هل يقرأ اللبنانيون مسار الحراك السلمي الجزائري؟ الجزائر… جدل الحاضر وتحدّيات المستقبل؟؟/ د-وليد بوعديلة
جددت السلطة الجزائرية وعودها بتنظيم انتخابات رئاسة نزيهة، وبقي الجدل في الساحة السياسية حول رهانات المرحلة، فانقسم الجزائريون بين مساند ومعارض،كما اندلعت موجة حركات احتجاجية في لبنان على وقع التأكيد على السلمية، على طريقة الحراك الجزائري، كيف نقرأ هذا كله؟
الوضع السياسي والجدل..
لسنا ندري من يقصد وزير العدل بلقاسم زغماتي عندما يتحدث عن “الأيادي القذرة الملطخة بالمال الفاسد التي من مصلحتها استمرار الوضع”،كما أشار -في تدخل له في يوم دراسي حول المنازعات- لمشاكل اقتصادية ناتجة لما تشهده الساحة الوطنية من حراك شعبي منذ ثمانية أشهر.
وإن كنا نعرف الكثير من أصحاب الضمائر الوطنية التي وضعت الانتخابات الرئاسية كطوق للنجاة(رئاسة الدولة، الجيش، سلطة مراقبة الانتخابات، الإعلام العمومي والخاص،…)، ورغم ترقبنا المستمر لخطوات التهدئة وخطوات أكثر صرامة وجدية لإبعاد التزوير والفساد السياسي، فإننا نستغرب الربط المتواصل بين الخراب التنموي والتأخر الاقتصادي وهذا الحراك الشعبي؟؟
وكيف لا يشك الشعب في طريق الانتخابات المحفوف بالأعمال المشبوهة وقد كشفت سلطة مراقبة الانتخابات تزوير استمارات الترشح بولاية سوق أهراس؟؟
ولماذا خطاب تجاهل سنوات الفساد المالي السياسي وزمن تحالف المفسدين السارقين في الممارسة السياسية المشوّهة المتحالفة مع رجال المال والأعمال؟؟ وهو ما لم يشر له وزير العدل هنا، ونسيه الكثير من المحللين الذين يطالبون الحراك الشعبي بالتوجه للانتخاب اليوم وتحميلة الجمود الاقتصادي؟؟
التغير.. هو الطموح
وقد تكون الانتخابات معبرا للخروج من الوضع الحالي الجامد، وقد تحافظ على استمرارية مؤسسات الدولة، ولكن هذه المؤسسات تحتاج لإصلاح سياسي فكري جذري، كي لا تتجدد الأخطاء، كما يحتاج الجزائريون رئيسا فقط وإنما يحتاجون نظاما سياسيا متطورا، يمنحهم كرامة العيش ويدافع عن قيمهم وثوباتهم، ويصلح تعليمهم ومؤسساتهم الصحية و الاقتصادية، ويعيد الإعلام العمومي لخمتهم وليس خدمة الحكومة ورجالها…
ياناس… إن الجزائريين يطمحون للتغيير الحقيقي، ويريدون نظاما يخدمهم ماديا وفكريا أيضا، وهو ما قالته الهبة الوطنية في مسيرات التحرر والتحول والتغيير، بطريقة سلمية حضارية أدهشت العالم وفتحت أبواب التحول الديمقراطي في بعض الدول العربية، مع اختلاف الظروف والسياقات طبعا، واختلاف تعامل الأجهزة الأمنية (في العراق، لبنان…).
أحزاب تنتظر..
بعد أن قدمت بعض الأحزاب فرسانها للرئاسيات، اختارت أحزاب أخر الصمت والترقب، ومازال حزب جبهة التحرير الوطني مبتعدا عن جدل الانتخابات والمترشحين، وهو يبحث من مرشحه ليدعمه، رغم أن التوقعات تربط بين الحزب ورمز النظام السابق، وقد تميل الكفة لمساندة مترشح من الخط الوطني،يكون قد خدم مؤسسات الدولة، وربما هو علي بن فليس أو تبون، أو قد يكتفي الحزب بالثناء على الموعد الانتخابي وتشجيع الشعب للانتحاب على من يريد، لضمان ديمومة مستقبلية لهذا الحزب المرفوض شعبيا، لأنّه خان أمانة الشهداء وصار مرتعا لكلّ فاسد ناهب مافيوي بشهادة أهله؟؟.
