الكاتب والباحث عبد القادر عزام عوادي في حوار مع جريدة البصائر/ حاورته : فاطمة طاهي
“زعماء من جمعية العلماء في الهياكل الأساسية لجبهة التحرير”
“الثورة الجزائرية لم تكن ثورة وطنية فقط، كانت ثورة إنسانية استفاد منها العالم”
“إدراج المادة التاريخية مع الثورة الالكترونية”
تطرق الباحث في تاريخ الجزائر، الدكتور عبد القادر عزام عوادي، في حوار له مع جريدة البصائر الجزائرية، للحديث عن جذور الفعل الثوري، هذه الجذور التي أدت الى قيام الثورة التحريرية المباركة، مشيرا الى دور طلبة جمعية العلماء المسلمين الجزائرين في الثورة التحريرية، وذلك من خلال انخراطهم في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني، كما تحدث عن الدور المحوري للمنظمة الخاصة في الاعداد العسكري للشباب الجزائري، فضلا عن نقاط أخرى تاريخية مهمة والتي دفعت بالشباب الى حمل السلاح، في نفس السياق تحدث عن مكانة جيش وجبهة التحرير في ادراج العدو الى طاولة المفاوضات، وتغيير معالم العالم بأسره، اذ لم يكن التغيير مقتصرا على الجزائر فقط وحسبه “لم تكن ثورة وطنية فقط انما ثورة إنسانية”، وحول الوسائط الجديدة أضاف الباحث أنه لابد من البحث عن الطرق والمناهج لإيصال التاريخ لشباب مواقع التواصل الاجتماعي ومرافقتهم في هذه الوسائط، اضافة الى نقاط أخرى عن مواضيع تاريخية أشار اليها الباحث من خلال أبحاثه ودراساته التي قام بها عن تاريخ الجزائر ابان الحقبة الاستعمارية.
نبذة تقديمية عن شخصكم الكريم لقراء جريدة البصائر؟
تحية طيبة لك ولجميع قراء جريدة البصائر المرموقة، معكم الباحث عبد القادر عزام عوادي، من مواليد 18 ماي 1990 من بلدية تغزوت ولاية واد سوف، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، وباحث وكاتب في مجال تخصصي.
- بداية حدثنا عن مؤلفاتكم؟
- الحمد لله أكرمنا الله بنعمة الكتابة، وأصدرنا مجموعة من المؤلفات في ميدان البحث التاريخي والكتابات العامة خاصة منها ما يخص شؤون الرأي والمجتمع في المجالين الفكري والثقافي.
فكان لنا أول إصدار تحت عنوان “هجرة سكان وادي سوف إلى تونس خلال الفترة 1912/1962“، وكتاب “مقالات وآراء في الفكر والتاريخ والثقافة“، ثم إصدار تحت عنوان “أخبار وادي سوف من خلال جريدة النجاح (1924-1956) –الجزء الأول-“، وكتاب حول “هجرة سكان وادي ميزاب إلى تونس ودورهم في الحياة الثقافية والسياسية بتونس (1881/1956)“، ودراسة أخرى تحت عنوان “مزاب والمزابيون من خلال تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد الله“، ومجموعة دراسات تحت عنوان “دراسات وأبحاث في الحركة الإصلاحية لبني مزاب خلال الفترة 1917-1962“، وآخر إصدار حاليا هو “شموع تأبى الذوبان“.
- تستعيد الجزائر ويستذكر الجزائريون الذكرى 65 من اندلاع الثورة التحريرية المباركة، وأكيد أن قيام الثورة كان نتيجة لما آلت إليه أوضاع الجزائر السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونتيجة للسياسة العسكرية التي انتهجتها فرنسا في الجزائر، فكان لابد من القيام بثورة كبرى تحقق الاستقلال للجزائر أرضا وشعبا، بداية حدثنا عن جذور الفعل الثوري؟
- لقد كانت الثورة التحريرية المباركة حتمية تاريخية نظرا للوضع التاريخي الذي كانت تعيشه الجزائر، ونظرا للظروف التي شهدتها الجزائر بداية من مجازر 8 ماي 1945 إلى غاية الأزمة التي أصابت حركة انتصار الحريات كلها عوامل عجلت على تفجير الثورة المباركة.
