اتجاهات

دلالات فوز قيس سعيد بالانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة../ أ. محمد العلمي السائحي

إنّ الانتخابات الرئاسية التي جرت في تونس مؤخراً، من الأهمية بمكان، لا لكونها مكنت التونسيين من إثبات أنه يمكن بالنضال السياسي تحقيق ما سعى له الآخرون بالسلاح في الكثير من البلاد العربية ولم يدركوه، فقد استطاعوا أن يقوضوا أركان النظام الاستبدادي الذي رفع صرحه زين العابدين بن علي في تونس، وهو نظام من أشد الأنظمة السياسية التي عرفتها البلاد العربية جبروتا.

كما استطاع التونسيون بنضالهم السياسي وحده أن يحبطوا كل مناورات الدولة العميقة والقوى الأجنبية العربي منها والأوروبي من الالتفاف على الثورة وتحريفها عن مسارها، ومحاصرة الشعب التونسي وإجباره على الخضوع لهم والقبول بما يفرضونه عليه من سياسات.

بل ترجع أهمية هذه الانتخابات لكونها تحمل في طياتها دلالات كثيرة، من ذلك أنها دلت على الآتي:

ــ أن الشعب التونسي على الرغم من كل المساعي والجهود التي بذلت من طرف المحتل الفرنسي ثم من الأنظمة السياسية التونسية الموالية للغرب، لطمس شخصيته العربية والإسلامية، لم يتخل عن شخصيته، ولم يتنكر لانتمائه وهذا ما دل عليه انتخاب قيس سعيّد المعتز بعروبته والمتمسك بقيمه الإسلامية، وهذا ما دل عليه رفضهم للمرشح الرئاسي نبيل القروي الذي لم يخف ميوله إلى الغرب واستعداده للتطبيع مع إسرائيل.

ــ أن الشعب يستطيع إذا أراد أن يحمي اختياره الديمقراطي، مهما حاول الآخرون تضليله والتلاعب بإرادته، و استغلال المال والإعلام لتحقيق مآربهم، دلت على ذلك النسبة الكبيرة التي فاز بها قيس سعيد على منافسه الذي كان يمتلك المال والإعلام، و الذي كان يحظى بتأييد العلمانيين والديمقراطيين والدولة العميقة.

ــ أن الشعوب العربية لم تعد تقبل بالسياسيين الذين يعانون من انفصام الشخصية والذين يشعرون أنهم أقرب للغرب منهم لشعوبهم، فتراهم يتعالون عن مخاطبة شعوبهم بلغتهم العربية بل يستخدمون الفرنسية ، ولا يجدون غضاضة في السخرية من الدين والأعراف والتقاليد وكأنها تخص شعوبا أخرى غير شعوبهم، ولذلك باتوا يفضلون أن يتولى أمرهم من هو قريب منهم مشارك لهم في همومهم يستشعر آلامهم ويشاركهم آمالهم.

وهذا بالضبط ما دلت عليه الانتخابات الرئاسية في تونس، ففوز قيس سعيد أظهر لشعوبنا العربية أن التونسيين أنهم منحوا ثقتهم لقيس السعيد لتواضعه وعدم ترفعه عن شعبه ولأنه على اتصال بهم في الشارع والمقهى والنادي، ولأنه احترم لسانهم وعظم دينهم ولم ينتقد أعرافهم وتقاليدهم.

ـ ومن أهم الدلالات التي دلت عليها هذه الانتخابات التي أسفرت عن فوز قيس سعيد بالرئاسيّة، أن المغرب العربي قد افتك زمام المبادرة من المشرق العربي هذه المرة وبدأ يتفرد في صناعة الحدث، ولعل ذلك يمثل إرهاصا من أن قيادة العالم العربي في المرحلة المقبلة ستكون من نصيب المغرب العربي، وذلك سيتأكد حتما بنجاح الانتخابات الرئاسية الجزائرية في 12 ديسمبر القادم بحول الله…

تلك هي بعض الدلالات التي حملتها في طياتها الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة ولا شك أن قيس سعيد سيعيد لتونس دورها التاريخي على المسرح السياسي الدولي، سيجعل منها دولة مؤثرة لا على الصعيد المغاربي وحده، بل على الصعيد العربي كله، وتلك هي الآمال التي يعلقها عليه الأخوة التونسيون دون شك وهو حقيق بتصديقها…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com