قضايا و آراء

لا لتكرار مأساة 1991/ عبد العزيز كحيل

 أريد أن يعلم الشباب أننا كنا ننعم بالحرية منذ 1988 أكتوبر، حرية يرعاها الرئيس الشاذلي بن جديد الذي أسس حياة ديمقراطية بالمواصفات العالمية كانت هي التجربة الأولى في العالم العربي الذي كان يرزح منذ استقلال دوله تحت نير الأنظمة العسكرية والبوليسية المستبدة، وأقبلنا في 1991 على انتخابات تشريعية مفصلية توفرت فيها مقاييس الحرية والنزاهة والشفافية، لكن جبهة الإنقاذ رأت أن مشكلة الجزائر الأولى هي بقاء الرئيس في سدة الحكم، ونادت – عبر مسيرات مليونية وشعارات تناقلتها ألسِنة الصغار والكبار –  بتنحيته مهما كان الثمن، ورفعت شعارات “مسمار جحا يلزم يتنحى”- “لا عمل لا تدريس حتى يسقط الرئيس”، فقدمت خدمة مجانية للأقلية الاستئصالية المتربصة فقامت هذه بالانقلاب المشؤوم على الرئيس وأدخلت البلاد مأساة دامت 10 سنوات، ذهبت فيها الحرية والديمقراطية، ونشأت العصابة وأصبح الفساد هو نظام الحكم، إلى جانب عشرات الآلاف من أرواح الجزائريين بالإضافة إلى المصابين بدنيا ونفسيا والخراب الذي طال جميع مجالات ومستويات الحياة الوطنية.

مع الأسف بعض الجزائريين لم يحفظوا الدرس وأراهم يهيئون الظروف لتكرار المأساة، وهذا ما يجب أن نرفضه بقوة…10 سنوات من الحرب الأهلية و20 سنة من حكم العصابة بركات، بركات.

ألا نتعظ؟ ألا نتقي الله في هذه البلاد المسكينة؟ ألا نتعلم لعبة الديمقراطية والاحتكام إلى الصندوق (مهما كانت نقائص هذه التجربة الآن فهي في رأيي أفضل من اتباع مخطط الأقلية العنصرية…وهو مخطط واضح جليّ يهدف إلى جرّ البلاد إلى فتنة عمياء تؤججها أطراف خارجية معروفة)، كيف نقطع الغصن الذي نجلس عليه مثلما فعلوا مع الرئيس الشاذلي؟

مهما كانت تحفظاتي على مسار الانتخابات الرئاسية – ولدي تحفظات على عدم الاستجابة للشعب في تنحية حكومة بدوي وكذلك تعيين وجوه مرفوضة على رأس لجنة الحوار والهيئة المستقلة – إلا أني لا أنسى أن قيادة الجيش هي التي قضت على العصابة وحمت الحراك وفتحت آفاق التغيير، ولا يمكنني – أنا الذي عشت مأساة التسعينيات مثل باقي الجزائريين – أن أتغافل عن هذه النقلة النوعية، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

مخطط الأقلية التغريبية ظاهر للعيان، كيف لا يبصره إخواننا ؟ إذا طالبنا بإسقاط من أسقط العصابة معنى ذلك أننا نحنّ لرجوع العصابة…الجزائر الجديدة يبنيها الجميع لكن بالتدريج وبالاحتكام إلى العقل وبتدارك السلبيات.

لاحظوا: الأحزاب والجمعيات التي ترفض الانتخابات نهائيا وقطعيا وتضع شروطا تعجيزية لإجرائها ( دستور جديد وجمعية تأسيسية، أي العربة أمام الحصان) تنتمي للون سياسي واحد.
رؤساء البلديات الذين يرفضون السماح بإجراء الانتخابات من نفس اللون ومن منطقة واحدة مع الأسف.
المحامون الذين يدافعون عن عصابة البليدة والحراش من هذا اللون.
فرنسا تومئ – أو تصرّح ؟- إلى رفض هذه الانتخابات ونائبتُها تدعّم علنا هذا اللون.
وهذا “اللون السياسي” يزعم أنها يتكلم باسم الحراك وهناك من يصدّقه.
بعيدا عن التحليلات السياسية ماذا نستنتج – نحن الشعب – بداهة من هذا الاصطفاف؟
أنا ضد التضييق على الحريات واعتقال النشطاء الأبرياء لكني لستُ غبيا حتى أتغافل عن الحركات المشبوهة لهذه الأقلية السياسية التي كانت تعتبر رغباتها أوامر وتكسرَ جناحها.

مهما كانت النقائص فإن الانتخابات أفضل من خيار الدخول في المجهول، وقد جربنا ذلك واكتوينا بنار لا أعادها الله علينا، والوقت ما زال متاحا لنختار وننحاز لمرشح يمثل الأغلبية ونلتفّ حوله ونحرس العملية الانتخابية منذ مراجعة القوائم انتهاء بعملية الفرز…حدث هذا في 1991 فقطع الطريق على التزوير، الفرق الوحيد أننا اليوم في مأمن من انقلاب عسكري لأن الجيش الآن مع الشعب وليس مع الأقلية… وهذا ما جعلها تتهمه وتخوّنه وتشيطنه.

هذا أفضل من المغامرة نحو المجهول لأني لا انتظر من الرئيس القادم أن يغيّر كل شئ ولكن فقط أن تكون عهدته  فاتحة حياة سياسية ديمقراطية تعددية نصلح فيها شؤون بلادنا تدريجيا.

اسمعوها مني أبنائي وإخواني فإنها كلام مجرّب…”وأنا لكم ناصح أمين”…نختلف نعم، نتنافس نعم، نسقط في مخطط العودة إلى التسعينيات لا وألف لا.

اللهم جنّب الجزائر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجمع شملنا وألف بين قلوبنا ووحد صفنا وبصّرنا بعيوب عقولنا.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com