بعد صدور كتابه الجديد “المقاربة الدستورية: الجيش وإدارة الأزمة” البصائر تحاور الدكتور محمد بغداد/ حاورته: فاطمة طاهي
إستراتيجية المؤسسة العسكرية في مرافقة المطالب التي رفعت أثناء الأزمة
ضرورة دراسة المرافقة الإعلامية للأزمة مع ممارسة النقد الذاتي
صدر مؤخرا مؤلفا جديدا للكاتب الدكتور محمد بغداد، بعنوان “المقاربة الدستورية: الجيش وإدارة الأزمة”، وبهذا الإصدار الحديث ارتأت جريدة البصائر إجراء حوار معه، حول هذه الإستراتيجية التي انتهجتها المؤسسة العسكرية في مرافقتها للحراك الشعبي منذ 22 فيفري الفارط، والتي تطرق إليها المؤلف في كتابه من خلال دراسته الموضوعية والعلمية لمختلف مراحل إدارة الأزمة المعتمدة من قبل المؤسسة العسكرية، والتي زادت في تعزيز الثقة بين الشعب والجيش، كما تطرق المؤلف للحديث عن نقاط أخرى،كتقييمه للمتابعة الإعلامية للأزمة، داعيا إلى ضرورة “وضع هذه المرافقة تحت مجهر الدراسة”، ونقاط أخرى أشار إليها الدكتور محمد بغداد في ظل الوضع الراهن للبلاد.
حاورته: فاطمة طاهي
- في البداية أستاذ نبذة عن شخصكم الكريم؟
- الدكتور محمد بغداد اشتغل في المجال الإعلامي لأكثر من ثلاثين سنة، كما اشتغل في المجال الأكاديمي لمدة طويلة، وبينهما تناول بالدراسة على العديد من الظواهر الثقافية والفكرية، عبر مجموعة من الدراسات والأبحاث التي صدرت في أكثر من ثمانية عشر كتاب.
س1: صدر لكم مؤخرا كتابكم الحديث بعنوان:” المقاربة الدستورية: الجيش وإدارة الأزمة”، حدثنا دكتور عن ما تطرقتم إليه فيما يخص مراحل تعامل الجيش مع الحراك الشعبي ومستجداته؟
- إن المقاربة الدستورية مجهود شخصي حرص على الموضوعية والعلمية والحيادية، وتجنب قدر الإمكان الذاتية والانطباعية والمزاجية، من خلال الاشتغال على قراءة الاستراتيجية التي اعتمدتها المؤسسة العسكرية في مرافقة المطالب الجماعية التي رفعت أثناء الأزمة، في ضوء النظريات العلمية في موضوع إدارة الأزمة.
وقد اهتمت الدراسة بالتتبع المنهجي للمسار الزمني للأزمة، وبالنظر إلى القائم على إدارتها المعتمد للخيار الدستوري، كان العمل على ملامح المرتكزات الكبرى التي اعتمد عليها هذا الخيار في رؤيته للأزمة، والإمكانيات التي كان يجب عليه توفيرها لضمان نجاحه، وأولها مرتكز قدرة التقدير، الذي ينطلق من ضبط الرؤية الصحيحة والمناسبة لماهية الأزمة وطبيعتها، ومساحتها الزمنية، والنطاق الذي وجدت فيه والمناخ الملازم لها، وثانيها مرتكز قوة الحجاج، وهي القوة التي مارسها خطاب خيار المقاربة الدستورية في التعامل مع مستجدات الأزمة، وثالثها مرتكز طاقة الإقناع من خلال المسارعة إلى الاستحواذ على المحفزات ومعالم المخيال الجماعي والتحكم في مساراته وتجلياته.
س2: دكتور هذه الإستراتيجية التي انتهجها الجيش جسدت ثقة قوية بين الجيش والشعب أليس كذلك ؟
- هذه الإستراتيجية لم تحقق التلاحم المنجز بنفسها فقط، ولكنها استعانت بالمكانة الروحية والرصيد العاطفي الذي يربط المؤسسة العسكرية مع المجتمع، وهو من أهم عوامل نجاح أي مشروع وفي كل الظروف، دون أن نغفل تلك السمات والملامح التي لمسها المجتمع في طبيعة الذهنية التي تولت إدارة الأزمة، الأمر الذي فرض على المجتمع إحدى أكبر ***وهو أن جهود المؤسسة العسكرية بقدر أهميتها في حماية البلاد، إلا أن رسالتها الأهم تتمثل في ذلك تحفيز القوى الاجتماعية على الاتجاه نحو الاعتماد على الذات وممارسة النقد الذاتي وتعلم صناعة الحلول للمشاكل المستجدة.
س3: في جميع خطابات قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح يحذر فيها من أولئك الذين يحاولون زعزعة هذه الثقة ما رأيك؟
- إن طبيعة خطاب النخب التي تتولى مسؤولية البلاد وتتحمل تكاليف هذه المسؤولية، تجنح إلى ترجيح كفة الحذر والتوجس من المخاطر وتنبيه المجتمع إلى التكاليف الواجب الاستعداد لتحملها، والمؤسسة العسكرية بما تملكه من رصيد روحي في النفسية الجماعية وما تلزمه الموقع الدستوري الذي يوجب عليها التصرف بما يجعل البلاد في مأمن من كل المخاطر والتهديدات وإن كانت محتملة.
