شاهد على ميلاد الحركة الإصلاحية لجمعية العلماء في عاصمة الأوراس على خطى ابن باديس ورفاقه/بقلم سعدي بزيان
يقول أستاذنا شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله 1930-2013 رحمه الله في كتابه “في الجدل الثقافي آراء ومناقشات لقضايا ثقافية وفكرية وأدبية” :”إذا وسوس لك الشيطان أو اعتراك النسيان فاذهب إلى الأوراس لتطهر من ذنوبك، وتنعش ذاكرتك، ولتعلم أنك ما تزال في بلاد الثورة التي حطمت الاستعمار وأصنامه، وأنك في مواطن الإسلام، وأنك في حصون العروبة الذي يتفاخر به عدنان وقحطان، إن الأوراس الأشم اسم دخل التاريخ من أوسع أبوابه، فشهد تعاقب الحضارات من عنبسة إلى عقبة بن نافع، رضي الله عنه مرورا بزعامة نوميديا، وزبانية الرومان وقد ازدهرت في جنباته طبنة واحتمت فيه قوافل الأشراف والمرابطين وبنيت على صوره زوايا العلم والتصوف وصدح على أيكته محمد العيد آل خليفة أمير الشعراء بأروع الأشعار ذلك هو الأوراس وقل مثل ذلك عن عاصمته باتنة التي زارها ابن باديس 3مرات، المرة الأولى بدعوة من المصلح الكبير ورائد الحركة الإصلاحية في باتنة الشيخ سي الحنفي العربي 1875-1976ن وهو والد الشيخ محمد عبد القادر العربي الذي وصفه صديقنا لمباركية نوار “بالتاجر المعروف في مدينة باتنة وصاحب المساهمات الرائعة في الحركة الإصلاحية والتربوية والاجتماعية فيها: بواكير انطلاقاتها وكان المرحوم الشيخ الحنفي العربي وهو شبه أمي استقر به المقام في باتنة وافدا إليها من منطقة القبائل أول من أسس مدرسة من ماله الخاص، في عاصمة الأوراس باتنة وأصبح الناس يتحدثون عن مدرسة الحنفي العربي، وقد استجاب بن باديس لدعوته بزيارة باتنة فلبى بن باديس الدعوة وزار عاصمة الأوراس تقديرا لهذا الرجل العظيم الذي وهبه الله محبة الدين الإسلامي واللغة العربية وهو الذي لم يدخل مدرسة ولا جامعة، وقد تعرف على بن باديس في إحدى دروسه أثناء وجوده في رحلة تجارية إلى قسنطينة وتأثر بدروسه وكان كلما زار قسنطينة في إطار أسفاره، كسبا للعيش إلا وحضر دروس بن باديس، وكان المرحوم الشيخ الحنفي العربي وهو كما قلنا لم يدخل مدرسة، ولم يدرس في الجامعة إلا أن الله ألهمه حب الدين واللغة العربية وأخلص لهذا المبدإ، لقد روى عنه صديقنا لمباركية نوار حكمة رائعة كان يرددها باستمرار رحمه الله وهي: “أعرف واحدا، ولا تعرف أحدا، واخش واحدا، ولا تخش أحدا”
وها هو ابنه الشيخ محمد عبد القادر العربي يقتفي أثر والده وصدق من قال” من شابه أباه فما ظلم” ولد المرحوم محمد عبد القادر العربي في يوم 4جانفي 1924، وهو الابن البكر للشيخ الحنفي العربي، وقد التحق بحلقات دروس الشيخ عبد القادر زمورى وهو من قلب الأوراس ومن رجال الإصلاح في المنطقة وعندما أسس والده رحمه الله مدرسة التربية والتعليم في عاصمة الأوراس باتنة كان واحدا من تلامذتها، ودرس على الشيخ محمد الغسيري 1915-1974، وهو أحد أقطاب جمعية العلماء وتلميذ ومساعد الشيخ بن باديس ومفتش مدارس جمعية العلماء ومدرس في مدرسة التربية والتعليم، وكان من زملائه في المدرسة الشهيد العربي بن مهيدي رحمه الله، كما درس معه الشاعر والدبلوماسي المعروف صالح الخرفي من بني مزاب وها هو محمد عبد القادر العربي نجل الحنفي العربي في حلقات الدروس الباديسية، وقد اصطحبه والده إلى قسنطينة الذي دعا له بالصلاح والتوفيق، وقد التزم دروس بن باديس سنتين كاملتين 1939-1940 تاريخ وفاة رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكان محمد الشيخ عبد القادر من ثمرات الفكر الإصلاحي الباديس، بل جمع بين الإصلاح والفكر الثوري فله باع وذراع في ثورة نوفمبر 1954، وكان من أنصارها إذ كانت تربطه علاقات وطنية مع الشهيد مصطفى بن بولعيد واستطاع أن يجمع كما قلت بين الفكر الإصلاحي والفكر الثوري ومن حق باتنة عاصمة الأوراس أن يستقطب شخصيات لها في مجال الحركة الإصلاحية دور كبير في الأرواس ويكفيها فخرا أن أحد أبناءها وهو الشيخ الطهر مسعودان الحركاتي الذي حضر حفل تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في نادي الترقي بالجزائر العاصمة في 5مايو1931، وهو أول مؤسس لشعبة جمعية العلماء في باتنة، وظل يشغل منصب إمام المسجد العتيق وكانت معه شخصيات معروفة في باتنة تؤازره وتشد ساعده وفي مقدمة هؤلاء الشيخ الطيب معاش “1897-1990″ وهو والد الشاعر والأديب والمجاهد أحمد معاش 1926-2005” والشيخ روابحي سي الطاهر “1888-1960″ والشيخ عمر دردور 1913-2009″ والمجاهد المصلح الشيخ سي محمود الواعي 1919-1998″ وهو قطب من أقطاب الإصلاح والجهاد والشهيد بن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم 1900-1957″ الذي أسس في منزله وبماله الخاص مدرسة تعليم القرآن وتحفيظه، وهو أحد تلامذة بن باديس وفي غمار الحديث عن الحركة الإصلاحية في عاصمة الأوراس لا ينسينا الحديث عن مشايخ من جمعية العلماء لعبوا دورا في الحركة الإصلاحية في باتنة، ومن بين هؤلاء الأخوان: الشيخ مبارك قرفي الذي رافق الحركة الإصلاحية في باتنة كمعلم وواصل مسيرته بعد الاستقلال إلى أن توفي في حين استقر شقيقه سي عبد الله بالجزائر العاصمة بعد أن أدى دوره كما ينبغي في باتنة، ومات رحمه الله في الجزائر العاصمة وهل لنا أن ننسى الشيخ أحمد سوعدي 1916-2007″ وهو من خنشلة خريج جماع الزيتونة وأول مدير لمدرسة النشء الجديدة بباتنة، والتابعة لجمعية العلماء والتي افتتحت في 5سبتمبر1954، وحضر حفل الافتتاح شخصيات من باتنة ومن كبار رجال جمعية العلماء وفي مقدمتهم الشيوخ توفيق المدني والشيخ الطاهر مسعودان الحركاتي وقاضي قدور والشيخ نعيم النعيمي، والشيخ أحمد سعودي، والمحامي حاليا الشيخ موسواي زروق وهو أحد طلبة معهد بن باديس والذي افتتح الحفل بترتيل آيات من الذكر الحكيم، وشخصيات أخرى وكانت باتنة على موعد مع التاريخ وهي تحتفل بافتتاح مدرسة النشء الجديد” أول مدرسة تابعة لجمعية العلماء في باتنة وكان قطب الحفل أمير شعراء الجزائر الذي صدح بقصيدة شعرية اهتز لها جبل الشلعلع فأطرب لها أوراس وعاصمتها باتنة وجاء في مطلعها:
حثثنا نحو باتنة المطايا وجئناها نزف لها التحايا
ونُهديها تهاني طيباتٍ كوامِنَ في جوانحنا شَذايا
ونتلو الشواهد ساطعات فواصل من محامدها جلايا
حتى يقول:
أليست أُخت أوراس المعلى وجارة توقر الخطب الحنايا
وهي قصيدة طويلة ختمها بقوله:
خُذوا بالعروة الوثقى وشدوا مواثقكم بإخلاص النوايا
ولا تلهوا عن الأهداف وامضوا إليها كالسهام من الرمايا
إلى آخر ما في القصيدة
وكان أحد قادة الإصلاح وهو سي المسعود قرفي أحد التجار من غسيرة، أحد قادة الإصلاح عندما زرته عشية الاحتفال بمدرسته النشء الجديد وغداة اندلاع ثورة نوفمبر 1954، حدثني عن هذا الحفل وقال عنه إنه لم يشاهد مثله في حياته، والجدير بالذكر أن سي المسعود قرفي هو والد عبد الحميد قرفي مؤسس دار الشهاب، تيمنا بجريدة الشهاب لابن باديس، وهي الآن من أقدم وأكبر دور النشر في الجزائر وتحمل اسم الشهاب الدولي ويديرها عز الدين قرفي. الذي ينتمي إلى جده سي المسعود قرفي الوارد ذكره من قبل وكان جده رحمه الله من أعيان عاصمة الأوراس باتنة، وكانت تربطه علاقات حميمة مع الحاج عمار والد المجاهد والوزير السابق للمجاهدين محمد الشريف عباس الطالب بمعهد بن باديس وقد أصدر الطبعة الثانية من كتابه عن والده بعنوان “الحاج عمار سيرة ومسيرة” وطلب مني أن أكتب له شهادة حول المصلح سي المسعود قرفي كما عرفته، ليضيفها في كتابه كما كان والد محمد الشريف عباس تربطه علاقات حميمة مع بن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم 1900-1957 الذي كان أحدج رجال الإصلاح في عاصمة الأوراس في باتنة وتربطه علاقات حميمة مع العديد من رجال الإصلاح ومن مشايخ جمعية العلماء، وقد لعب دورا في دعم ثورة التحرير كما كان له دور في الإصلاح فقد اختطف هو وابنه الطاهر وعُذبا عذابا شديدا وتم التخلص منهما ولا يعرف لهما لحد الآن قبر، ورحم الله جميع شهدائنا في ثورة التحرير، وقد حظيت عاصمة الأوراس بكوكبة من مشايخ جمعية العلماء ومن هؤلاء الأمير صالحي 1921-1985″ وهو رفيق الشهيد بن بولعيد والشيخ محمد الغسيري المنصوري 1915-1974″ والشاعر والمجاهد الشيخ الشبوكي 1916-2005 صاحب نشيد:”من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا”، وقد غدا بعد الاستقلال نائبا في المجلس الشعبي الوطني الشعبي ولا ننسى الأخوين عبد الله قرفي ومبارك قرفي والشيخ أحمد ذياب والشيخ علي طيار وأمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة 1904-1979، وهو أديب ومصلح وله باع وذراع في خدمة الإصلاح منذ ميلاد جمعية العلماء إلى رحيله.