في رحاب الشريعة

أخطاء في بناء الأسرة من العقود والشهود إلى خطر الهاتف والوعود/ محمد مكركب

مما لا يختلف فيه اثنان من العقلاء أن الله يَسَّر لنا الحياة ولم يكلفنا مالا طاقة لنا به، وهدانا نحن معشر المؤمنين خاصة وجعل سعادتنا في اتباع منهاج ربنا، فقد يسر لنا الكتاب وفتح لنا الأبواب، وقال لنا:﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ ولكن الإنسان هو سبب شقاء نفسه، ومن أسباب الأحزان والخصومات تلك الأخطاء التي يرتكبها الأزواج قبل الزواج وبعد الزواج، ويشترك في الخطأ الشبابُ وآباؤُهم وأمهاتهم، وَوُلَاةُ الأمور من العلماء والقضاة الذين يعقدون لهم عقود الزواج، دون تعليم ولا تفقيه ولا تبصير ولا توفر شروط الإحكام والأحكام والتدبير.

وكثيرا ما تبدأ الغلطات من الخطبة قبل الزواج والنصيحة للفتاة بأن لا تعطي رقم هاتفها للخاطب، ولا علاقة له بها ولا بهاتفها أبدا ولو بعد العقد حتى تذهب إليه ثم تعطه رقم الهاتف أو الهاتف كله إن شاءت فهما وشأنهما بعد الزفاف، أما وأنتِ ما زلتِ في بيت أبيك فكأنك لا تعرفينه ولا يعرفك إلا في اتصالات رسمية بينه وبين والديك أو يكلمك تشاورا جدا في بيت أبيك مع محرم، وهذا صيانة له ولجولته هو أولا، ولكرامتك أنت كذلك ولأسرتيكما معا، فلو تكون عنده بنت في المستقبل، أو له أخت في الحاضر لا يرضى لها التميع والوقوع في هفوات كلامية تؤدي إلى سوء الفهم، وكم هي التواصلات بين الخاطبين أو بين الزوجين قبل الدخول كانت سببا في فسخ الخطبة أو الطلاق على كثير من المرارة والحزن. وكذلك تقال النصيحة للخاطب، بأنه لا يخطب حتى يكون قادرا على الزواج ومستعدا له كل الاستعداد في الحين، وأن يبتعد عن تصرفات العاجزين والمراهقين، وهي أن يخطب ثم يبحث عن المسكن، أو يخطب ثم يكمل الدراسة، أو حتى يكمل الخدمة الوطنية، يقال له ابتعد عن كل هذا. اقرأ وابحث فإذا كنت مستعدا فاخطب وتزوج في أسبوعك، وإذا كنت خطبت قبل قراءتك هذا المقال وأنت في انتظار موعد العقد والزفاف، لا تكلمها ولا تكلمك هاتفيا ولا لقاء مباشرة، لتصون أنت شخصيتك ولتحفظ لمخطوبتك كرامتها، ومن باب العتاب الأدبي يقال لك ما دمت قبل الزفاف، وهي مازالت في بيت أهلها، لا تقل لها لماذا فعلت كذا، أو لا تفعلين كذا. هي الآن تحت مسئولية والديها، فإذا أردت أن تظهر رجولتك فأتمم الشروط والإجراءات بالمحبة والتفاهم وخذ زوجتك لبيتك وأمر كما تشاء بما يرضي الله تعالى، أما وهي في بيت أهلها فهي تحت مسئولية أهلها، ولا شأن للخاطب بها.

1 ـ الخطأ الأول: عندما يستهينون بالإشهاد، أي لا يعطون لشهادة الشهودة حقها، عندما يذهبون إلى القاضي أو الموثق، أو إلى البلدية، لا يبحثون عن شهود من أهل العقل والحكمة والذين يعرفون العائلتين حق المعرفة، حينها عندما يشهدون فكأنهم يقولون للزوجين مباشرة لا تلعبوا بهذا الزواج فإننا ها قد شهدنا عليكما ونحن نعلم أنكما تزوجتما بإرادتكما وحريتكما فلا شكوى بعد هذا ولا خيانة ولا ظلم وأن حياتكما الزوجية معا هي مصيركما إلى حد موت أحدكما. فبعضهم لا يكلفون أنفسهم شيئا، وهم ذاهبون إلى مكتب مصلحة عقود الزواج بالبلدية يمرون إلى مقهى يصطحبون اثنين للشهادة وأحيانا الشهود لا يعرفون الزوجين ولا الأسرتين، والزوجان لا يعرفان الشاهدين؟! ولذلك الزوج غير الواعي المراهق الذي يعقد على الزوجة وهو لا يفقه قيمة الزواج بل وربما لا يعرف لماذا يتزوج؟ وربما يُطَلِّقُ قبل الدخول، لا لشيء إلا لأنه كصبي يقول لها هاتفيا لا تتكلمي مع فلان، ولا تذهبي إلى بيت فلان، وهي تجادله بتبيان ظروفها، ومن كلمة إلى كلمة تحدث الخصومة ويحدث الطلاق، ولا يبالي هذا الزوج الصبي المراهق بقيمة العقد ولا بقيمة الشهود، لأنه لا يعرف الشهود ولا يعرفونه أصلا؟! ومع شهود المقهى تذهب مواعيد المقهى على صفحات الفضاء الأزرق الذي صار يُؤَرِّق ويُغْرِق ويَسْرِق، مع خفة عقل الصبي المراهق، الذي تزوج دون تدريب ولا تزكية ولا تهذيب.

