عود على بدء … في أهمية الرؤية لصناعة مستقبل الجمعية/ د. حسن خليفة
دونما تعمّق في التفاصيل المتصلة بالرؤية وطبيعتها وأهميتها وطرائق صناعتها، وهي ثقافة أساسية لكل فرد أو مؤسسة أو جماعة أو جمعية تريد أن تحقق التقدّم المتواصل والتطوّر المطلوب في عملها، وتجسد الأهداف المبتغاة في مسارها ومن خلال برامجها وأعمالها، ولحسن الحظ فإن هذه الثقافة متاحة بشكل واسع في المراجع العديدة وفي مواقع الشبكة(النت)، كما أن الكثير من الدورات في هذا المجال متوفرة في سياق التدريب والتكوين الذي يحتاج إليه كل واحد منّا في شؤون شتى، وبالأخص أبناء وبنات الجمعية الذين/ واللائي يريدون الاضطلاع ـ على نحو أفضل وأمثل ـ بمسؤولياتهم وواجباتهم، وتحسين آداءاتهم.
* إذا أردنا تبسيط مفهوم “الرؤية” نقول: الرؤية أن نعرف أين نحن؟ وماذا نريد ـ في المسقبل القريب والمتوسط والبعيد؟.
* الرؤية هي أن نعرف كيف يمكن أن نحقق أهدافنا بأقل جهد وفي أقصر وقت ممكن؟
* الرؤية ـ ببساطة ـ هي التصوّر العام للجمعية كما ينبغي أن تكون عليه خلال السنوات القادمة (خمس سنوات ـ عشر سنوات ..أو أكثر). ويمسّ ذلك كل الحقول ذات الصلة بعمل ونشاط وبرامج الجمعية، أي: العنصر البشري، البرامج، الحقول التي تشتغل عليها الجمعية(كالتربية والتعليم ـ الدعوة والإرشاد ـ العلم الشرعي ـ الإعلام والاتصال ـ التنظيم والإدارة ـ .. إلى آخره).
لقد كان من الأمور الرائعة التي تمت دراستها في السنوات الماضية، تحديدا سنة 2014 ذلك الأمر المتعلق برؤية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين(أفق 2031) ـ أي العمل على تجسيد تصوّر كلّي منهجي لما ينبغي أن تكون عليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مناسبة احتفائها بمرور 100 عام على تأسيسها (1931ـ 2031)، أي بعد نحو عشر سنوات من الآن.
وكان من تقدير الله تبارك وتعالى الجميل أن دُرس موضوع الرؤية في الجامعة الصيفية لجمعية العلماء بشكل دقيق وشامل تقريبا، وشاركت في دراسته مجموعات وفرق بحث واستشراف متعددة، كما شارك أيضا رئيس الجمعية بنفسه بمساهمة حدد فيها مستقبل الجمعية، وقد كان النقاش هاما وحادّا في كثير من الأحيان، وتم ما يشبه الإجماع على أهمية أن تولي الجمعية كل الاهتمام وكل العناية لموضوع “الرؤية”؛ بحيث تجتمع الإرادات على صنع مستقبل الجمعية بشكل مدروس، وبمنهجية علمية متينة .
لقد مضت أكثر من أربع سنوات على ذلك اللقاء الذي تمّ فيه بيان أهمية الرؤية وضرورة أن تكون للجمعية “رؤية” تتلمس من خلالها المستقبل، وتحقق به الأهداف المتنوّعة. ولعله يجب التذكير هنا بما كتبه رئيس الجمعية بنفسه عن ذلك، مستهدفا بيان أهمية أن تكون الجمعية كبيرة ورائدة في مجالين على الأقل وهما مجال الرجال (الأعضاء والمنتسبين من الرجال والنساء) ومجال المال والدعم المالي، الذي به تُبنى صروح العلم والفكر والدين والوطن.
قال رئيس الجمعية في مختتم كلمته:
“وفي ضوء هذه المعطيات المقدمة للواقع الوطني اليوم، وبعد تشخيص الداء، وإنّ تشخيص الداء يمثل نصف الدواء، يمكن استخلاص أهم المتطلبات المرحلية، التي ينبغي شحذ أتباع الجمعية العاملين في حقلها الإصلاحي التغييري المنشود.
