تحذيرات لك أيها مسلم/ عبد العزيز كحيل
عندما تسمع قول الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران/28]، فلتعلم أنه يريد أن يخرجك من غفلتك لتبقى يقظا، فلا تتعدى حدود الله، ولا تتجرأ على محارمه، فكن حذرا في حياتك كلها، ولا تأمن مكر الله.
انتقيتُ على سبيل النموذج والمثال أربعة مهالك يجب أن تحذرها:
1/ احذر أن يشكوك أحدٌ إلى الله: ربما ظلمت مسلما أو آذيته بلسانك ويدك أو اعتديت على حقوقه، أو أكلت ماله بالباطل، أو وقعت في عرضه أو تكبرت عليه واحتقرته…ولم يستطع أن يدفع عدوانك – فشكاك إلى الله تعالى، ولو رفع بك قضية إلى وكيل الجمهورية لارتعدت فرائسك، وخفت على نفسك، ووكلت أحسن المحامين للدفاع عنك في المحكمة، لكنه رفع دعواه إلى الملك الحق سبحانه وتعالى…أتدري أن شكواه تفتّح لها أبواب السماء ويتعهد الله أن ينصر المظلوم ولو بعد حين؟ أي أنك ستنال الجزاء حتما في الدنيا أو الآخرة حدث هذا لنوح -عليه السلام- فاسمع ماذا كان بعدما قابلوا نصحه وإشفاقه عليهم بالسخرية والاستهزاء أي بالإيذاء النفسي:{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ}[سورة القمر:10/14].
وكما انتصر لنوح ينتصر – عز وجل – لكل مظلوم ومغلوب ومستضعف، فإياك أن تكون في صفّ خصوم الله الذين ستنالهم نقمته من غير شكّ .
وإن كنت وقعت في شيء من هذا فبادر إلى الاستدراك وتصحيح المسار بتوبة صادقة تتمثّل في الاستغفار وردّ المظالم والاعتذار للمظلوم بالشكل الذي يُرضيه… إنه هذا أو عذاب يوم القيامة، ذلك اليوم الذي قد يتجاوز فيه الله عن حقوقه لأنها على المسامحة لكنه لن يتجاوز عن حقوق العباد لأنها على المشاحّة، فاختر صَفك ومصيرك الآن.
/2 واحذر أن تطرق باب الله فلا يُفتح لك: يقصد المؤمن باب ربّه كلما حزبته الأمور وحاصرته الخطوب ونزلت به المحن وضايقته الحياة، يلتمس الفرج والتيسير والسكينة، يلقي بنفسه على عتبة باب الله، باكيا داعيا متضرعا، وباب العليّ الكريم مفتوح على مدار الساعة، ليس به حاجب ولا حارس، ولا تُفرض على الداخل رسوم …لكن هناك من يطرق فيفتح له وهناك من يُردّ ويُطرد ولا يُستقبل، فإياك أن يحدث لك ذلك، ولا تظننّ – إنْ أُغلق الباب دونك – إلا سوءا بنفسك وتوبيخا لها، فقد كبّلك حال قلبك وكبّلتك ذنوبك ولوّثتك المعاصي، لو أن لك موعدا مع أحد ملوك الدنيا لتهيأت للقائه ببالغ النظافة والتجمّل، فكيف بربّ العالمين جلّ جلاله؟ ولله المثل الأعلى.
إذا أُغلق الباب دونك فارجع إلى نفسك وابكِ عليها وتجّرد من العوائق، وإياك أن تستهين بالطرد فقد يكون مقدمة لموقف مماثل يوم القيامة:{وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران:77] … إن الاستقبال في الحضرة الإلهية يحتاج إلى توبة العبد وتطهّره من أدرانه وإقبال بقلب مخبت منيت؛ فاحذر أن تسيء الأدب وتتهم الأقدار وحاسب نفسك لماذا لم تُستقبل وعالج الأعطاب التي حالت دون ذلك.
/3 واحذر أن يغرّك أهل الأرض ويُبغضك أهل السماء: لعلّك صاحب منصب دنيوي رفيع أو مركز اجتماعي مرموق أو ثروة طائلة يجلب لك تعظيم الناس وتزلفهم، لعلهم يحيطونك بالثناء والإطراء وذلك لأغراض دنيوية ليس إلا، فإياك أن تترك يقين نفسك لظنّ غيرك، فأنت أعرف بنفسك منهم حتى ولو كانوا صادقين، فلا تغترّ بهم وانظر إلى منزلتك عند أهل السماء، فذلك هو المقياس الصحيح، ماذا يفيد ثناء أهل الأرض إذا كان أهل السماء يبغضونك لإعراضك عن الله وشرعه، وإيغالك في الانحرافات العقدية والسلوكية، ما أجمل أن يُنادى عليك في السماء أن أحبّوه، وما أقبح أن يُنادى أن أبغضوه، فانظر مقامك هناك، فكذلك ستكون يوم القيامة.
ربما تُغري الناس بصلاح ظاهرك أو بمكانتك بينهم فيحتفون بك صدقا أو نفاقا، فما العمل مع أهل السماء واللهُ يعلم السر وأخفى والملائكة يسجلون كل صغيرة وكبيرة؟
ابدأ بباطنك فأصلحه وتعاهد نفسك بالتزكية واثبت على أمر الله ونهيه والتفتْ إلى نظر الله إليك ورضاه عنك، ولا تبالِ بعد ذلك بثناء الناس أو ذمّهم.
/4 احذر أن تنصرف عبوديتك لغير الله: تعجب من هذا التحذير؟ ألم تقرأ قول الله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}[سورة يوسف:106]؟
– فتنة الشيوخ : المبالغة في الشيوخ تُفضي بالأتباع إلى هاوية عبادتهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، بدأ هذا مع غلاة الصوفية الذين يوصون مريديهم أن يكونوا بين يدي الشيخ كالميت بين يدي مغسّله يفعل به ما يشاء، وهذا الانصياع التام لا يحقّ إلا لله تعالى، وأصبح الأمر أشدّ جلاء مع ” طلبة العلم ” الذين يقدسون شيوخهم لا لشيء إلا أنهم هم وحدهم على الحق، هم وحدهم أعلام السلف الصالح، هم وحدهم قادة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، هم وحدهم من يفهم الإسلام وسط أغلبية ساحقة من ” المسلمين ” الغارقين في الجهل والخطأ والضلال.
– بناء على هذا تجد هؤلاء الأتباع يلغون عقولهم تماما وينقادون لأي رأي أو قول أو فتوى صادرة من شيوخهم ولو كانت بارزة الخطأ.