فالشباب الذي رجع من الحرب العالمية الثانية، ووجد أثار المجازر، وفقد الأهل والموطن، بدأ يحمل في نفسه بذور إخراج فرنسا بالقوة، وهو ما حصل بالفعل عندما تم إنشاء المنظمة الخاصة سنة 1947، هذه المنظمة العسكرية التي ضمت في صفوفها شباب الحركة الوطنية والمناضلين الجزائريين، وتكونوا تكوينا عسكريا، وبدأ صراع الأجيال داخل الحزب، وبدأ جيل الشباب يريد أن يفرض نفسه في مسار التاريخ الوطني، وهو ما حدث بالفعل خاصة بعد اكتشاف المنظمة والأزمة التي ضربت الحزب من الداخل، كل هذا سرع من التعجيل في العمل الثوري.
- المنظمة الخاصة هي قلب الثورة، هي التي دفعت شباب الجزائر إلى حمل السلاح حدثنا عنها وعن دورها المحوري في قيام ثورة التحرير المباركة؟
- تعتبر المنظمة الخاصة هي المدرسة العسكرية التي تخرج منها أغلب رواد الثورة التحريرية، ولقد كان لهذه المنظمة دور ريادي في الإعداد العسكري والنفسي للمناضلين المنخرطين، ومن خصائص هذه المنظمة هو مبدأ السرية والكتمان الذي حرصت على تطبيقه، وهو ما جعلها تستمر لفترة معتبرة من دون أن يشعر بها الاستعمار وأذنابه، وكانت تختار مناضليها بعناية فائقة، وتقوم بتمريرهم على جملة من الاختبارات حتى تتأكد من مدى جاهزيتهم وصدقهم للعمل النضالي.
كما قامت المنظمة بدور ريادي في عمليات شراء ونقل الأسلحة، وكان لها في هذا الميدان أشواط هامة، حيث كانت عمليات نقل السلاح وشراءه وتخبئته أمر صعب وخطير في ظل المراقبة الاستعمارية، وقام كل من محمد بلوزداد والعربي بن ميهيدي ومحمد عصامي وعبد القادر العمودي وميهي بلحاج بهذه العمليات لصالح المنظمة الخاصة، ولقد كان هذا السلاح فيما بعد هو الركيزة الأساسية الذي انطلقت به الثورة التحريرية المباركة.
كل هذه المنطلقات جعلت من المنظمة الخاصة، هي المدرسة النضالية والعكسرية التي خرج منها هؤلاء الشباب الذين تحملوا إشعال فتيل الثورة المباركة في غرة نوفمبر 1954.
- ربما دكتور القطرة التي أفاضت الكأس من أجل اندلاع الثورة التحريرية هي مجازر 08 ماي 1945، التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الآلاف من الجزائريين واستدمار لمئات من القرى والمداشر، حدثنا عن هذا التاريخ ودوره في قيام ثورة نوفمبر المباركة؟
- مجازر 8 ماي 1945 كانت بالنسبة للجزائريين نكسة وخيبة عظيمة، ولكنها في سياقها التاريخي تعتبر قطرة من تيار المجازر والقتل والتشريد والطغيان في حق المجتمع الجزائري، ولأن مجازر ماي وقعت في ظل سياق تاريخي معين فلقد كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للطبقة السياسية الجزائرية، وخاصة منها فئة الشباب الجزائري، ذلك الشباب الذي كان مجندا في صفوف الجيش الفرنسي ويحارب في الجبهات الأوروبية للدفاع عن فرنسا وتحريرها من النازية، يجد نفسه بين عشية وضحاها في بلده يتحمل ويتجرع ألم فراق الأهل والأبناء والأصدقاء والأحباب.
