أمريكا في مواجهة إيران –2/ أ. محمد الحسن أكيلال
“ترمب”.. يقع في شر أعماله
ها هو الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” يصبح مرة أخرى هدفا لرماية الحزب الديمقراطي المنافس في الانتخابات الرئاسية القادمة والتشريعية، هدفا لمنافسه على العهدة القادمة “جون بايدن”، وهذه المرة قد تصل الرماية حد إزاحته من الرئاسة نهائيا قبل نهاية العهدة، حسب بعض الملاحظين والصحافة الأمريكية التي ما انفك يناصبها العداء منذ توليه الرئاسة.
كعادته في الإعداد لكل عملية يريد القيام بها في مجال اختصاصه ونشاطه كرجل أعمال يقوم بنصب فخاخ وحبك الدسائس والمؤامرات ليصطاد بها خصمه ومنافسه، في هذه المرة التجأ إلى خارج الولايات المتحدة، إلى أوكرانيا، جارة الاتحاد الروسي التي اتهم في حملته الانتخابية للعهدة الحالية بإشراك الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في التجسس على الحزب الديمقراطي، والرئيس “بوتين” المعروف بدهائه وشدة ذكائه لا يترك لأي عملية يقوم بها أثرًا يذكر يمكن أن يكون ولو قرينة إثبات. أما الرئيس الأوكراني الجديد كل الجدة في العمل السياسي، وهو في كل الأحوال ليس مبادرًا للمؤامرة، بل “ترمب” نفسه هو الذي كلمه بالهاتف وفرض عليه رشوة قيمتها 400 مليون دولار كمساعدات عسكرية، والمكالمة تكررت مرارًا وتكرارًا وسجله في غرفة خاصة في البيت الأبيض مبعوثه الشخصي إلى أوكرانيا للقيام بالمهمة قدم استقالته بعد رجوعه، وأغلبية مجلس النواب وهم من الحزب الخصم “الديمقراطي” يطالبون بحضور رئيس اللجنة من مجلس الأمن القومي لاستجوابه حول الموضوع وحيثياته، كما أن عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ ضم صوته إلى النواب الديمقراطيين في طلب فتح التحقيق حول الموضوع.
“ترمب” قد يكون متشائما هذه المرة، وخاصة وأن حليفه في الدولة العبرية وصديقه الحميم “بن يمين نتانياهو” الذي فعل كل شيء لإنقاذه من السقوط في الانتخابات، لم ينجح في إنقاذه، بل وينتظر أن يمثل أمام العدالة بتهم فساد ثقيلة، لقد مكنه من تحقيق كل ما يريد ويريده ناخبوه من المتطرفين اليهود، من توقيع قرار ضم كل القدس وجعلها عاصمة للكيان وضم أراض من الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية، كل هذا لم يشفع لصديقه، بقي له الآن أن ينتظر دوره إذا وصل التحقيق حول القضية إلى نتيجة يخاف منها هذه الأيام.
إيران ليست أية دولة
في البداية، حين أقدم على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كان يظن أنه سينجح في إخضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخاصة وأن كل الدول الأوروبية الموقعة مع بلاده مقيدة بشروط العلاقات المالية والاقتصادية والتجارية مع بلاده، فهي لا تستطيع التخلص من تبعات تلك الشروط المجحفة والقاسية، كما أنها بحكم التنسيق الأمني والعسكري والعضوية في حلف شمال الحلف الأطلسي، فهي لا شك ستجد أنفسها مرغمة على الانصياع للإملاءات الأمريكية فيما يتعلق بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، كما أنها هي أيضا لم تسلم من العقوبات التجارية التي فرضها عليها كمقدمة للابتزاز وقبول الأمر الواقع.
لكن “ترمب” كعادته سلوكه المعروف بتضخم عقدة الجبروت والغطرسة يرى في إيران دولة مثلها مثل كل الدول النفطية في الشرق الأوسط لا تستطيع البقاء كثيرًا دون عائدات النفط التي تساعدها على حل مشاكلها الاقتصادية الكثيرة التي أرهقتها فعلا بالعقوبات الاقتصادية أكثر من أربعين سنة؛ كان يظن أنها مثلها مثل المملكة العربية السعودية، وأن شعبها ككل الشعوب العربية والإسلامية سرعان ما تخرج في مظاهرات عارمة تدعو إلى سقوط النظام.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست مثل المملكة العربية السعودية والشعب الإيراني ليس كالشعب السعودي، الشعب الإيراني أمة بأتم معنى الكلمة بكل مقومات الأمة السيكولوجية والثقافية والتاريخية والحضارية والشعب السعودي ما هو إلاّ جزء من أمة فككتها المملكة العربية السعودية منذ بداية نشأتها بسياسة قادتها وملوكها الرعناء التي كثيرًا ما كانت تتسم بالكثير من العمالة والخضوع للقوى الإمبريالية والاستعمار ما يجعل كل الشعوب العربية متأففة وضجرة منها.
الصامد دائما هو المنتصر
لقد نجحت إيران في تخطي كل الاختبارات الأمريكية، ابتداء من الطائرة المسيرة التي أسقطتها الدفاعات الجوية في الأراضي الإيرانية، مرورًا باحتجاز حاملة النفط في مضيق “جبل طارق” من طرف القوات البريطانية في المستعمرة، وقبلها بقواعد ومواقع الاشتباك في سوريا ودعم محور المقاومة.
لأمريكا الآن أن تختار بين الالتزام بالاتفاق النووي أو إشعال الحرب في كل المنطقة وقد تكون سببا في زوال إسرائيل، القاعدة الأمامية لأمريكا في المنطقة.
إيران في الأمم المتحدة استطاعت أن تقنع أغلبية ممثلي الدول في هذا الحفل بوجاهة موقفها وصواب رأيها، فهي لم تكن معتدية على أحد، ولم تتوقف يوما عن تكرار القول بأن تجاربها النووية للأغراض السلمية فقط، وهي مستندة في هذا إلى الشريعة الإسلامية السمحاء التي تحرم عليها صنع أسلحة فتاكة بالبشر، مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودفاعها عن الشعب الفلسطيني يندرج في تمسكها بقرارات الشرعية الدولية ومكافحة الاستعمار، كما أن المملكة العربية السعودية التي تتواجد فيها قواعد أمريكية وتتوفر على أكبر مخزون للأسلحة الأمريكية، هي التي تشكل خطرًا على إيران وكل شعوب المنطقة.
فللغرب أن يقارن ويستنتج، أيحق للولايات المتحدة مواصلة عربدتها وغطرستها وابتزازها المالي لدول المنطقة خدمة لمصالحها الخاصة ومنها تأمين الاستعمار الاستيطاني للكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية والسورية وقد تصل يوما إلى احتلال أراض عربية أخرى ما دامت لا تعترف بالحدود.