هذه نصيحتي!!!/ د. عبد الحليم قابة
إن الخلاف في الموقف من الانتخابات واقع، لا ينكره أحد، بسبب اختلاف المعطيات والمعلومات والاعتبارات، ولستُ -هنا- متحملا مسؤولية الدعوة الصريحة إلى المشاركة أو المقاطعة. وهذا طبعا سوف لن يعجب الكثير، لكن تقديم رضى الله على رضى الناس واجب، وهو يحتم علي أن أقول لأبناء وطني (شعبا، وجيشا، حكاما ومحكومين) ما يلي:
أولا: إن الاختلاف أمرٌ طبيعي في مثل هذا الأمر لاختلاف التقديرات والموازين والمعلومات بين شخص وآخر، فلا ينبغي أن تعتبروا هذا الخلاف تفرقا وتحولوه إلى عداوات، واتهامات، وتخوين، ويكفي أن يكون الإنسان حريصا على المبادئ ووحدة البلد ومواطنيه، وأن يكون صادقا يريد الخير للجزائر، حتى وإن خالف رأيه رأيي، فهو جزائري لا فضل لي عليه، ولا فضل له عليّ إلا بالتقوى ونفع الناس والحرص على ما يصلح للبلاد وللعباد.
ثانيا: لا ينبغي أن نختلف أبدا، ولا نقبل الخلاف في أمور معينة لم أجد أحدا يخالف فيها من العقلاء والخيِّرين، وهي:
1- ضرورة أن يُنتخب رئيسٌ للبلاد في أقرب فرصة، يتمتع بالكفاءة والصدق، بشكل شفاف، وبانتخابات حرة نزيهة تُشرف عليها الأمة عن طريق لجان حرة متنوعة المشارب لنضمن عدم التواطؤ على التزوير والخيانات (في الموعد المحدد أو في غيره) (وهناك مساعٍ كبيرة لهذا أرجو أن تُكلل بالنجاح).
2- ضرورة المسارعة إلى طمأنة الأمة بضمان نزاهة الانتخابات وتوفر ضمانات ذلك، بتدابير واضحة فيها استجابة للمطالب الشعبية بوضوح، وإلا فلا لوم على من قاطعها أو لم يرشح أحدا لها، أو لم يترشح، ولا ينبغي – بسبب ذلك – إدانتُه ولا تخوينه، ولا اتهامه في وطنيته وولائه لأمته.
3- ضرورة المشاركة لاختيار الشخص المناسب – إذا توفرت الشروط اللازمة وأُقيمت الانتخابات – وَفق معايير الخوف من الله، والصدق والأمانة، والإخلاص لله وللوطن وللأمة، والكفاءة والقدرة على مهام هذه المسؤولية الكبرى. وضرورة الابتعاد عن الاعتبارات التافهة، والعرقية، والساذجة، والجاهلية.
فإن تحققت الشروط -ولو بالحدّ الأدنى الممكن – ولم نشارك، أو شاركنا ولم نلتزم هذه الضوابط؛ فإني أخشى أننا سندفع ثمنا غاليا في الدنيا، بخراب قرطبة كما يقولون، وفي الآخرة بالحساب الشديد على التفريط والإهمال، والعياذ بالله.
4- مهما كانت القرارات والمفاجآت والنتائج، فإن أمن البلد وحقوق العباد ودماء الجزائريين ودينهم وأموالهم وأعراضهم، خطٌّ أحمر لا يجوز تجاوزه تحت أيّ مسمّى، وبأيِّ مبرر من المبررات، ومن خالف ذلك من الشعب أو من السلطة فإنه يتحمل مسؤوليته كاملة أمام الله، والأمة، والتاريخ، ولابد أن تلحقه العقوبة المخزية في الدنيا لا محالة، والعقوبة المهينة في الآخرة والعياذ بالله.