هذا الشباب الذي أخذ تجارب الحياة العسكرية في جبهات القتال، وواجه مرارة الحياة الاستعمارية عندما عاد منها هناك، هو نفسه الشباب الذي سوف يحمل السلاح ويستعد لإخراج فرنسا بعد ثورة نوفمبر 1954.
لذلك تعتبر مجازر 8 ماي نقطة تحول نفسي وتاريخي في تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وكانت الدماء التي جرت كالأنهار في شوارع مدن الجزائر، هي الدماء التي سوف تروي فسائل الحرية والاستقلال مع فجر نوفمبر المجيد.
- كباحث في تاريخ الجزائر في الفترة الاستعمارية حدثنا كذلك عن دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الثورة التحريرية؟ وكيف سمحت فرنسا لمعارضها كابن باديس والعربي تبسي والطيب العقبي بالقيام بنشاطهم الإصلاحي، وببناء أكثر من 136 مدرسة قرآنية و100 مسجد حر؟
- قبل الإجابة عن دور جمعية العلماء في الثورة المباركة، أود القول أنه لا يستطيع أي إنسان أن ينكر دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مسار الحركة الوطنية الجزائرية، وخاصة في بناء الإنسان الجزائري، لقد أسهمت جمعية العلماء في شق عظيم وهو الجانب التعليمي والإصلاحي، وعندما يتم بناء إنسان واع لواقعه ومدرك لمستقبله، فسوف تكون مسألة التحرير من القيود والعبودية هي مسألة جوهرية لديه، ولذلك نجد أن مفجري ثورة التحرير المباركة كان أغلبهم من خريجي مدارس أو من منخرطي كشافة الحركة الإصلاحية الجزائرية، ونلاحظ ذلك طبيعة اجتماعاتهم وفي بيان أول نوفمبر بعد ذلك.
أما عن دور جمعية العلماء في ثورة نوفمبر فلقد أسال الكثير من الحبر، بين مؤيد ومعارض وناكر وجاحد ومدافع بطريقة مستمية من غير البحث عن الحقيقة، فجمعية العلماء كانت مثلها مثل باقي طوائف الحركة الوطنية الجزائرية، تلقت خبر الثورة المباركة عن طريق الأحداث التي قام مفجري الثورة، ووقعت الصدمة عند الجميع بكل تياراتهم ومشاربهم، ولقد كان رئيس الجمعية في القاهرة الشيخ الإبراهيمي حيث أصدر بيانه الشهير رفقة صديقه الورتيلاني يبارك هذه الهبة والثورة مع عدم معرفته من يكون وراء هذا العمل.
فكانت بذلك الجمعية ممثلة في رئيسها الإبراهيمي من أوائل من أيدوا تلك الأحداث التي وقعت في غرة نوفمبر، ثم بعد ذلك نجد أن جحافل من طلبة جمعية العلماء ينخرطون في جيش وجبهة التحرير الوطني، لنجد بعد ذلك زعماء من جمعية العلماء يكونون في الهياكل الأساسية لجبهة التحرير، والدراسات كثيرة حول هذا الموضوع من أراد العودة إليها والبحث عن الحقيقة من أصولها.
