إنه لأسف شديد/ أ. د. عمار طالبي
سمعنا في الأسبوع الماضي بيانا أصدره جماعة لا نشك في وطنيتهم، يعترضون على الانتخاب، وهو سبيل معاصر للديمقراطية. لا سبيل غيره لحد الآن، لأن إرادة الشعب وسلطته الدستورية إنما تظهر وتتجسد في الصندوق، وهؤلاء يتخوفون من التزوير وعدم النزاهة، واستمرار النظام القديم، وهو خوف مشروع، ولكن لم يشيروا علينا بطريقة أخرى واضحة للخروج من هذه الأزمة التي طالت، ويكاد الاقتصاد الوطني ينهار، ونحن بقيت لنا من النظام القديم لوحة دستورية نعبر بها بحر الأزمة إلى شاطئ النجاة إن شاء الله.
نسمع ونقرأ وعودا مؤكدة من المؤسسة الدستورية العسكرية بضمان أن تسير الانتخابات بصورة يعبّر بها الشعب عن إرادته، وأنه لا يُقدِم الجيش على ما كان من قبل من تجربة مرة مزيفة، ولا تنوي هذه المؤسسة أن ترشح أحدا ممن يبدو ظاهرا أنه مرشح حر، ثم ننصب الحيل ووسائل التزوير خفية، ونعود إلى ما كنا عليه من الاستبداد والحكم العسكري.
ويبدو لحد الآن أن هذا الضمان واضح ومؤكد مرات عديدة.
كما أنه لا يحكم على هذه الانتخابات مسبقا على أنها تكون مزيفة حكما جزافا، ونحن نتوقع أنه بمجرد انتخاب رئيس ديمقراطيا للبلاد تذهب كل رموز النظام القديم، وندخل مرحلة جديدة من حياتنا السياسية.
ومحاكمة الفساد لاشك أنها علامة على ذلك، ليغيب المال الفاسد، كما تغيب الإدارة الحالية من مسرح الانتخاب.
ويبدو أن وجود هذه السلطة المستقلة قانونيا وماليا لها القدرة على الإشراف على الانتخاب، ومراقبته وإن لم تكن كافية كاملا، فإنها تقلل من فرص التزييف.
ونحن ندعو أعضاءها إذا تبين لهم ما يؤدي إلى التزييف أن ينسحبوا، وأن يعلنوا ذلك للناس، لأنها مسؤولية، وشهادة التي لا يجوز أن تكون شهادة زور، وتزييف وافتراء على الشعب.
ثم هل إن هؤلاء الإخوة حفظهم الله يضمنون لنا انتخابا حرا ديمقراطيا شفافا وقد وجهت لبعضهم دعوات شعبية ومن الحراك أن يتقدموا إلى الميدان بتوافق، وأن يبحروا بالسفينة إلى أن تنتهي الأزمة. ولكن في الحقيقة لا تصل إلى نهايتها إلا بالانتخاب وينبغي أن يسدّ التعيين بسياج من الحديد، إذ أنه طريق الاستبداد، والتسلق إلى السلطة من غير بابها، وقد حذر كثير من الناس من عاقبة بقاء هذه الأزمة وطولها الذي يؤدي إلى طريق مسدود، ترغب فيه جماعة معينة ألفت التسلق للسلطة بطريق أو آخر في فرص الفوضى والشغب لتأتي دكتاتورية جديدة بطريق معوج غامض.
لقد جاء هذا البيان متأخرا جدا، وفات أوانه ونرجو أن لا يكون مثبطا أكثر منه مقترحا لحل. إن الوطن تترصده قوى خارجية ومن يتبعها، ويتبع أصحاب الفساد المالي الذين تحالفوا مع السياسيين، ويبدو أن المال الفاسد لا يجد له مجالا واسعا، إذ ضعف حليفهم السياسي لكن التربص الخارجي لا يزال قائما، وله أنصاره من خفي منهم ومن يظهر صوته في الحراك جهرة أحيانا.
ندعو الله أن يوفقنا للخروج من الأزمة سالمين، ولا شك أن التزوير أصبح صعبا إذا صدقت العزائم، ورقابة الشعب الصارمة.