لكن نقول للتاريخ… ما لم تذهب حكومة بدوي سيبقى الجدل مستمرا حول الانتخابات الرئاسية، كما لا تجدي كل المبادرات الاجتماعية لإقناع الشعب، لأنّها مبادرات من خزينة الدولة، ولم تأت بالجديد إلاّ منح الشعب حقوقه وماله الذي نهب لسنوات…
ولن تنفع مليمات الدراهم من دفع الحراك الشعبي للانتخاب إلا بحضور مبادرات أومقترحات سياسية جدية وقوية، منها انسحاب الحكومة وتشكيل أخرى مؤقت بوجوه جديدة ذات كفاءة، في اقرب وقت لضمان مؤقتة جذب نصف الحراك للصندوق الانتخابي حسب رأينا الشخصي.
حراك الجزائر.. حراك لبنان؟؟
ويبدو أن الحراك السلمي الجزائري قد صار طريقا عالميا للتغيير ورفض الأنظمة الفاسد المتحالفة مع المافيا المالية السياسية، وها قد انطلقت عراق الأحرار لتصنع ربيعها التحرري، وها قد فتحت لبنان الكتاب الجزائري للتحرر عبر الطريق الحضاري السلمي، قصد حماية الوطن والانتقال به نحو البناء السياسي ونحو بنائه جديد على أسس العدالة والمساواة والحرية في التعبير واحترام حقوق الانسان….
و لا ننسى أن أشقاءنا اللبنانيين بقوا في الساحات منشدين أملهم في التغيير، رغم الاسراع بإصلاحات حكومية وتلبية الكثير من مطالبهم الاجتماعية ومبادرة سعد الحريري رئيس الحكومة بتخفيض أجرة الوزراء والبرلمانيين لخمسين بالمئة، وهو موقف زاد من غضب الجزائريين على وزرائهم وبرلمانهم، لأن حكومتنا و برلماننا احتفظتا بالراتب الشهري، رغم الوضع الاقتصادي الصعب ورغم الحراك الشعبي الغاضب؟؟
سلطتنا واللقاء مع الآخر؟؟
ياناس…لكي تكون كل سلطة مفاوضة من منطلق قوي في محفل الدول، يجب أن تكون شعبية شرعية، وراءها القوة السياسية الانتخابية لشعبها، شأن الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، وشأن رؤساء الدول في الغرب، فهل تسير سلطتنا على هذا النهج؟؟
لتعرف السلطة الجزائرية أن فتحها للعلاقات مع روسيا(شارك رئيس الدولة في قمة سوتشي الخاصة للعلاقات الروسية الافريقية يومي 23-24 اكتوبر) لن ينجح إلاّ في ظل سلطة شرعية متفاعلة مع نداءات الشعب وآماله في التغيير، لأنّ العلاقات بين الدول لا تتأسس اقتصادا فقط وإنما تشمل المبادلات السياسية والانسانية والثقافية، وهنا نحتاج لأنظمة شرعية وذات سلطة قادمة من عمق الساحات والشوارع والأحياء الشعبية، والانتخابات الجدية الشفافة النزيهة؟؟
نحن نتمنى أن تنجز الجزائر انتخابات نزيهة فعلا،لان الصندوق هو الفاصل بين البرامج والأفكار، ونتمنى أن تتجسد خطابات الشفافية وعدم التزوير، وقد وعد الرئيس عبد القادر بن صالح مؤخرا -في رسالته للصحافة- بأنّ “الدولة ستتصدى لكلّ أشكال الإخلال بسريان المسار الانتخابي أو باختلاق الارباك والتعطيل بنوايا وخلفيات مشبوهة”، وذكر بان” الجزء الأكبر من مطالب الشعب الجزائر تحقق”، وهنا لا يسانده المراقبون للواقع الجزائري، وهم يستمعون لصوت الحراك الشعبي، في ظل ارتفاع أرقام المسجونين المعتقلين بسبب أفكارهم وآرائهم، وفي ظل عدم الحديث إعلاميا في القنوات عن الحراك ومطالبه وغياب صور المسيرات منذ شهور عن الإعلام العمومي والخاص؟؟ وفي ظل ظهور بعض ممارسات تزوير مسبقة ميدانيا ببلديات عديدة؟؟
واقع صعب للصحافة الجزائرية….