بالنسبة لسؤالك الثاني، في مرحلة معينة خاصة بعد مرور قرن عن احتلال الجزائر، أصبحت فرنسا تضن أنها تمكنت من المجتمع الجزائري، وأن هذا المجتمع تم القضاء على مقوماته وأركان هويته، فلذلك نجد أن فرنسا فتحت المجال لجمعية العلماء في بداية الأمر لكونها استهانت بهذه الجمعية والثلة من العلماء القائمين عليها، فبدأ العلماء في إنشاء المدارس في المدن والقرى والمداشر، ويعملون بدون توقف ويتنقلون ليلا ونهارا لكل بقاع الجزائر العميقة، فأسسوا ما ذكرته من مدارس ومساجد وغيرها من مؤسسات ثقافية، خلالها علمت فرنسا أنها أمام مشروع بناء وطني إصلاحي، فتصدت لهذا الأمر من خلال عدة قوانين لمنع تعليم العربية وإنشاء المدارس والرخصة بالتدريس والتضييق عن العلماء وعن جرائدهم، ومساومة هؤلاء العلماء في الكثير من نشاطاتهم وأعمالهم، فلم تكن أعمالهم تقام بطريقة سهلة وسلسة كما يظن البعض فلقد لاقوا الصعوبات العظيمة سواء من طرف الاستعمار ومن مرضى القلوب من أبناء جلدتهم.
- حدثنا عن الدور الريادي لجيش التحرير الوطني كحركة تحررية؟
- تعتبر الثورة التحريرية من أبرز الثورات التحررية التي شهدتها الإنسانية في القرن العشرين، ولقد كان جيش وجبهة التحرير الوطني، يرسمان معالم التغيير في العالم أجمعه وليس في الجزائر فقط، فلقد أصبحت الثورة المباركة مضرب المثل في كل أصقاع العالم الغربي والشرقي في تلك المرحلة.
ولأن فرنسا كانت تريد الحفاظ على الجزائر، فلقد نالت الكثير من الدول الإفريقية والعربية استقلالها، بفضل اندلاع الثورة المجيدة، ولكي تستجمع فرنسا كل قوتها في ضرب والقضاء على جيش التحرير الوطني، ولكن هذا الجيش قدم دروسا في النضال والتضحية، وأركع العدو وجعله يذهب لطاولة المفاوضات.
- دكتور عبد القادر عزام عوادي كباحث في التاريخ، ألا تظن أن هناك غموض أو جهل في بعض الحقائق التاريخية لثورة نوفمبر أو تاريخ الجزائر بصفة عامة؟
- تاريخنا الوطني مليء بالأحداث، وخاصة فترة الثورة التحريرية المباركة، فهي فترة متسارعة الأحداث ومتنوعة المجالات، فلقد كان الصراع متعددا وفي كل مناحي الحياة، ولأن الثورة الجزائرية لم تكن ثورة وطنية فقط وإنما كانت ثورة إنسانية استفادت منها الشعوب الكثيرة في شتى بلاد العالم، وأخذت منها عديد الدول العبرة والدروس، ولأنها ثورة وقعت أحداثها في سنوات قليلة ماضية، مازال الكثير من أحداثها ومجرياتها يكتنفها بعض الغموض والسرية في بعض جوانبها الأخرى، وهذا أمر طبيعي، والتاريخ والزمن هو من سيكشف عن هذه الحقائق مستقبلا، أما عن الجزء الثاني من السؤال الجهل بالتاريخ فهي أزمة نعيشها بسبب بعدنا عن الاهتمام بتاريخنا الوطني وهذا الموضوع يحتاج لحوار خاص ورؤية شاملة.
- الثورة المباركة أسالت الكثير من الحبر ولا تزال تسيل الكثير منه سواء من قبل محبيها من أهلها وأصدقائها وحتى من أعدائها، في رأيكم ما سر كل هذا الاهتمام حتى من الأعداء؟
- لأنه كما ذكرنا سابقا، الثورة الجزائرية هي ثورة إنسانية وليست فقط ثورة اقتصرت جغرافيتها على الجزائر، ولذلك نجد أنها شغلت رأي الكثير من المهتمين وكتبت عنها الصحافة الدولية في كل أصقاع العالم، واهتم بها المؤرخون والمفكرون من شتى الجنسيات والأيديولوجيات، ونجد كتابات متنوعة ومتعددة عن الثورة التحريرية، وكل فئة كتبت من وجهة نظرها، فنجد الروس والأمريكان والفرنسيين والبريطانيين وغيرهم كتبوا حول الثورة التحريرية بوجهات نظرهم، ونجد حتى اليهود الذي عايشوا وعاشوا فترة الثورة يكتبون عنها من رؤيتهم الخاصة، وهذا الأمر يحتم على الباحثين أن يهتموا به ويترجموا كل هذه الكتابات عن علم وندرك ما يقوله الآخر عن ثورتنا وتاريخنا ومسارنا.