س4: دكتور هي 20 سنة من السكوت أو من تنويم وتخدير الشعب إن صح القول، في رأيكم ما سبب هذه الفطنة المفاجئة؟
- من الطبيعي أن لا تقبل الشعوب بالأوضاع التي تطور مسافتها الزمنية، سواء أكانت جيدة أو سيئة، وفي هذه الحالة تكون المواقف والسلوكات جانحة نحو الاتجاهات غير المحبذة، والمهم في كل التحولات والأزمات التي تواجه المجتمعات تلك المواقف والخطوات التي يتم بها العبور الأقل تكلفة، وكلما تمكنت المجتمعات من امتلاك الأدوات التي تحميها من المخاطر كان وقع الأزمات أقل ضررا .
س5: تقييمكم للنخبة الفكرية والاجتماعية والسياسية، هل تعتقد أن هذه النخبة قد استفادت من الحراك لتصحح أوضاع المجتمع أو قد ربما أغلبها شكلت عائقا على هذا الحراك؟
- من السابق لأوانه تقييم دور وموقف النخب تجاه الأحداث الجارية والتسرع فيه الكثير من المثالم والعثرات وسلوك غير محمود العواقب، ومن المفروض العمل على إنجاز تلك القيمة العلمية والمعرفية المضافة، التي تساعد الأجيال الجديدة على الانخراط في عوالم البحث العلمي والدراسات المتخصصة والاهتمام الجاد بالظواهر المستجدة في حياتنا، بعيدا عن الشحنات الانطباعية والعواصف العاطفية.
كما أن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم (مهما كانت زوايا الرؤية وخلفيات المواقف) تعد فرصة مهمة لمعالجة مواقع الخلل وإعادة النظر في الكثير من التصورات والمفاهيم المتداولة منذ سنوات، والوقوف أمام مرآة الحقيقة وإعلان مسيرة المراجعة والنقد الذكي للأوضاع، وتقبل النتائج الحاصلة والاستعداد لتحمل التكاليف المنتظرة.
س6: تقييمكم للمرافقة الإعلامية الوطنية والأجنبية في معالجة ومناقشة مستجدات الحراك الشعبي؟
- إن مفهوم القضية الإعلامية، تطور بشكل كبير وخاصة بعد سيطرة التكنلوجيات الاتصالية الحديثة على العالم، لكن للأسف التجربة الإعلامية عندنا غفلت عن هذه التحولات الاتصالية الكونية، وقد ضيعنا الكثير من الوقت دون ننتبه إلى هذه التحولات، وحتى بعد موجة التحولات الاستراتيجية في العالم العربي منذ سنة 2011، ولم نستفد بالقدر المناسب من التجربة الصحفية الجزائرية المؤسسة للمنظومة الإعلامية منذ بداية القرن العشرين، والتي تحتاج إلى بذل الكثير من الجهود كون تلك الممارسة هي من أعطت للممارسة الصحفية هويتها الإعلامية.
ولكن لا يجب أن نغفل عن تلك الحقيقة الصادمة والمتمثلة في ضرورة ممارسة النقد الذاتي، ووضع حصيلة المتابعة الإعلامية لهذه الأزمة تحت مجهر الدراسة والنقد الموضوعي، حتي يمكن التوصل إلى نتائج تستفيد منها الأجيال الجديدة، التي يزداد إقبالها على الفضاءات الاتصالية وارتفاع الرغبة الجامحة في ولوج الممارسة الإعلامية.
س7: كيف يمكن استجماع شروط تأمين الحراك وحمايته من السرقة والاغتيال من القوى الانتهازية؟
- إن التحولات التاريخية التي تمر بها الشعوب والمجتمعات، تتطلب توفر مجموعة من العوامل التي تجعل من هذه التحولات تندرج في الإطار الاضافة النوعية، التي تساعد هذه المجتمعات على الانخراط النوعي في التاريخ، وتقديم المساهمة الإيجابية في المسيرة الإنسانية.
ومن أهم هذه العوامل، تلك الإرادة القوية التي تبرز في التوليفة الجماعية، التي تراهن على صون المكتسبات التي يتم إنجازها، ومسارعة النخب الجادة التي تنتج الاجابة المناسبة للأسئلة التاريخية، التي تواجه تلك المجتمعات وتتمكن من تفسير الظواهر، وتجعل من المعرفة السبيل الأقرب إلى كسب الرهانات الكبرى.
وتحتاج الأزمة التي تمر بها البلاد اليوم إلى تلك اليقظة الجماعية التي تجعل من هذه الأزمة الفرصة الأهم لتجاوز عقبات الماضي والانتقال بعقلانية وواقعية نحو المستقبل، مع الأخذ في الحسبان التكاليف التاريخية المطلوبة، والاستعداد لتحمل أثقالها.
س8 ـ في نظركم كيف سيتحرك التغيير على خطي الراهن والمستقبل؟
- إن أهم ما يضمن السير الطبيعي للتحولات التي تداهم المجتمعات، الانتباه والقبول بقوانين التاريخ التي لا تحابي أي مجتمع أو شعب بحد ذاته، وكلما وجد الاستعداد لتحمل نتائج تطبيق قوانين التاريخ، كلما توفر النجاح وسهل على المجتمع الانخراط الطبيعي في التاريخ.
- شكرا لكم دكتور، كلمة أخيرة لقراء جريدة البصائر ؟
- إن عنوان (البصائر) له مكانته في النفسية والذهنية الجماعية للمجتمع،كونه يحمل الكثير من المعاني والقيم الجميلة، ومن محاسن القدر، أن تكون مؤسسة البصائر في هذا الزمن الذي يتطلع إليها الكثير من الفئات الاجتماعية، وبالذات الشباب الراغبين في الدخول في عالم الإعلام، ويمكن لمؤسسة البصائر أن تأخذ بيدها وتساعدها بما تملك من قيم وخبرات في تجاوزها الرهانات والتحديات الكبرى.