إننا – بدون أي عناء- يمكن أن نركز على دوائر رئيسية، من شأنها تفعيل العمل الإصلاحي الذي يتحلى به منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهذه الدوائر هي:
1- حشد المثقفين الملتزمين بقضايا الأمة، والاستعانة بهم للإسهام في تفعيل المنهج الإصلاحي، داخل جمعية العلماء.
2- حشد رجال الأعمال، والدفع بهم نحو مشاريع اقتصادية رسالية، ومنها الحث على الصدقة الجارية، والوقف، والهبات في تمويل المشاريع الإصلاحية العامة “نعم المال الصالح للرجل الصالح”. إن المال أداة بناء فعالة، فإذا قيض الله لهذا المال، رجال أعمال مؤمنين صالحين مصلحين، فسيكونون كالحواريين حول عيسى عليه السلام، وكالصحابة حول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكصفوة الأغنياء الذين نهضوا بدعوة جمعية العلماء المسلمين، الإصلاحية في عهدها الأول. لذا نهيب بأبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في كل الشعب الولائية والبلدية، إلى أن يعوا هذه الحقائق، فيجعلوا من السنوات القادمة، سنوات الإعلاء والبناء، والنماء في جميع الميادين، فذلك هو البناء الذي يدوم ويبقى.
وفقكم الله وسدد خطاهم، وجعل الجنة مثواكم﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ .
وكما جاء في مفتتح هذه السطور … إنه تذكير ..عود على بدء . ما يزال أمر الرؤية مهما وضروريا غاية الضرورة، وما تزال الحاجة إلى تحقيق الأهداف المطلوبة من الجمعية ملحّة ومستعجلة وضرورية وعلى قدر كبير من الأهمية والضرورة، ومنها، على الأقل:
ـ وصول عدد المنخرطين إلى عشرات الآلاف، من كل الشرائح الاجتماعية والمستويات الثقافية.
ـ أن يكون عدد الأعضاء العاملين من العلماء والدعاة والأساتذة والأئمة أعداد بالآلاف يحملون همّ الجمعية ويعلون صروحها؛ ومن ضمن أعداد العاملين مئات من رجال الأعمال والمال والخير يرسلون أيديهم وقلوبهم في مشاريع حضارية ودينية وثقافية وشرعية تكون فخرا للوطن الجزائري المتميز في عطاء أبنائه وخيريّتهم.
ـ أن يكون للجمعية مؤسساتها: مدارس ومؤسسات تربوية مكينة، ومعاهد علمية شرعية، وكليات عدة، ومعاهد متخصصة في التكوين والتدريب، ومعاهد للصنائع(الحرف) للذكور والإناث على حد سواء؛ تستوعب بها أعداد المتعلمين الذين انقطعت بهم سبل إكمال الدراسة والتعليم، وتهيء للمجتمع ذوي وذوات مهارات في مجالات عدة يحتاج إليها المجتمع.
ـ أن يكون لها مراكز ثقافية وبحثية ومراكز دراسات في كل ولاية وفي كل مدينة كبيرة؛كما تكون لها مكتبات في الشُّعب تستوعب الباحثين والباحثات وتحتضن الدارسين والمتعلمين.
ـ أن يكون لها إعلام قوي راشد: قناة فضائية، وإذاعة، وصحيفة يومية أو أكثر، وأعداد من المطبوعات والمواقع الإلكترونية ووسائط الإعلام الجديد.
ـ أن تكون الجمعية ضمن الصف الأول من الجمعيات العلمية العلمائية الكبرى في العالمين العربي والإسلامي والأولى على مستوى المغرب العربي (الإسلامي)..
لا ريبَ أن الجمعية حققت على مدار السنوات الماضيات بعضا من الأهداف وأنجزت الكثير مما هو مطلوب منها؛ ولكنها تستطيع بتفعيل “نظام الرؤية” أن تحقق أكثر فأكثر، وأكمل فأكمل، وأولى فأولى.