احتفل الإعلام الجزائري بيومه الوطني في 22 أكتوبر، وتعاني الصحافة الجزائر من مشاكل كثيرة، وتتحرك في غياب سلطة ضابطة لعملها، مع قيود عديدة على الإبداع والكتابة والتفكير، وصار الصحفي محاصرا برئيس تحرير هو الآخر محاصر؟؟
ولا داعي للحديث المتواصل عن اعتقالات متجددة للصحفيين من وسائل إعلام عديدة أثناء تغطيتهم للأحداث و قيامهم بواجبهم المهني،دون الحديث عن غياب الإطار القانوني للمهنة ولا وجود لنقابات مهنية قوية، مع وجود الضغوط الاجتماعية للإعلامي في الصحافة المكتوبة و في السمعي البصري، فالكل يعاني…ياناس؟؟؟
وانحرفت مهنة الصحافة مؤخراً عن مهامها، وصارت مطبّلة في الساحة السياسية، لدرجة تجاهل مطالب الشعب وصوته، و تقترح برامجها وكتابتها كل خطابات التقرب من الرئاسة والجيش وطريقهما في حل الأزمة، ورفض كلّ صوت جزائري معارض، رغم أن القناعات تتعدد، ورغم أن الشعب لم يرفض الانتخاب بالمطلق، لكنه يريد ضمانات النزاهة فقط، لكن إعلامنا الجزائري لم يسمع موقف الحراك الشعبي، ولسنا ندري ماذا سيقول إعلامنا في حال تزوير الانتخابات وانسحاب المترشحين في اللحظات الأخيرة، كما وقع في الماضي؟؟ ياناس…إنّنا نريد إعلاماً نزيهاً ديموقراطياً كما نريد انتخابا نزيها ديمقراطيا…
يبدو أن الحراك السلمي الشعبي قد كشف الكثير من الملامح السلبية في الإعلام الجزائري، بين إعلام مساند دون هوادة للسلطة ومسارها، وإعلام في المقابل رافض لكل مبادراتها وحلولها،لدرجة الشتم والسخرية من مؤسسات الدولة ومن رجال المؤسسة العسكرية، وضاعت هنا كل أوراق التعليم الجامعي التي قدمت للصحفيين عن أخلاقيات المهنة وأهمية الخدمة العمومية للشعب فقط، وذكر الحقائق دون تشويه….
لكن وطن الشهداء أكبر من كل كاذب ومن كل مؤامرات داخلية أو خارجية تنسج دال استوديوهات الخيانة والقذف والتشويه؟؟
-في الختام..
نحن ضد خطابات الإقصاء وضد العنف اللفظي في الساحة السياسية، والجزائر تحتاج رئيساً شرعياً، بطرق النزاهة والديمقراطية الحقة وغير المشوهة، لذلك نريد خطاب التهدئة وممارسات التنازل بين الجميع، وإرادة الشعوب لا تقهر، ولا فرق هنا بين الجزائر أو لبنان، فكل الشعوب تريد قرارها السيادي وتريد حريتها وكرامتها.
قد يكون الحراك الشعبي العربي، في سلميته وتحضره، هو الطريق الوحدوي العربي الجديد، يقول شاعر الثورة الجزائرية الكبير مفدي زكريا وهو يتغنى بالوحدة العربية:
وفي المغرب الجبار نشدت وحدة.
سبقت بها في فجر عمري أقراني
وأحببت أوطاني رضيعا ولم أزل
أغني مع الدنيا بأمجاد أوطاني
وهمت بأبناء العروبة يافعا
أرى كل أبناء العروبة إخواني
في الأخير….نتمنى أن يحافظ الأشقاء اللبنانيون على وحدتهم الوطنية، وأن يجعلوا من حراكهم الشعبي في الساحات عنوانا عربيا آخر للسلمية والتحرر…. ونسأل الله أن يمنح الجزائر السلم والأمن وأن يوفق أهلها للوفاء بعهود الشهداء.