- قيل أن البحث التاريخي أنه ضحية بين ندرة المحترفين وكثرة الهواة والمتعاملين، ما هو طرحكم عن واقع البحث التاريخي في الجزائر وتاريخ ثورة التحرير بالخصوص؟
- إن الكتابة ظاهرة صحية، لأن أمة معروفة بعدم الكتابة كما ذكر ذلك أبو القاسم سعد الله عليه رحمة الله في العديد من المرات، ولكن تبقى فيما طبيعة ونوعية الكتابة التي تصدر للمكتبة الوطنية، ولأن التاريخ هو ذاكرة الأمة يجب مراعاة الكثير من الشروط الواجب اتباعها في نشر هذه الكتابات حتى نحافظ على سلامة ذاكرتنا الوطنية وهويتنا.
وهناك الكثير من الكتابات التاريخية التي كتبها الهواة غير المتخصصين تمتاز بالكثير من الدقة والموضوعية ومملوءة بالمعلومات القيمة، وهناك الكثير من الدراسات التاريخية الأكاديمية التي تحمل عكس ذلك، فليست الدراسات المنشورة من طرف الهواة عقيمة في أغلبها، وليست الدراسات المتخصصة سليمة في أغلبها، وإنما يجب أن تكون هناك مؤسسات رسمية تعنى وتختص بتاريخ الجزائر وثورة التحرير المباركة حتى نحافظ على رؤية وطنية في كتابة تاريخنا الوطني.
- كتابكم “هجرة سكان وادي سوف إلى تونس”، خلال 1912 1962، إضافة متميزة للمكتبة الجزائرية، حدثنا عن هذا الإصدار وعن دور منطقة وادي سوف في دعم الثورة التحريرية؟
- الكتاب هو عبارة عن دراسة أكاديمية قدمتها بجامعة واد سوف، ثم بعد إعادة تنقيحها تم إصدارها في شكل كتاب، والحمد لله أن هذه الدراسة لاقت القبول من طرف الباحثين والمهتمين خاصة بمثل هذه المواضيع التاريخية والاجتماعية، أما عن مساهمة واد سوف في الثورة التحريرية فالمجال لا يتسع لسرد دور المنطقة، ولكن أقول أنها كانت قبيل الثورة هي الممول الأساسي للمنظمة الخاصة ولثورة التحرير بالسلاح، ثم بعد ذلك كان أبناء المنطقة قد تقلدوا الكثير من المناصب الهامة وقادوا المعارك الكثيرة والكبيرة سواء بالمنطقة أو خارج المنطقة ووادي سوف مثل كل مناطق الجزائر كانت مسرحا لمعارك التحرير والمعاناة خلال فترة الثورة المباركة.
- حدثنا كذلك عن موضوع “هجرة بني ميزاب إلى تونس” وعن دورها السياسي والثقافي خلال الفترة الاستعمارية، والتي كنتم قد تطرقتم إليها في بحثكم في الماجيستير؟
- لعب بني مزاب دورا كبيرا في الحياة الثقافية والسياسية التونسية أثناء تواجدهم كمهاجرين جزائريين هناك في تونس، ولقد كانت لديهم فئة كبيرة هناك متواجدة في تونس بالإضافة إلى السوافة وسكان منطقة الشمال القسنطيني، ولكن إسهام بني مزاب كان إسهاما ملموسا ورائدا، حيث نجد أن من بين مؤسسي الحركة الوطنية التونسية جملة من الميزابيين من بينهم الشيخ أبي اليقظان والشيخ أبي إسحاق اطفيش والشيخ صالح بن يحي وغيرهم، ولقد قام بعض الميزابيين بالتواصل مع الأمير خالد من أجل ربط الحركة الوطنية التونسية بالحركة الوطنية الجزائرية وتوحيد العمل السياسي، كما ساهم الميزابيون في الحياة الثقافية من خلال إصدار الجرائد والمجلات والكتابات والمشاركة في الحياة الأدبية والثقافية سواء الشعر أو المسرح وغيرها.
