قضايا و آراء

صفقة القرن في خبر كان/ أ. محمد الحسن أكيلال

 

 

“ترمب” يرتبك

 

يبدو أن السيد “ترمب” قد فقد صوابه وهو يعلن قرار انسحاب قوات بلاده العسكرية من شمال شرق سوريا؛ فالحملة الشرسة التي نظمها ضده الحزب الديمقراطي الذي يبدو أنه هذه المرة قد جعل من اتهاماته له حبلا متينا لفه حول عنقه ولا يمكن له التخلص منه دون التودد إلى غالبية الشعب الأمريكي أو على الأقل المنخرطين في حزبه الجمهوري وناخبيه من الشعبويين والعنصريين.

إن الاتهامات هذه المرة تقترب من طلب محاكمته وعزله من طرف الكونغرس، ولذلك فقد سارع إلى تصريح فيه الكثير من العاطفية حين قال أنه لا يتحمل رؤية نعوش الجنود الأمريكيين ينزلون من الطائرات، وأن التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط وفي العراق خاصة خطأ فادح، أما إرساله لقوة عسكرية إلى المملكة العربية السعودية فهي مكلفة بالدفاع فقط على الأراضي السعودية وأنها أرسلت مقابل مبلغ مالي، كما أن المملكة باعتبارها حليفة لنا لم تقصر يوما في سخائها المعتاد في شراء الأسلحة والقيام باستثمارات عالية التكلفة في بلادنا. هذه التصريحات استحسنها بعض المواطنين كما استحسنها الجمهوريون وهدأت من روعه رغم النقد بل والتهجم الذي سمعه من أصدقائه الصهاينة في الدولة العبرية التي شعرت بأن الصفقة التي أعلن عنها ذات يوم ربما أصبحت في خبر كان وأن الرجل لا يمكن الوثوق فيه ما دام قد خان أكراد سوريا، بل وكل القضية الكردية التي تتعاطف معها هذه الدولة منذ ظهور حزب “البرزاني” في شمال العراق.

ما غاب عن المتتبعين والمحللين حتى في أمريكا نفسها أن الرجل أصلا رجل بزنس، وكل علاقاته وكل تصرفاته وممارساته يخضعها لمنطق البزنس ورقصاته البهلوانية في الشرق الأوسط منذ توليه منصب الرئيس كانت بدافع البزنس ليس أكثر ولا أقل، وهو لم يتورع يوما عن إفصاح بل وبأسلوب وقح أحيانا كثيرة يذل المملكة ودول الخليج، ولم يتورع يوما عن أمرهم بدفع مقابل الحماية.

للحقيقة، فإن “ترمب” ما فعله حين صرح بإعلانه عن الانسحاب من شمال سوريا أنه قد وعد ناخبيه بذلك منذ حملته الانتخابية وأنه كان ينتقد أسلافه الذين أشعلوا الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وفي العراق وسوريا خاصة، والمربك حقا في الموضوع هو تخليه عن أكراد شمال سوريا بهذه الطريقة، وفي هذا لا شك أنه حسب لتركيا حسابها كعضو في “حلف شمال الأطلسي” وإبقاءها على العلاقات الطبيعية مع دولة الكيان الصهيوني والإغراءات التي تتلقاها من كل من روسيا والصين للخروج من هذا الحلف الذي لم تستفد منه تركيا حتى مجرد إمدادها بالصواريخ الخاصة بالقبة الحديدية وطائرات “ف 35”.

 بداية النهاية للأحادية القطبية

“ترمب” كرجل أعمال المولع بالحسابات التي هي كل ثقافته السياسية لم ولن تغيب عن باله فكرة أن الأوان آن لتقلل بلاده من غلوائها وخيلائها، فالصين الشعبية تقف أمامها الند للند اقتصاديا وماليا، وروسيا الاتحادية أيضا استعادت الكثير من تفوقها التكنولوجي في عهد الاتحاد السوفييتي وخاصة في ميادين الأسلحة الأدق والأقوى تدميرًا، وهي تتفوق في كثير منها على أمريكا.

اللعب الذي بقي لـــ”ترمب” هو تصعيد التوتر في المنطقة ليس بغرض إشعال حرب له موقفه فيها حين أعلن أنه لا يتحمل رؤية نعوش الجنود الأمريكيين، لكنه يصعد هذا التوتر لابتزاز المملكة العربية السعودية ماليا، وخاصة وأنه بعد الزيادات التي عرفها الانتاج النفطي في بلاده والذي يجعل منها الأولى عالميا، فهو لا يحتاج إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بل يجب التملص منهم كمنتجين منافسين في السوق العالمية.

إن أمريكا بصدد الانسحاب من كل مواقعها في العالم، في شرق آسيا التي أصبحت تتحكم فيها الصين الشعبية وفي غربها أيضا بالتعاون والتحالف الاستراتيجي مع جمهورية روسيا الاتحادية، بقيت أوروبا التي ما زالت بعض دولها الغنية متصلبة في التمسك بكيان الاتحاد الأوروبي حتى بعد انسحاب بريطانيا منه للالتحاق بها.

 

إنه إعداد وتحضير للإبقاء على القوة الصناعية والتكنولوجية والمالية لبلاده حتى ولو وقع التعدد القطبي المنتظر.

أمريكا القوة النفطية الأولى في العالم يجب أن تحافظ على التفوق التكنولوجي والاقتصادي والمالي بصفة خاصة حين تحمي عملتها “الدولار” من أية عملة أخرى منافسة كما يدور الحديث حاليا في كواليس الصين وروسيا وبعض الدول الأسيوية.

هذه هي اللعبة التي يحاول “ترمب” لعبها في المرحلة الحالية والتي يحاول أن يقنع بها الناخب الأمريكي.

إسرائيل العقبة الكأداء

في كل هذا يجد “ترمب” نفسه كثير الانشغال دون الوصول إلى حلّ مرض له و لدولة الكيان الصهيوني التي يعتمد عليها و على أنصارها في الانتخابات القادمة.

صفقة القرن التي أعلن عنها وجد أنها تكاد تكون مستحيلة أمام أهم القوى المعارضة لها بما في ذلك في بلاده التي كانت السباقة إلى اقتراح حل الدولتين ومن طرف رئيس من حزبه الجمهوري، إضافة إلى القوى المعارضة في منطقة الشرق الأوسط التي تتزعمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي أصبح واثقا كل الثقة بأنها إن فرضت عليها الحرب فإنها لا شك ستزيل هذه الدولة من الوجود إما بصواريخها أو بالفصائل الفلسطينية وحزب اللـه الذين ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر، وإسرائيل تعرف الآن أنها لا تستطيع أن تحارب على جبهات كثيرة، والدول العربية الحليفة ستصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط تحت أقدام شعوبها الغاضبة منها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com