2 ـ والخطأ الثاني: عدم الإشهاد عند الطلاق. فهم في الزواج أشهدوا شاهدين من المقهى، وفي الطلاق يكتفون بكلمة يرسله زوجا مراهقا عبر غضبة، أو بواسطة هاتف من المقهى (راكي طالق) قالها وسَوَّدَ بها فضاء الأسرتين، وأفسد العلاقة بين الأحباب، وترك المرأة وأهلها في حزن، ولا يبالي بالعواقب، ولا حضور حكمين، ولا شهود، ولا انتظار جلسة حكم القاضي، ولا أحد يقول له: أين شهودك على الطلاق، ولماذا طلقت؟ وعندما تسأل الزوجة المسكينة عن حالها يقال لها مادام تلفظ بالطلاق فأنت طالق!! وأكثر من هذا إذا قال لها: بالثلاث فقد بانت منه بينونة كبرى، والغريب أنه هو نفسه الذي خالف الأحكام والآداب يصبح نادما يبحث عن الحلول كيف يسترجع زوجته.

3 ـ الخطأ الثالث: إجراء عقد الزواج قبل وليمة البناء بمدة، وقد تطول كثيرا، والمفروض أن عقد الزواج يكون يوم الزفاف بالذات، وحتى الخطبة كما ذكَّرْتُك وأُذَكِّرُك، لا تكون بمدة طويلة، ولكننا الآن نبين خطأ العقد الْمُبَكِّر وترك المرأة في منزل أبيها، عندما يعقد الزوج على المخطوبة، لكنه لم تزف إلى بيته، وتركها عند والديها!! أسبوعا؟ أو أسبوعين؟ قد تصل المدة إلى السنة أو أكثر، وهذا الخطأ يرهق العائلتين، فالزوج تزوج وهو عاجز على الزواج!! ومن جهة أخرى يريد أن يتحكم في زوجته وهي ليست في بيته؟

4 ـ الخطأ الرابع: تقديم المهر قبل العقد وقبل يوم الزفاف كما بينت، فبعض الخاطبين يأتي بالصداق ويسلمه لأهل المخطوبة، والمخطوبة تستهلكه في مستلزماتها، وربما تُفْسَخ الخطبة، وتكون قد صرفت الصداق، وتتعقد المشاكل، وتشتد الخصومات ومعها الأحزان، فالصداق يقدم في مجلس العقد يوم الزفاف، لأن قبل يوم الزفاف، وقبل إبرام العقد في ذلك اليوم يكون كل من الخاطب والمخطوبة في حل من أمرهما. أي أن قبل العقد، (قبل يوم الزفاف) لا شأن للخاطب بمخطوبته ولا يتصل بها، إنما يتصل بولي أمرها. وبعد العقد لا تبقى في بيت أبيها إنما الزوج عَقَدَ على زَوْجَتِه وصارت في عصمته وجب عليه أن يزفها إلى بيته، فإذا كان لا يقدر، كان عليه أن لا يعقد، إما أن يعقد ويبني، أو يترك ويتهنى ويهنِي.

 5 ـ الخطأ السادس: طول مدة الخطبة. بعض الشباب يتخاطبون يتقدم الشاب وأهله لخطبة فتاة ويتفقون على الزواج مستقبلا، وتطول المدة (مدة الخطبة) في انتظار إكمال الدراسة، أو البحث عن المسكن، أو الوظيفة، وغير ذلك من الأسباب، ويصير الخاطب يتدخل في كل كبيرة وصغير في شأن المخطوبة. وتكثر بينهما الاتصالات الهاتفية، ومن كلمة إلى كلمة تسوء العلاقة.

6 ـ الخطأ السابع: خطأ التواصل بالهاتف بعد الخطبة أو بعد العقد. ولا يجوز أدبا في منطق علم النفس والاجتماع أن يستمر التواصل عبر الهاتف عن كل صغيرة وكبيرة، والنصيحة هنا للرجال إن كانوا رجالا حقا، وأشير هنا بناء على ما سبق إلى: أن الخطبة لا تكون لشهور إنما لأسبوع أو أقل، فالمنطق يقول: إذا كنت غير قادر على الزواج لماذا تخطب أصلا؟ لأن الإقدام على خطبة امرأة من قِبَلِ رجل معناه أنه صار في حاجة إليها ليتزوجها ويأخذها إليه، ولا يخطبها ويقول لها مازلت غير قادر وانتظريني، لماذا لا يقول هذا لنفسه؟ انتظري يا نفسي حتى أكون قادرا وأتقدم لخطبة من تصلح لي وأتم إجراءات الزواج في أسبوع؟. وافهم أن المثل [زواج ليلية تدبيره عام] يعني التفكير والتدبير والبحث والتحري قبل الخطبة أصلا، فإذا فكرت واستشرت واستقر رأيك فقد تم العام واخطبها واعقد عليها وخذها بحب وحلال.

7 ـ الخطأ الثامن: في أن المشرف على عقد الزواج بالبلدية أو المحكمة، أنهم لا يسجلون الشروط التي يتفق عليها الزوجان. والمفروض أنه يضاف فصل في دفتر الزواج لبيان أحكام الزواج من القرآن والسنة وقانون الأسرة، ويوقع الزوجان على ذلك. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com