- نحن نعيش ثورة الكترونية رهيبة، كيف يمكن نقل التاريخ إلى شباب مواقع التواصل الاجتماعي من أجل مواكبة هذه التطورات وإيصال لهذه الأجيال ما يفيدهم من تاريخهم وبالطريقة التي يفهموها؟
- الجيل الحالي، جيل يبحث عن المعلومة السريعة، وجيل يتعامل بالصورة والفيديو أكثر من التعامل بالكتابة والكتاب، لذلك يجب علينا أن نجد وسائل ومناهج وطرق تجعل المادة التاريخية تتناسب مع هذه الثورة الالكترونية الجديدة، وهناك الكثير من المواقع العالمية التي أصبحت تنتج أفلاما قصيرة لأحداث تاريخية أو شخصيات تاريخية، حيث تجعل المعلومة تصل بطريقة سهلة وسليمة ممتعة في نفس الوقت.
فلذلك يجب على الباحث والمؤرخ أن تكون لديه دراية بمقتضيات العصر، وأن يتداخل مع أهل التخصصات التكنولوجية حتى يتم إنتاج مادة تاريخية بطريقة الكترونية تتأقلم مع ذهنية الجيل الجديد.
- ماذا يمثل لك الشيخ أبو القاسم سعد الله؟
- شيخ المؤرخين، هو مدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بالنسبة لي هو مثلي الأعلى ميدان تخصصي وتعد كتاباته ودراساته نبراسا لكل باحث، والجميل في سعد الله أن يعلمك كيف تبحث وكيف تفكر وليس فقط يقدم لك مادة معرفية، لذلك يجب على كل الباحثين الاهتمام وقراءة أعمال سعد الله حتى يتعرفوا عن منهجه في الكتابة، وأتمنى أن يتم تخصيص مقاييس جامعية تعنى بهذا الجانب حتى نؤسس لمدرسة وطنية في التاريخ وغير التاريخ مبنية على رؤيته وعلى رؤية غيره من المتخصصين.
- نصيحتكم للشباب، كيف نقرأ لتاريخنا؟ ولمن نقرأ؟ وكيف نستفيد من تاريخنا؟
- ربما قبل أن نقدم نصيحة للشباب أو أقدمها للمختصين والباحثين، أن يحاولوا أن يكونوا متقاربين مع الجيل الحالي والشباب الجزائري الذي يعيش أزمة في معرفة تاريخية وأزمة هوية ومرجعية كبيرة إذا لم ننتبه لها ونتفاداها ستكون مآلاتها خطيرة.
ونصيحتي للشباب أن يكون ذو همة وعزيمة لخوض غمار البناء الحضاري خاصة في ظل ما نعيشه من تحولات في بلادنا، ولكي نضع القواعد على أسس صحيحة وثابتة يجب أن نكون مدركين لماضينا وتاريخينا وجذورنا وأصالتنا وهذا كله لا يأتي إلا بدراسة التاريخ ومعرفته ووعيه وعيا كاملا.
فالمسؤولية هي مسؤولية جماعية، للنخبة والشعب والمؤسسات، فالمدارس والجامعات والإعلام والمؤسسات الخاصة والعامة كلها يجب أن تكون شريكة في تنوير الشباب الجزائري بتاريخه وحثه على دراسة وقراءة المراجع الأساسية في معرفة تاريخه النضالي والثقافي والتعرف على شخصيات وطنية رائدة.