّاتها، ثم اشتغل بالقضاء وتدرّج في مراتبه إلى أن وصل إلى رتبة “قاضي تمييز”، وبعد تقاعده أسند إليه التّدريس بالمسجد النّبوي، فأقبل خلق كثير على حلقاته الّتي تناول فيها علوما مختلفة؛ كما أن له عدّة مؤلّفات أهمّها:
- تتمّة تفسير أضواء البيان للشّيخ محمد الأمين الشّنقيطي [من سورة الحشر إلى سورة النّاس].
- بدر والبدريّون.
- تسهيل الوصول إلى علم الأصول.
– عمل أهل المدينة في الموّطّأ.
– أصل الخطابة وأصولها.
– ترتيب التّمهيد على أبواب الفقه.
– موسوعة الدّماء.
-آيات الهداية والاستقامة (ج 01/02).
كما أن للشّيخ حضور في وسائل الإعلام المختلفة والملتقيات والمؤتمرات، وكذلك تحصل على الكثير من الأوسمة والشّهادات. توفيّ رحمه الله سنة 1999م.
أكرمني المولى بالجلوس إلى حلقات علمه بالحرم المدني في النّصف الأخير من رمضان سنة 1404هـ، الموّافق لشهر جوان سنة 1984م، وذلك عند تأديّة مناسك العمرة مع والديّ وشقيقي محمّد الهاشميّ، وأتذكّر ذات مساء، وبعد نهاية درس قيّم حول فتح مكّة، بعث له أحد الحاضرين بسؤال في قصاصة ورقيّة، فقال: يا سيّدي هل يمكن رؤية الوليّ في مكانين مختلفين في وقت واحد؟ فقال رحمه الله: “هذا ليس بسؤال طالب علم يا هذا! سؤال كهذا فتنة للعامّة، وأمر ليس بمعقول، ولو تأتّى هذا لكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى بذلك، وهو الّذي حوصر في شعاب مكّة طويلا وسأروي لكم بالمناسبة قصّة من فم والدي رحمه الله، إذ يقول: دعاني الملك فيصل بن سعود رحمه الله لمرافقته للعمرة بمناسبة زيّارة الملك محمّد الخامس ملك المغرب رحمه الله، وأثناء الطّواف سمعت من يلومني: مالك يا شيخ أكلّمك البارحة هنا ولم تردّ عليّ؟! فقلت: سأبحث لك عن رجل آخر كلّمته، فقد كنت البارحة في الطّائف وما دخلت مكّة إلاّ هذا الصّباح رفقة الملك، فانظروا رحمكم الله، لو كان والدي ممن يعتقدون هذا الباطل لحدّثته نفسه بأمور كثيرة، فإيّاكم وهذه الاعتقادات الباطلة الّتي لا أساس لها في دين الله، فتمسّكوا رحمكم الله بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما جاءت في الصّحاح”. وصدق الشيخ عطيّة محمد سالم، فلا بدّ من المحافظة على العقيدة الصّحيحة المستقاة من الهدي النّبوي الخالد الّذي عاش له الجهابذة من المحدّثين والعلماء الثّقاة، فجاءت كتبهم زاخرة بالأحاديث الصّحيحة المتّفق عليها، فهي المصدر الموثوق بعد كتاب الله وهو ما أوصى به حبيبنا رسول الله عليه الصلاّة والسّلام حين قال: “تركت فيكم أمرين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي”، ولست أدري لماذا يختار البعض مراجع مرجوحة يستدلّون ببعض آثارها الّتي لا نجد لها تأصيلا؟ فيزرعون بها عداوات وحروبا تستهلك جهودا وأموالا وأوقاتا تصرفهم عن كثير من الواجبات والضّروريّات، وقد يروي لك أحدهم قصّة مطوّلة مليئة بالخرافات والخوارق، وربّما غلبت عليه عواطفه وأحاسيسه أثناء السّرد ليجهش بالبكاء طويلا، ويقسم لك أنّ هذه الحادثة قد رآها (سيّدي فلان بن فلان)! في منامه أو تكشّفت له، وقد رواها عنه العلاّمة فلان وهكذا … وكأن المنام أصل ومصدر من مصادر التّشريع! والويل كلّ الويل لمن حاول أن يسأل أو يستوثق أو يطلب تأصيلا شرعيّا لهذا القول أو هذا العمل! فالمطلوب منك أن تسلّم وتعتقد ولا تنتقد، وباختصار لابدّ لك أن تلغي عقلك وتسمع بعواطفك، وهذا أمر غير مستساغ ولا معقول، فما الحكمة من هذا العقل الّذي ميّزنا الله به؟ وقد جاءت الإشارة لاستعمال العقل في كتاب الله (24 مرّة)، وبصيغ مختلفة، كقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[البقرة/73]، وقوله في سورة ق: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق/37].
وفّقنا الله تعالى لما يحبّه ويرضاه، وصلّ اللهمّ وسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
الشّيخ عطيّة محمد سالم رحمه الله