من يتذكر السد الأخضر؟/ عبد العزيز كحيل
في مبادرة غير منتظرة وفي توقيت غير ملائم تفتح الحكومة ملف “السد الأخضر”، ذلك المشروع الضخم الذي فتح آمالا عريضة في حينه لكنه وُلد ميتا مثل جميع مشروعات عشرية السبعينيات التي كانت جميلة المظهر لكنها تفتقد إلى العلمية والواقعية لأنها كانت إجراءات سياسية بامتياز تهمل الجانب الاقتصادي إلى حد بعيد.
كلما ذهبت إلى غربنا عبر ولاية مسيلة ومررتُ ببقايا “السدّ الخضر” تذكرت ذلك المشروع العظيم الذي لو تمّ إنجازه لغيّر حياة الجزائر مناخيا واقتصاديا واجتماعيا، لا شك أن ذلك الجيل يتذكره لكن معظم الشباب لا يسمعون عنه خبرا.
أنا عشتُ مرحلة إطلاقه وأعرف شيئا عن مساره.
هو مشروع إنشاء سدّ من الأشجار يمتدّ من شرق البلاد إلى غربها على مستوى الهضاب العليا وشمال الصحراء لوقف زحف الرمال، أطلقته الحكومة في مطلع السبعينيات (إلى جانب مشروعات ضخمة أخرى هي طريق الوحدة الإفريقية ومجانية العلاج ومصنع الحجار…وقد فشلت جميعا لأنها كانت مجرد سياسة أبّهة).
السدّ الأخضر كان فكرة رائعة حكيمة، لعلّه أحسن مشروع فكرت فيه السلطة منذ الاستقلال، فماذا حدث؟ ولماذا فشل إذ لم يبق منه إلا آثار قليلة متناثرة هنا وهناك أراها دائما في محاذاة الطريق؟
هذه شهادتي: أوكل إنجاز المشروع لشباب الخدمة الوطنية وكانت هذه في بدايتها ومدتُها 24 شهرا وكانت آنذاك ثقيلة جدا على نفوس الشباب، هؤلاء وجدوا أنفسهم في حرّ الصيف وبرد الشتاء في مناطق معزولة يغرسون الأشجار…كنتُ حينها أؤدي الخدمة العسكرية لكن في ثكنة بعيدة عن مشروع السدّ الأخضر وسمعت من أترابي أن الواحد منهم كان يغرس الشجيرة لأنه مرغم على ذلك، فماذا يفعل؟ يكسّرها في الحفرة … انتقاما لحاله!!! إذًا غُرست الأشجار لكن غُرست وهي ميّتة… وضاع المشروع، خاصة مع العلم أن الأمر كان يقتصر في الغالب على عملية الغرس ثم تنقطع المتابعة من سقي وتعاهد ونحوها…تماما مثل ما حدث مع باقي مشروعات تلك الحقبة.
اليوم يتنادى الناس بغرس 40 مليون شجرة، هذا ممكن جدا وأؤيده بقوة وحماس ولعلها المناسبة المواتية لإحياء مشروع السدّ الأخضر بشرط اتباع الطرق العلمية من البداية إلى النهاية، فالهواية لا تحقق المطالب… يجب أن يكون مشروعا وطنيا تتولاه الدولة بنفسها ولا تحرص فقط على إطلاقه بل تتابع إنجازه بصرامة حتى يكتمل ولا بأس أن يكون للمواطنين مساهمة فيه بشكل مدروس، وقد قرأنا في بيان الحكومة ما يطمئن في هذا الصدد حيث أكدت أن الدولة هي التي ستتولى الإنجاز والمتابعة، ولنا أن نتصورّ النقلة البعيدة التي سيحدثها هذا المشروع عند إتمامه حيث يفتح الآفاق لبناء مدن جديدة كبوابات للصحراء ويفك العزلة عن مناطق عديدة ويفتح آفاقا للتنمية بدءا بالزراعة، وبالتالي إتاحة فرص كبيرة جدا للتشغيل وخلق الثروة عبر مشروعات اقتصادية صغيرة ومتوسطة في ميادين الإنتاج والخدمات.
وعوْدا على بدء أذكّر بكل موضوعية بأن مشروعات السبعينيات أهدرت أموالا طائلة لكنها كانت فاشلة منذ الخطة الأولى لأنها كانت استنساخا حرفيا للتجارب الشيوعية، وحدث لها ما حدث في الإتحاد السوفييتي والصين، ولولا نعمة البترول لوقعت عندما المجاعات الرهيبة كما حدثت في المعسكر الشرقي، الثورة الزراعية خربت الفلاحة (وما زلنا نجر ذيول المشكلة إلى اليوم)، الحجار كان يستخدم 00180 عاملا ثم اكتشفنا أن طاقة استيعابه هي 4000 عاملا فقط أي تمّ تشييده وفق التصور الشيوعي الذي يوزع الأرباح سنويا على عمال المؤسسات المفلسة !!!، التسيير الاشتراكي للمؤسسات أصاب القطاع الاقتصادي بالشلل وفرّخ الفساد المالي والعطالة، وقل نفس الشيء عن العلاج المجاني الذي خرّب قطاع الصحة وطريق الوحدة الإفريقية الذي ابتلع مبالغ خيالية وبقي معظمه فريسة للرمال.
فهل نحفظ الدرس ونترك التسيير “الاجتماعي” social ونتبنى التسيير العلمي؟