5- أن أي أحد من المترشحين لابد أن يُعلن أنه سيحافظ على الثوابت الدينية والوطنية، وسيسعى جاهدا لمصلحة الأمة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وإلا وجب العدول عن انتخابه، واختيار غيره ممن قلبه وقالبه مع الجزائر، ودين الجزائر، ووحدة الجزائر، ومصلحة الجزائر، وإذا قدّر الله أن حكم البلاد أحدٌ لا يبالي بهذه الثوابت ويحاربها؛ ويسير على سيرة المجرمين؛ فإن الرضى به أمرٌ محرم، والسعي لاستبدال غيره به أمر واجب شرعا وقانونا وواقعا، بما هو ممكن مما لا تترتب عليه مفسدة أكبر.
ثالثا: لا ينبغي لوم ولا تخوين أي طرف لغيره إذا أراد أن لا ينتخب أو أن لا يترشح، أو أن لا يرشّح شخصا، بسبب عدم توفر الضمانات، أو عدم اطمئنانه لها حسب المعطيات التي عنده.
وكذا لا ينبغي ذلك مع من أراد أن ينتخب لتوافر الضمانات حسب علمه، أو لاطمئنان نفسه لما هو موجود؛ أو لغير ذلك من الاعتبارات المقبولة؛ لأن المسألة تتجاذبها اعتبارات مختلفة، وأبناء البلد منقسمون، والحفاظ على الوحدة والألفة حتى على الأمر المفضول، خير من التنازع والشقاق ولو على الأمر الفاضل لما يترتب على التنازع من الضعف وذهاب الريح كما قال الله تعالى.
رابعا: لشدة الخلاف في هذا الموضوع، وكثرة التخوينات -هذه الأيام – التي أشاعها الطرفان ضدّ بعضهم بعضا، فإني أحذّر من تحّول الخلاف إلى عراك وعنف واستعمال الأساليب الجاهلية لفرض الرأي على المخالف، أو لمنع أحد من التصرف الذي يراه، وأرجو أن يُعاقب كل من يخوّن غيره أو يمارس معه العنف لمنعه بالقهر من الانتخاب، أو لحمله غصبا عنه على الانتخاب، وأن تُتَّخذ التدابير اللازمة لذلك، لأن ذلك ممنوع قانونا ومحرم شرعا، ولأن الناس أحرار فلا يجوز حملهم على ما لا يريدون مما هم فيه مخيّرون وعليه سيُسألون.
خامسا: انتبهوا إلى مكائد فرنسا وذيولها في بلادنا، وإلى ما يخطط له الأعداء في الداخل والخارج، وإلى مكرهم بنا وبشعوبنا سرا وعلانية، واسمعوا لعقلائكم وعلمائكم وخبرائكم، ودَعوا عنكم نخوة الجاهلية، والغرور، والكبر، والإعجاب بالنفس، واعتبروا بحوادث التاريُخ، وخذوا العبرة من قصص الأنبياء وسير الصالحين، وقدما مصلحة الأمة على مصالحكم، ووازنوا بين المصالح والمفاسد بوعي ورشد، ثم سيروا على بركة الله لإعادة مجدكم، وصنع تاريخكم بأيديكم، وبتعاونكم، وباجتماع كلمتكم، وباللُّحمة بين جيشكم وشعبكم، وبين مختلف أعراقكم وجهاتكم، والله معكم.
أخيرا:
أسأل الله أن يلهم الجميع رُشدهم، وأن يوفق الجميع لما فيه مصلحة البلاد والعباد، وأن تمر هذه المرحلة بسلام ورشد وأمان، وأن يجعل ما تستقبله الجزائر خيرا مما استدبرته، وأن يُسلِّمنا من مكائد الكائدين، وانحرافات المنحرفين، وأخطاء المخطئين، وأن يُبعد عنا المجرمين، والخائنين، والضعفاء، والماكرين، والانتهازيين، وأن يتقبل منا ويُحسن عاقبتنا أجمعين. اللهم آمين.