ما هذا الذي يحدث في العراق؟/ أ. د. عمار طالبي
مظاهرات احتجاج شعبية تراق فيها الدماء بطريقة شنيعة فادحة، بعد دمار دولة العراق، وتشتيت شعبها، وتدمير الأمريكان، وإعلان بوش حربا صليبية، وبعد حصار الشعب العراقي، وذهاب ثروته، والقضاء على جيشه، واغتصاب حرائر هذا البلد الحضاري، ونهب آثاره، وتكسير بعضها الآخر.
وها نحن اليوم نشاهد الطائفية المقيتة، النتنة تطغى، وأحزابها تنتهك حرمات المواطنين، وتهجّر أهل السنة، وتذلهم، وتهدم منازلهم، وتستولي على ممتلكاتهم، وأشعلت ما يسمى بالدولة الإسلامية المجنونة نار الحرب، والقتل، والترويع، ومحاولات الأكراد الانفصال عن العراق بوعود أمريكية كاذبة، وهم لم يدركوا التلاعب بهم، وبمصائرهم كل مرة كأنهم فقدوا عقولهم، وانطمست بصائرهم فسلكوا مسلك التبعية للأمريكان وإسرائيل.
إن الشعب العراقي فقد ثقته في الأحزاب، والسلطة الطائفية، الفاسدة التي كونتها أحزاب تدعي الإسلام، وتذهب إلى تعميق الطائفية، وتحيي صفحات من التاريخ الأسود في حياة الأمة الإسلامية، التي عبر أمرها، وتحمّل وزرها من أثارها، “ولا تزر وازرة وزر أخرى”
وهذا الذي يجري من قتل، وسفك للدماء، للمتظاهرين لم تستطع السلطة أن تحميهم، وسلطت عليهم رجال الأمن وما هم برجال الأمن، يطلقون عليهم النار بدون رحمة وهؤلاء المتظاهرون يرفضون الفساد وهذه الأحزاب الإسلامية المزعومة الكواذب. تتلاعب بمصير العراق لقد كره الشعب العراقي بجميع شرائحه هذه السلطة، وما وراءها من النعرات الحزبية الطائفية، وثار عليها، وحق له أن يثور ضد الظلم والفساد والطائفية إنه شعب عزم على التحرر، وهبّ لقطع جذور الفساد، وسوء التصرف السياسي والاقتصادي والتبعية، وهؤلاء الذين جاء بهم الأمريكان ونصبهم حكاما على العراق وشعبه يعيثون في الأرض فسادا، إنها ثورة تنضيم إلى ما يقع في البلاد العربية من انتفاضات، وثورات على الفساد، في الجزائر، وتونس، وهذه لبنان تلتحق بالركب، بعد سوريا، وثورة شعبها الذي دمره حكامه، وروسيا، والأكراد، وجماعات الارهاب وما يجري في ليبيا، واليمن، من قتل، وتدمير ما يزال يأتي على الأخضر واليابس، ويرجع بهم إلى القرون الوسطى، ولعل هذا الذي يجري يشبه ما كان قد جرى في أوروبا، من ثورات وحروب أدت في النهاية إلى الحرية، والتخلص من حكم الطغاة، من الأباطرة، ومن يساندهم من فساد الكنائس، والإقطاع.
إن الشعوب أخذت تتحرك للتحرر والقضاء على الاستبداد، والطغيان والقهر، فلا راد لثورة هذه الشعوب التي أدركت أنه لا سبيل للتغيير إلا برفع صوتها عاليا، عارما، صارما، حاسما، متظاهرا، إنه عصر الوعي لهذه الشعوب، وأوان ثورتها، سلميا كما نرى في الجزائر ولبنان أخيرا، الذي مل من الطائفية التي غرست جذورها فرنسا الاستعمارية.
إن كل ما يبذل من مضادة لهذه الثورات، ومحاربتها بشتى الوسائل الماكرة، بالأموال والسلاح، والإعلام، والقتل، والاعتقال ماآله الفشل.
عزم الشعب على الخلاص من الاستبداد، والفساد، وعزمه حاسم وإرادته ماضية، وسيحقق إرادته، ويفتح صفحة جديدة، ويطيح بالأحزاب التي انساقت للحكام، وأصبحت خدما لهم، وطبلا أجوف، لا هم له إلا السلطة، والمناصب، والأموال، والدعوة إلى الخامسة، والسادسة والسابعة إن أمكن أو الأبدية.
لقد اقترب فتح صفحة جديدة، من تاريخ العرب والمسلمين، رغم ما يعانونه، من الاضطهاد والقهر، ومجيء أفق جديد تسود فيه الحرية، والدخول إلى طريق الحضارة، القائمة على القيم الأخلاقية والعلم.
ندعو الله أن يحقق أمل هذه الشعوب الثائرة، المتظاهرة، المحتجة الواعية، وما ذلك على إرادتها بعزيز.